حي مار مخايل عنوان جديد للسهر في لبنان

بيوته عتيقة ومحاله على الطريقة الأوروبية

يجذب شارع مار مخايل العديد من الشاب الباحثين عن أماكن جميلة للسهر
TT

لا يختصر رائحة شارع مار مخايل البيروتي إلا الحنين. لا تزال عائلاته تسكن شققه القديمة وهو يتحول إلى شارع سياحي ينافس أحياء بيروت الساهرة لجوه الخاص، حيث لا يكتفي زواره من اكتشاف سحره. حي يحافظ على صورة الأحياء البيروتية العتيقة، ترمم أجزاؤه المتآلفة محال صغيرة لبيع قطع غيار المركبات الميكانيكية وكاراجات لتصليح السيارات حيث يتحول بعضها ليلا إلى مساحة للرقص والسهر، فهي كل ما يحتويه الحي الصاخب ليلا. لا تبقى هذه الكاراجات على حالها، تتبدل كليا لتستوعب الصراخ العارم مع موسيقى شابة لا حدود لها.

يخفي الشارع تناقضات عدة في تفاصيله، بيوت عتيقة ومحال صغيرة مستحدثة على الطريقة الأوروبية والأميركية تمزج روحا خاصة وتضفي على الحي لونا مميزا يحتفي به وحيدا. يظن العابر فيه أنه دخل حيا سكنيا عاديا لكنه لا يلبث أن يكتشف أمرا آخرا وهو يتجول فيه، يكتشف الألفة. يقول سامي رمال: «الحي يختلف بجوه وموسيقاه عن باقي أماكن السهر في بيروت»، ويضيف أن الحي تختلط فيه صور المدينة ويبدو السهر فيه مليئا بالحياة الصاخبة والممتعة في آن.

تتوزع في الحي الأثري المطاعم ومحال السهر حيث تبدأ مع فصل الربيع حركة متوقعة لخليجيين عرب وأجانب يأتون للاستمتاع بجو الحي القابع داخل بيروت، الذي يسكنه إلى جانب عائلاته الأصلية أجانب فضلوه على أحياء سكنية أخرى لهدوئه ولطابعه المبهر، حيث لا يزال يحافظ على هويته اللبنانية ويخترع تفاصيله الممكنة ليصبح حيا سياحيا بامتياز.

الباعة يحتفلون يوميا بحضور الزائرين، يرحبون بهم وكأنهم من «أهل البيت» على الطريقة اللبنانية، وكل شيء يصبح حميميا هناك.لا يزال العم أبو جورج يبيع الخضار إلى الواحدة والنصف ليلا. وعلى صوت الموسيقى الصادحة التي تخرج بصخب من المقاهي المتناثرة على طرفي الشارع يستقبل زواره من الشبان بابتسامة هادئة وهو يقول لهم: «هيدا جو لبنان»، مشيرا إلى أن الحي سيصبح من أهم أماكن السهر في العاصمة اللبنانية بيروت.

من الوهلة الأولى تختصر المحلات الصغيرة صورة الحي الأثري. تبدو التفاصيل الطازجة متكومة على جدران الأبنية العتيقة والمزخرفة التي تخفي في داخلها سكانا أليفين ومحال تصبح كل مساء مساحات للسهر.

يتجه كل مساء رافايل مبارك مع رفاقه الفرنسيين الآتين إلى لبنان في إجازة الفصح إلى مطعم «عنب» الذي يستقطب زبائنه الأجانب لطعامه اللبناني المعروف. يؤكد رافايل أن «حركة الحي ازدهرت في الأشهر الأخيرة وتنتشر المحال والحانات الصغيرة إلى جانب المطاعم السياحية لتستقبل الزبائن وتؤمن لهم الراحة»، مشيرا إلى أن الحي يخلط القديم بالجديد إن من حيث الزخرفة العمرانية للمحال والنوادي الليلية أم إلى جهة الناس حيث لا يزال يسكن الحي عجائز يسهرون على شرفاتهم ينظرون إلى الشبان والشابات والسياح الجالسين في الشارع. أما صديقه الفرنسي سيباستيان فيقول إنه يزور بيروت كل عام في هذه الفترة ولكنه للمرة الأولى يأتي إلى هذا الحي، موضحا أن «الحي يشبه الجميزة لكن بطريقة هادئة أكثر».

لم يعرف الحي تحوله الكامل إلا منذ عام تقريبا حيث بدأت تنمو «كابينات» السهر الصغيرة إلى جانب قبوات حجرية صغيرة ما لبثت أن صارت مرتعا للساهرين الباحثين عن مكان مختلف عن سهر المدينة التي لا تنام. يؤكد روي شماس أن «السهر في مار مخايل أجمل وأحلى من باقي شوارع بيروت فهو لا يزال يحافظ على روح بيروت القديمة ويحتفل بها»، موضحا أن «السياح الأجانب والخليجيين يفضلونه على الأماكن الأخرى لرخص أسعاره ولخدماته المميزة وموقعه الجيد».

الشارع متاح للجميع في الليل. مطاعم فاخرة تجذب السياح من أهل الخليج والعرب والأجانب. «مندلون» أحد تلك المطاعم التي تستقطب الزبائن وتقدم خدمات فاخرة. يزور المطعم جمال وأحمد ورفاق لهما من البحرين ليستمتعوا بطعامه وبرنامجه الفني. يرى مازن عبد المطلب الآتي من الأردن شارع مار مخايل «مختلفا»، ويوضح أن «السهر فيه ممتع وصار البعض يفضله لأنه يملك روحه الخاصة»، أما صديقه رامز المجذوب فيشير إلى أن «جو الحي يثير حشرية السياح الآتين إلى لبنان».

الموسيقى في الحي تقاوم كل المفاهيم. فرق موسيقية حديثة وجديدة تنمو في زوايا تلك المطاعم والبابات تحكي حكايات الناس والربيع العربي والحب والثورة. من هذه الفرق «ادونيس» و«أندر رايتد» اللتان تعزفان أغانيهما في كاراج «ديكتاتور» وهو من أشهر محال السهر في مار مخايل. المكان بقي على حاله كاراجا ولم تبدل فيه إلا بعض التفاصيل الصغيرة حيث تتوزع بعض الكراسي الصغيرة ليستريح عليها الساهرون. يستقبل شبانا من كل الأعمار يرقصون ويعزفون ويشكلون صوتا جديدا للسهر ليصبح الحي عنوانا لها.