صقلية.. أجواء بحرية بنكهة إيطالية

مناخها يجعل منها جزيرة سياحية على مدار السنة

مناخ صقلية المعتدل جعل منها وجهة سياحية دائمة
TT

المناخ والطبيعة في جزيرة صقلية الإيطالية يشبهان إلى حد كبير مناخ دول سواحل البحر المتوسط لدول المغرب العربي والدول المشرقية المطلة عليه. فالجزيرة ثلاثية الأضلاع التي تقع جنوب إيطاليا تمتد بأرياف مترامية الأطراف، بين المدن والآثار الرومانية، وتنتشر فيها أشجار البرتقال والليمون والزيتون والكروم، ويقع جزء منها جغرافيا على خط عرض أكثر قربا إلى خط الاستواء من شمال تونس. وهي جزيرة سياحية من الطراز الأول وحصلت على لقب «أفضل جزيرة في العالم» من منظمة «كوندي ناست» السياحية في عام 2009، كما أن لها معجبين يذهبون إليها عاما بعد عام لقضاء بعض الوقت فيها.

وهي أيضا الجزيرة التي تضم أكبر بركان في أوروبا وهو «ماونت إيتنا» وبها كثير من المنتجعات السياحية المعروفة أوروبيا مثل «تاورمينا» و«جيارديني» و«سيفالو». وهي تضم كثيرا من المدن مثل عاصمة الجزيرة، باليرمو، التي يأتي الزائر إلى الجزيرة عبر مطارها الدولي.

وللجزيرة تاريخ طويل من الحضارات والفتوحات، فقد غزاها الإغريق واستقروا بها ثم ضمها الرومان إلى إيطاليا ومرت عليها حقب الحكم العربي، ثم الإسباني والفرنسي وكانت المحصلة في القرن العشرين هي أجواء وبيئة متوسطية مختلطة بامتياز مع نكهة إيطالية واضحة. ويبدو تراث الجزيرة واضحا في معمارها الذي يجمع مواصفات حضارة البحر المتوسط. فالبنايات في المدن توحي بملامح قد تكون من الإسكندرية المصرية، أو من مرسيليا الفرنسية. وتبدو شخصية صقلية الفريدة في اللهجة الخاصة بها وأكلات المطبخ المحلي التي تختلف عنها في بقية أنحاء إيطاليا.

وظلت صقلية طوال تاريخها ملتقى حضارات ونقطة تبادل ثقافي وتراثي بين جانبي البحر المتوسط، وهي الموقع الإيطالي الوحيد الذي يحوي بقايا معابد إغريقية ومعالم أثرية من الحضارات التي تعاقبت عليها. وتقع الجزيرة على خطوط عرض متوازية مع بعض شواطئ شمال أفريقيا مما أكسبها مناخا أكثر اعتدالا من بقية أنحاء أوروبا طوال أشهر العام. ويعني هذا المناخ المعتدل أن موسم السياحة فيها يمتد من شهر فبراير (شباط) إلى نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام. وأحيانا يكون البحر دافئا بدرجة كافية للاستحمام خلال شهور الشتاء أيضا.

وتتوجه معظم الأفواج السياحية في صقلية إلى الساحل الشرقي الذي تمتد شواطئه ذات الرمال الناعمة لأميال طويلة. وتقع مدينة تاومينا في مركز الساحل الشرقي، وهي مدينة سياحية ولكنها تحتفظ بشخصيتها الصقلية الفريدة. وهي تشتهر بميادينها التي تسمى «بياتزا» وخلفيتها الجبلية الهائلة التي تضم بركان «إيتنا». وتقع في أقصى جنوب الجزيرة مدينة سايروسا التي كانت تذكر في الأدب الإغريقي القديم.

ويعد مطار «باليرمو» هو المدخل الدولي للجزيرة، وإن كانت تحوي مطارين آخرين مخصصين للطيران الرخيص من داخل أوروبا، هما مطار «كاتانيا» ومطار «تراباني». ومن مطار «باليرمو» يمكن التوجه إلى العاصمة مباشرة بسيارة أجرة أو بالحافلة العمومية التي تنطلق كل نصف ساعة تقريبا. وتستغرق الرحلة بها إلى وسط باليرمو نحو 40 دقيقة ويبلغ ثمن التذكرة 5 يوروات. أما سيارة الأجرة فتبلغ تكلفتها ما بين 30 إلى 40 يورو. وفي حالة استئجار سيارات من مطار «باليرمو» يجب ترك وقت كاف لتسلم السيارة ثم إعادتها، لأن موقع شركات التأجير يبعد عن المطار بنحو 15 دقيقة على الأقدام.

القيادة في باليرمو تحتاج إلى بعض الخبرة، ولا بد من الاستعانة بخرائط إلكترونية؛ لأن علامات الطرق غير واضحة أو غير موجودة في كثير من الأحيان. هناك أيضا بعض العشوائية في قيادة الإيطاليين داخل المدن، خصوصا من راكبي الدراجات النارية من الشباب. ولكن حالة الطرق جيدة بوجه عام، ولا يعيق السيارات سوى مسطحات من الغبار والرمال على الطرق الريفية من شأنها أن تعرض السيارات المسرعة للانزلاق على الطريق. ويتحتم على سائقي السيارات في صقلية الاحتفاظ بجاكيت فسفوري اللون للاستخدام في حالات الطوارئ. وتوفر شركات تأجير السيارات هذا الجاكيت في السيارات المستأجرة. وإذا قررت استئجار سيارة فلا بد من اختيار أصغر السيارات المتاحة، لأن السيارات كبيرة الحجم لا تناسب شوارع مدن صقلية الضيقة والمتعرجة. ولا بد من تأمين السيارة ضد الصدمات من الآخرين، لأن هذا يحدث أحيانا حتى عندما تكون السيارة مصفوفة على جانب الشارع وخالية من الركاب.

ويعتاد الإيطاليون في صقلية التحية حتى للغرباء في الأماكن العامة بجملتي «بون جورنو»، أي صباح الخير و«بونا سيرا» أي مساء الخير، وهو تقليد يمكن للسائح اتباعه في إيطاليا بصفة عامة. وفي حالات دعوات العشاء يتوقع أهل صقلية من ضيوفهم الحضور بهدية من الزهور أو علبة من الشوكولاته.

وتختتم مسارح صقلية نشاطها الصيفي في يونيو (حزيران) من كل عام ثم تبدأ موسمها الجديد في سبتمبر (أيلول). وهذا العام اختتم مسرح باليرمو موسمه الصيفي بأوبرا «إكسير الحب» ثم يفتتح موسمه الجديد بأوبرا «مدام باترفلاي» في سبتمبر المقبل. أما مسرح «كاتانيا» فهو يقدم أوبرا «زواج فيغارو» ثم عرض «بحيرة البجع» للباليه. وتستمر بعض العروض الصيفية خلال شهر أغسطس (آب) على المسرح الإغريقي في تاومينا، ومنها حفلات غنائية لكبار الفنانين وعروض من فرقة لندن الموسيقية، وباليه نيويورك، وعرض خاص لمسرحية «حلاق إشبيلية» من إخراج وودي ألن.

زيارة العاصمة باليرمو مفيدة في التسوق، لأنها تتميز بأحدث خطوط الموضة الإيطالية وبأسعار تقل عن تلك السائدة في مدن إيطالية أخرى، مثل روما أو ميلانو. وتبدو العاصمة مماثلة في معمارها لكثير من المدن العربية المتوسطية، وتنتشر فيها الآثار القديمة ومباني العصور الوسطى. وهي تطل على ميناء رئيسي للجزيرة يربطها ببقية أنحاء إيطاليا وبسواحل البحر المتوسط.

إذا كانت زيارة صقلية ضمن مجموعات سياحية، فإن الشركات السياحية تنظم كثيرا من الجولات السياحية التي تشمل كل معالم الجزيرة. ويمكن للزائر أن يشتري دليلا سياحيا بنحو 5 يوروات من المكتبات، وهو متاح باللغات الأوروبية، ويقوم بتنظيم رحلاته بنفسه ووفق ما يروق له. وفي هذه الحالة يمكن استئجار سيارة أجرة للرحلات اليومية، وسوف يكون هذا الأسلوب أرخص، ولكنه يتطلب بعض البحث والجهد في تنظيم الرحلات.

وهناك كثير من المعالم السياحية الخفية في الجزيرة منها الحديقة النباتية، بالقرب من باليرمو، ومعاصر الزيتون التي تبيع الزيت طازجا في زجاجات مختلفة الأحجام، كما توجد بعض المطاعم الأصيلة في العاصمة باليرمو تقدم الوجبات الإيطالية لزبائنها عبر الأجيال منذ أكثر من مائة عام. ويمكن اختيار نوع من الرحلات يسمى «تورنغ» يوفر الإقامة لعدة أيام في فنادق متعددة في أنحاء الجزيرة لكي تشمل الزيارة عدة مواقع أثناء زيارة واحدة للجزيرة.

وتشتهر صقلية أيضا بالباعة الجائلين على الشواطئ، وفي المدن وهم يبيعون الأطعمة السريعة والحلويات والآيس كريم. المقاهي تقدم النوعيات نفسها ولكن بضعف الثمن. وينصح البعض بتجنب شهر مايو (أيار) في الجزيرة لأن المدارس تنظم خلاله زيارات جماعية للطلاب للمواقع السياحية. وتزدحم هذه المواقع بالرحلات الجماعية خلال هذا الشهر مع كثير من الضوضاء أيضا.

من السلبيات أيضا ما تشتهر به الجزيرة من النشاط البركاني بين الحين والآخر والزلازل المدمرة، وإن كانت الزلازل نادرة. وكان آخر نشاط لبركان «إيتنا» في عام 2011 بينما كان آخر زلزال مدمر في عام 1908. وإذا كان الابتعاد عن «إيتنا» أفضل للسائح، فعليه أن يتجنب مصيف «كاتانيا» المجاور له. ويعود تاريخ تسجيل أول انفجار بركاني من «إيتنا» إلى عام 1500 قبل الميلاد. وتشتهر الجزيرة أيضا بأنها منشأ عصابة المافيا، ولكن الزائر لا يشعر بأي تأثير سلبي من هذه الشهرة، فصناعة السياحة في الجزيرة تعمل بالمقاييس الأوروبية، ولا مجال للفساد المالي فيها.

* ماذا تعرف عن صقلية؟

- هي أكبر جزيرة في البحر المتوسط، ويفصلها عن إيطاليا خليج «ميسينا» - تمثل صقلية إقليما مستقلا ضمن إيطاليا، ويصل تعدادها إلى 5 ملايين نسمة - جنوب صقلية يقع على خط عرض أقرب إلى خط الاستواء من شمال تونس - يعتمد اقتصاد الجزيرة على السياحة والزراعة، وهي من أقل مناطق إيطاليا نموا