«كوت دازور» مرتع الأثرياء في جنوب فرنسا

النخبة الأرستقراطية لا ترضى عنها بديلا

TT

في الستينات كانت منطقة جنوب فرنسا مصيف النخبة الأرستقراطية من نجوم الفن والمال والسياسة. وهي ما زالت تحتفظ بملامح الحقبة الذهبية بموسم سياحي يبدأ في شهر مايو (أيار) كل عام من مدينة كان بالمهرجان السينمائي السنوي، ثم ينتقل النشاط إلى إمارة موناكو المجاورة، حيث تجرى فيها أهم دورة في سباقات السيارات الدولي المعروفة باسم «فورميولا - 1». وبين دورات تنس محلية ومعارض فنية وحفلات ارستقراطية تحاول المنطقة الممتدة من مدينة سان تروبيه غربا إلى شرق حدود إمارة موناكو أن تعيش صيفها لتحتفي بالنخبة التي تزورها. وتشمل المنطقة مدنا ساحلية أخرى مثل أنتيب وسان مكسيم وكاب فيرات.

وهي منطقة تشتهر فيها هواية مراقبة الأثرياء أثناء قضاء عطلاتهم الصيفية، فالكثير من زوار السواحل الفرنسية في هذه المنطقة يتجولون بين اليخوت الفاخرة ويفحصون الوجوه جيدا بحثا عن نجومهم المفضلين. وتصل زيارات اليخوت إلى أوجها أثناء الموسم الاجتماعي في شهر مايو، وأيضا أثناء فصل الصيف، وخصوصا شهر أغسطس (آب) من كل عام.

وتعد مدينة نيس مدخل الجنوب الفرنسي، الذي يسمى أيضا الريفييرا الفرنسية، وهي الريفييرا الأصلية في العالم، ويطلق عليه الفرنسيون اسم «كوت دازور». وهي تتفوق علي غيرها بمطارها الدولي الذي تأتي إليه خطوط الطيران من أنحاء أوروبا والشرق الأوسط في غضون ساعتين إلى ثلاث ساعات فقط. وهو ثالث أكبر مطار فرنسي بعد مطاري العاصمة، شارل ديغول وأورلي. ولكنها مع ذلك تعد من الأقل استفادة من الحركة السياحية الهائلة التي تعم الجنوب الفرنسي، خصوصا في شهور الصيف، لأن معظم الزائرين يعتبرون أن نيس مجرد البوابة إلى المنتجع أو الشاطئ الذي يفضلونه في موقع قريب من المدينة. ولكن نيس بها بعض المزايا السياحية ولا يقطنها بقية فترات العام سوى 350 ألف نسمة هم تعدادها من الفرنسيين.

وتعود أصول مدينة نيس إلى زمن الإغريق الذين أسسوها وبقوا فيها عدة قرون إلى أن استولى عليها الرومان. وكانت المدينة مستقلة قبل أن تصبح جزءا من الجمهورية الفرنسية. وهي تطل على شاطئ المتوسط ويحفها من الشمال تلال خضراء تصل في بعض أنحائها إلى تسعة آلاف قدم ارتفاعا عن سطح البحر، على مقربة 31 ميلا فقط من الشاطئ.

ونشأت صلات قوية بين مدينة نيس وبين بريطانيا في القرنين الماضيين بسبب تفضيل الملكة فيكتوريا قضاء عطلاتها الصيفية في نيس. ويوجد على الأقل فندق واحد يحمل اسمها في المدينة، كما توجد شرفة بحرية اسمها «الممر الإنجليزي». كما تجذب المدينة والمنطقة المحيطة الكثير من الفنانين والأدباء، وسكنها على مر العصور كبار المشاهير منهم، بيكاسو وماتيس ورينوار وبيزيه، والأديب سومرست موم. ويحتفظ الكثير من الفنانين مثل إيلتون جون وبرجيت باردو بمنازل لهم في المنطقة. وتضم المنطقة نحو 150 معرضا فنيا للحفاظ على المناخ الفني الذي تعتبره فرنسا من تراث المنطقة.

وتقول إحصاءات المنطقة إن هناك 163 جنسية تعيش في «كوت دازور» ويصل تعداد الأجانب في المنطقة نحو 84 ألف نسمة، ولكن الواقع يشير إلى أرقام أعلى. ويربط أطراف المنطقة الطريق السريع رقم 8 بالإضافة إلى طريق قديم آخر يحمل رقم 7. وهناك شبكة قطارات تخدم المنطقة وتربطها بمنطقة غراس الشهيرة بوجود مصنع العطور فيها. ويقطع القطار السريع المسافة من باريس إلى نيس في خمس ساعات ونصف الساعة.

وهي منطقة ذات مزايا كثيرة منها المطار الذي يربطها بالعالم الخارجي ونحو 15 ألف فندق بداية من 3 نجوم إلى فئة الـ5 نجوم. وهي المنطقة التي يتقابل فيها الأثرياء سنويا، خصوصا هؤلاء الذين ينتمون إلى الثقافة الفرنسية. ولكنها مع ذلك تعاني من الازدحام الشديد في الموسم الصيفي وأيضا من ارتفاع الأسعار، خصوصا خلال شهر أغسطس الذي يعد شهر العطلة الرسمية للفرنسيين أنفسهم. وينطلق معظم الفرنسيين بسياراتهم إلى نيس وكان وبقية مدن الساحل الجنوبي هروبا من العاصمة ومدن الشمال. ولا يأبه الأثرياء بزحام الشواطئ لأنهم يستمتعون بالمنطقة من على متن يخوتهم. وتستضيف المنطقة خلال فصل الصيف نصف يخوت العالم السوبر، كما تزور المنطقة نسبة 90 في المائة من اليخوت السوبر، على الأقل مرة واحدة خلال فترة تشغيلها.

وتقول مراكز السياحة في المنطقة إن الريفييرا الفرنسية تستمتع بنحو 300 يوم مشمس سنويا ومسافة 115 كيلومترا من الشواطئ السياحية التي ينتشر عليها ثلاثة آلاف مطعم.

كاب إيستيل: أحد أرقى الفنادق التي يفضلها الأثرياء والمشاهير فندق «كاب إيستيل» في منطقة «بور دو مير»، وهو يطل على البحر عبر شبه جزيرة خاصة به، ويعزله عما حوله سياج وبوابات فولاذية بارتفاع عشرة أقدام. وهو يضمن الخصوصية الكاملة لضيوفه لكي يستمتعوا بعطلة متميزة من دون أي إزعاج من العالم الخارجي. وفي كل الأحوال لا يفضح الفندق أبدا عن أسماء ضيوفه، سواء في الموسم الحالي أو المواسم السابقة أو حتى في تاريخه القديم، كما تفعل بعض الفنادق التي تفتخر بأن شخصيات تاريخية نزلت فيها في زمن مضى.

وهو بالتأكيد فندق مخصص للنخبة، حيث يصل سعر الجناح المكون من 4 غرف خلال فصل الصيف وأثناء سباق السيارات في موناكو إلى 13 ألف يورو في الليلة الواحدة. ولكنه أيضا يضم غرفا تبدأ أسعارها من 900 يورو في الليلة، وهي أرخص المتاح أثناء فصل الصيف. وتوفر كل غرف الفندق إطلالة على البحر مع شرفة «تراس» للاسترخاء في الشمس في الطقس المعتدل أو الاستمتاع بالتكييف الداخلي أثناء شهور الصيف. وهو يوفر الاتصال بالإنترنت بلا حاجة لكلمة سر وقنوات التلفزيون الفضائي مع مجموعة قنوات عربية. وعلى رغم هذه الأسعار الباهظة، إلا أن الضيف يدفع أيضا ثمن الإفطار الذي يحسبه الفندق بنحو 35 يورو يوميا.

ويمثل «كاب إيستيل» قمة الفخامة في الجنوب الفرنسي، واختارته شركة «رولزرويس» مؤخرا لتقديم أحدث سياراتها إلى الإعلام الدولي. ولكن حتى الإقامة في «كاب إيستيل» لا تضمن الطقس الصحو، حيث كان المطر والطقس الغائم هو السائد خلال شهر مايو 2012. ولكن المنطقة تشتهر بالزهور في فصل الربيع وهي في أبهى صورها أثناء أيام الربيع المشمسة. ويختار البعض أيام الربيع لأنها الأقل ازدحاما، وشهر مايو تحديدا لحضور المناسبات الدولية من المهرجان السينمائي إلى سباق السيارات. ولكن الربيع يبدو باردا في معظم الأيام، كما أن السباحة في البحر غير واردة بسبب برودة المياه. وفي الشتاء تغلق بعض الفنادق أبوابها لعدم وجود طلب على المنطقة.

وتنتشر ملاعب الغولف في «كوت دازور»، منها 18 ملعبا دوليا، وأهم ملعب هو رويال موغان الذي تقام عليه بطولة كان المفتوحة للغولف، وهو يقع ضمن منتجع يحمل الاسم نفسه ويضم فندقا فاخرا. كما توجد مراكز ساحلية متعددة لتعليم الغوص. وهناك أيضا قلعة «كولين دو شاتو» التي تطل على نيس من موقع جبلي مرتفع وتوفر مناظر خلابة للمدينة والساحل. وهي تحتاج إلى تسلق الكثير من درجات السلم الجبلي المؤدي للقلعة، ولذلك فلا بد من ارتداء أحذية مريحة.

ويمكن أيضا استكشاف المنطقة عبر رحلات خاصة بالحافلة تمتد ما بين نيس وموناكو، وتدير هذه الرحلات شركة «ريفييرا بريميوم تورز»، ويمكن اختيار المدة المطلوبة والمنطقة التي يريد الزائر أن يتجول فيها.

ويعود اسم المنطقة «كوت دازور» إلى الكاتب ستيفن لاغارد الذي أطلق الاسم على كتاب له في عام 1887. وكان يقصد بالاسم اللون اللازوردي المميز للشاطئ الفرنسي في المنطقة. أما سام «ريفييرا» الذي تشتهر به المنطقة فهو استخدام بريطاني للفظ إيطالي يعني «الساحل». وحتى القرن الثامن عشر كانت المنطقة تشتهر بصيد الأسماك وإنتاج زيت الزيتون، بينما تخصصت منطقة غراس في العطور.

ولكن طبيعة المنطقة تغيرت عندما أصبحت الموقع المفضل للارستقراطية البريطانية في نهاية القرن الثامن عشر. واقترح طبيب أسكوتلندي اسمه جون براون مناخ مدينة نيس كعلاج للكثير من الأمراض، ومنها مرض السل. وبعد سنوات وصف المؤرخ الفرنسي بول غونيه المدينة بأنها «تشبه المصحة المليئة بالمرضى الإنجليز الذين يشرفون على الموت».

وكانت البداية السياحية الحقيقية للمنطقة في عام 1865 بعد استكمال الخط الحديدي الذي ربط نيس بأنحاء أوروبا، حيث وصل إليها في ذلك العام مائة ألف زائر. ثم وصل تعداد البريطانيين وحدهم نحو 25 ألف نسمة في نهاية القرن التاسع عشر. وسرعان ما جذبت المنطقة انتباه ملوك أوروبا، فزارها إسكندر الثاني، قيصر روسيا على متن قطار خاص، ثم تبعه نابليون الثالث وليوبولد الثاني ملك بلجيكا. وتعددت زيارات الملكة فيكتوريا ونزلت في معظم فنادق المنطقة وكان بصحبتها نحو مائة من المساعدين وطاقم الخدمة، وكانت تستخدم سريرها الخاص وتحضر طعامها معها من لندن.

* أحداث الموسم الصيفي في الريفييرا

* يدب النشاط في منطقة «كوت دازور» سنويا مع حلول شهر مايو على الرغم من بعض الأحداث الشتوية السنوية مثل رالي مونت كارلو في يناير (كانون الثاني) وكرنفال نيس في فبراير (شباط). وأهم الأحداث الصيفية السنوية في جنوب فرنسا هي:

* مهرجان السينما في كان (مايو)

* سباق «فورم ولا - 1» في موناكو (مايو)

* مهرجان موسيقى الجاز في نيس (يوليو)

* مهرجان موسيقى الجاز في جوان لو بان (آخر يوليو)

* مهرجان الياسمين في غراس (أغسطس)