سيدي بوزيد في تونس.. من هنا انطلق الربيع العربي

منطقة هادئة.. بدأت تغري المستثمرين بمستقبلها

أماكن الصيد البري في سيدي بوزيد
TT

يبدأ فصل الربيع في تونس، بما في ذلك مهد الثورة العربية سيدي بوزيد، في شهر مارس (آذار)، لكن شجر اللوز يزهر في بداية فبراير (شباط)، وفي كل الأحوال لا يفقد الزائر وهو يسلك الطريق السيارة من تونس، عبر سوسة والقيروان، أو الطريق المعبدة عبر زغوان والفحص، إلى سيدي بوزيد، البساط الأخضر الذي يرافقه طوال الرحلة.

حتى لو قدم الزائر في فصل الشتاء أو الصيف، فإن البلاد لا تخلو من مظاهر الربيع، سواء من خلال زهور الفواكه والخضروات الموسمية، أو المعارض التي تقام على مدار العام في تونس، وتتحول من مدينة إلى أخرى، حيث تحتوي على الكثير من الصناعات اليدوية التقليدية التي تحاكي الربيع وانعكاسات مظاهره اللافتة على النفس.

سيدي بوزيد لم تكن خالية مما يجذب السياح، ولكن حرق محمد البوعزيزي لنفسه احتجاجا على الحيف والظلم، ومن ثم انطلاق الثورة التونسية في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010، كان وراء اكتشاف السياح لسيدي بوزيد الوادعة الهادئة، التي إذا جاعت أشهرت سيفها.

لم تكن سيدي بوزيد سوى أراض شاسعة خضراء، تتخللها بعض الجبال والمرتفعات، وعلى الرغم من أن الحضارات التي تعاقبت على تونس قد حطت الرحال بسيدي بوزيد، وهو ما تؤكده المعالم الأثرية، فإنها لم تشهد ازدهارا على غرار مدن أخرى، ولا سيما المدن الساحلية التي كانت محظوظة على مدى التاريخ نظرا لمواقعها البحرية، فالبحر كما يقال هو الوسيلة المثلى لنقل الحضارة. ولذلك لم تشهد سيدي بوزيد بداية تشكلها كقرية سوى في سنة 1909 وشكلت قرية الصداقية مركز ولاية (محافظة) سيدي بوزيد سنة 1973. وتبعد سيدي بوزيد عن مدينة صفاقس 135 كيلومترا وهي المسافة التي تفصلها عن مدينة القيروان التاريخية وإحدى أهم المدن التونسية في الوقت الراهن، و100 كيلومتر عن القصرين، و67 كيلومتر عن قفصة، و260 كيلومتر عن العاصمة التونسية.

وتبلغ مساحة سيدي بوزيد 1073 هكتارا، وتمثل 4.6 في المائة من مساحة تونس الجملية، ويزيد عدد سكانها على 4 ملايين ساكن. وهي منطقة فلاحية بامتياز؛ حيث تنتج زيت الزيتون وتغطي غاباتها مساحات شاسعة، حيث تعد سيدي بوزيد الولاية الثانية في تونس من حيث الإنتاج، كما أنها من أهم مواطن زراعة الخضر كالفلفل والطماطم والفول والألبان وغيرها.

وبسيدي بوزيد الكثير من الغابات والسباخ والأودية، ومن ذلك سبخة «النوايل» وواد الحطب، وواد الفكة. كما توجد في سيدي بوزيد الغابة الحديقة، بوهدمة، التي تقع على مساحة 16 ألف هكتار، وهي محمية طبيعية لا تقل أهمية عن محمية «إشكل»، وكلاهما من التراث العالمي المسجل لدى اليونيسكو، حيث تم تسجيل محمية بوهدمة سنة 1977.

كما يوجد بسيدي بوزيد المتحف البيئي، قرب برج بوهدمة لاستقبال السياح والعلماء والباحثين والطلبة والزوار، وهو محاذ لغابة اصطناعية من شجر الإكلبتوس، وتخترقها مياه عين الشرشارة، ويمكن للزائر مشاهدة زرائب الغزلان والنعام المتوفرة بكثرة في الجهة.

وإذا كان زوار سيدي بوزيد قبل أكثر من سنة، من الصحافيين الذين قدموا للحديث عن مهد الثورة العربية، واكتشاف مدينة مغمورة جدا، وبعيدة عن كاميرات التصوير، وتقارير المراسلين، فإن سيدي بوزيد اليوم، هي وجهة الكثير من السياح، العرب والمسلمين والأجانب.

وقالت سائحة نرويجية تدعى راوان (27 سنة) لـ«الشرق الأوسط»: «ظلت زيارة سيدي بوزيد أمنيتي منذ نجاح الثورة في 14 يناير (كانون الثاني) 2011 ولكن كانت هناك إشاعات غير مشجعة عن الوضع الأمني، والآن سنحت لي الفرصة لتحقيق حلم زيارة سيدي بوزيد». وعن رأيها في أسباب تراجع نسبة السياح الأوروبيين إلى بلدان الربيع العربي، ولا سيما تونس ومصر وليبيا، أوضحت أن ذلك «يعود بدرجة أولى للوضع الاقتصادي المتردي للمواطن الأوروبي، ولا سيما الدول التي كان يقدم منها السياح إلى تونس تحديدا ثم مصر، وهي في الأغلب فرنسية وألمانية ونمساوية وإيطالية، وبدرجة أقل الأميركان والإنجليز، ثم لوكالات الأسفار؛ فأنا أتيت بمفردي إذ إن جولات وكالات السفر مبرمجة سلفا، وربما يكون للجهات التونسية التي تتعامل معها ضلع في ذلك، حيث تحدد لها الجهات التي ينبغي زيارتها، والجهات غير المبرمجة تبقى مجهولة بالنسبة لزائر تونس بغرض السياحة والاستكشاف، كما أن لبعض وكالات السفر توجهات معينة»، وتابعت: «لاحظت في تونس وجود سياح من دول آسيوية ومن تركيا ومن كوريا الجنوبية، وبعضهم رأيته هنا في سيدي بوزيد».

حتى اليابانيون أصبحوا يزورون سيدي بوزيد، وقال أحد السياح اليابانيين (عن طريق مترجم)، يدعى لي: «جئنا خصيصا لزيارة سيدي بوزيد، واكتشفنا بعض التشابه بين الريف الياباني والريف التونسي، وأنا أنصح في الدعاية السياحية لتونس بالحديث عن سيدي بوزيد، كمهد للثورة العربية، فهذا يعطيها بعدا تاريخيا وسياحيا لا ينقطع بمرور الزمن». وأعرب السائح الياباني عن إعجابه بالمطبخ التونسي: «أكلنا الكسكسي، وهي أكلة لذيذة جدا، ولأننا نأكل المأكولات الحارة فقد جربنا الكفتاجي، كما تذوقنا السويق لدى بعض أهالي سيدي بوزيد، وكانت ذات رائحة زكية؛ حيث قيل لنا إن فيها نباتات جبلية عطرة». وأردف: «تونس بلد مضياف والسياحة فيها لها مستقبل، فقط يجب الاهتمام أكثر بنظافة الشوارع ولا سيما في مدن الوسط والوسط الغربي، التي توحي بعدم وجود مصالح بلدية فيها».

وبعيدا عن المدن كانت وفود سياحية تعتلي السلاسل الجبلية القريبة من سيدي بوزيد، حيث توجد آثار تاريخية ولا سيما في «هنشير البارود» بمنطقة جلمة، وهي آثار رومانية عبارة عن حمامات بخارية، وأحواض محاطة بالفسيفساء، وقنوات فخارية لجلب المياه، ومعاصر الزيتون المنتشرة في المنطقة، والحجارة المصقولة أو المنقوشة، وخزانات المياه، وأفران صناعة الفخار العتيقة، والحصون البيزنطية، إضافة لوجود 47 مؤسسة حرفية خاصة بالصناعات التقليدية بسيدي بوزيد.

واليوم تغري سيدي بوزيد الكثير من المستثمرين بإقامة مشاريع تنموية وسياحية؛ فقد أعرب الكثيرون عن عزمهم على المبادرة للاستثمار في مستقبل سيدي بوزيد التي أصبحت وجهة الكثير من السياح، ويتوقع أن يتزايد عددهم مع بدء تعافي الاقتصاد العالمي، ومن ذلك دعوة رجل الأعمال السعودي، جازع الشمري، إلى تأسيس شركة تونسية عربية ذات تمويل خليجي بقيمة 50 مليار دولار لإنجاز مشروع سياحي ضخم انطلاقا من سيدي بوزيد، ويضم نصبا تذكاريا للراحل محمد البوعزيزي. ويمكن لهذا المشروع الضخم إيجاد أكثر من ألفي موطن عمل. واعتبر الشمري المشروع عرفانا للشعب التونسي الذي ألهم الشعوب العربية المطالبة بالتغيير.

كما دعا الشمري إلى إنشاء خطين لسكك الحديد من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، ويمتد إلى الجزائر وليبيا ومنه إلى مصر، وإقامة شاطئ صناعي في سيدي بوزيد، وكل ذلك بمواصفات عالمية عالية جدا.