محمية أرز الشوف.. رحلة من نوع آخر

تزخر بكل مكونات الحياة البرية من نباتية وحيوانية وطيور مستوطنة ومهاجرة

TT

لوحة طبيعية نادرة وسط مرتفعات شاهقة وأودية شديدة الانحدار، تحتضن تنوعا بيولوجيا غنيا بالأشجار والنباتات المختلفة وأعداد كبيرة من الحيوانات والطيور.

إنها محمية أرز الشوف الواقعة في جبل لبنان، الفائزة بجائزة «ميشال باتيس» العالمية في عام 2011، التي تمنح لعمل مميز، بعد أن نجحت في وضع نفسها ولبنان على الخريطة العالمية للمحميات الطبيعية.

كمال أبو عاصي مدير السياحة البيئية والتواصل للمحمية قال لـ«الشرق الأوسط» «تستقبل المحمية سنويا عشرات الآلاف من الزوار من محبي الطبيعة وممارسي النشاطات المتنوعة المتاحة، وأهمها السير في الممرات داخل الغابات، والتعرف على النباتات والأشجار، ومراقبة الطيور والحيوانات، والمشي في الثلج، ومراقبة النجوم، إضافة إلى نشاطات التوعية البيئية الموجهة إلى طلاب المدارس والجامعات».

تعد محمية أرز الشوف أكبر المحميات الطبيعية في لبنان، وتمتد من ضهر البيدر شمالا إلى جبل نيحا قرب جزين جنوبا، وتطل المنحدرات الشرقية للمحمية التي تغطيها أشجار السنديان، على مناظر جميلة لسهل البقاع، غير أن أكثر ما يجذب الزوار هي غابات الأرز الواقعة في أعلى المنحدرات الغربية في سلسلة جبال لبنان.

على مساحة تقارب 50000 هكتار (500 كلم مربع) تمتد المحمية الغنية بالتنوع البيولوجي (70 في المائة منها في قضائي الشوف وعالية، و30 في المائة في البقاع الغربي، فيما يقارب طولها 50 كلم، أما عرضها فيبلغ 11 كلم، وتمتد ارتفاعا إلى ما بين 1000 ونحو 2000 متر في أعلى القمم عن سطح البحر).

وتعد هذه المحمية التي تشكل 5 في المائة من مساحة البلاد الإجمالية، الحد الأقصى لانتشار الأرز اللبناني جنوبا وتحديدا في منطقة نيحا (قضاء الشوف)، حيث تضم أكبر نسبة من أرز لبنان بعدد يقارب 3 ملايين أرزة (مما يشكل 25% من غابات الأرز البالغة مساحتها ألفي هكتار).

ومن أبرز مفاتن هذه المحمية غابات الأرز الثلاث التي تحويها؛ تحديدا معاصر الشوف، والباروك، وعين زحلتا، فضلا عن أربع غابات فرعية.

وإلى جانب الأرز، الذي يجسد البقاء والصمود بنظر اللبناني، هناك ما يجسد القوة في وجدانه، كشجر السنديان الذي ينمو على منحدرات المحمية، إضافة إلى مجموعة أنواع من الشجر البري، خاصة بلوط برانت وغبيراء مروحية الورق (يشبه ورق هذه النباتات ورق الخنشار ويتحول إلى ظلال حمراء وصفراء في الخريف).

على صعيد الطيور، يؤكد أبو عاصي أنه تم إحصاء ما يزيد على 200 نوع؛ 22 منها يعشش في حرم المحمية بينها (الصقر، وترغل، وشحرور، والعقاب، والحجل، والهدهد، والبلبل، وأبو زريق، والضرب..)، 19 نوعا منها يعتبر مهددا بالانقراض على المستوى العالمي، و24 نوعا من الثدييات البرية (كظبي الجبل، وابن آوى والعنجل، والنيص، والغرير، والسنجاب) 12 منها يعتبر مهددا بالانقراض على المستوى المحلي.

واللافت أن المحمية تعتبر ثاني أهم ممر في العالم للطيور المهاجرة بين أوروبا وأفريقيا، نظرا لاحتوائها مستنقعا عميقا (أهم مستنقع في لبنان)، يعد محمية طبيعية للآلاف من هذه الطيور، وهذا ما أكده المجلس العالمي للحفاظ على الطيور بالإعلان الصادر عنه عام 1994.

وفي حين تهيم في سماء المحمية وبين أشجارها أسراب من الفراشات الزاهية الألوان، تسرح في أرجائها أنواع عديدة من الحشرات والزواحف، من أهمها: الأفعى السامة المرقطة، والسلحفاة الجبلية، والسحليات المتعددة وأبرزها «السقاية».

وحول المشروعات الجديدة، يوضح أبو عاصي: «باشرنا مشروع (أرز وناس) وهو عنوان الرزمة السياحة البيئية التي أطلقناها هذا العام، ونعني بالأرز زيارة السياح والزوار لغابات الأرز، والسير تحت ظلال أغصانها مدة تتراوح بين ساعات وخمسة أيام. أما الناس، فالمقصود بها زيارة المحيط الحيوي للمحمية المتمثل في القرى وأهلها، والتعرف على ذكرياتهم وقصصهم وإرثهم الثقافي، من بيوت قديمة ومعاصر عنب وزيتون ومطاحن، ومواقع دينية ونشاطات زراعية وحرف تقليدية وغيرها».

يبدأ نهار الزائر، وفق أبو عاصي، برحلة مشي في دروب المحمية برفقة مرشد محلي مما يعطيها رونقا خاصا، ثم يعود إلى إحدى القرى المحيطة بالمحمية ليتمتع بوجبة طعام تقليدية محضرة بشكل طبيعي في أحد بيوت الضيافة الخمسة الموجودة في قرى نيحا، وبعذران، والخريبة، والمعاصر، والباروك الجبلية.

وتحتوي الوجبات التي تقدمها هذه البيوت على أشهى المأكولات و«الطبخات البيتية» والخضراوات والفاكهة الطازجة المزروعة في تلك القرى، حيث يعيش أكثر من سبعين ألف شخص في المناطق المحيطة بالمحمية ويتوزعون على 24 قرية.

وبعد انتهاء النهار وبانتظار بدء يوم آخر في الاستكشاف والمغامرة، يمكن للزائر الإقامة في أحد بيوت الضيافة الصديقة للبيئة التي يزيد عمر بعضها على 200 سنة، كما هي الحال في بيوت الخريبة والباروك.

وهكذا دواليك.. يمكنك تمضية خمسة أيام في استكشاف المحمية، انطلاقا من عين دارة وصولا إلى جزين عروسة الشلال (شلال الشالوف، ويعتبر خامس أعلى شلال في العالم، ارتفاعه 904 أمتار عن سطح البحر).

هذه الرزمة هي خلاصة استراتيجية للسياحة البيئية في محمية الشوف - المدى الحيوي، التي أعلنت عام 2005 من قبل اليونيسكو برنامج الإنسان والمدى الحيوي.

وردا على سؤال، يشير أبو عاصي إلى أنه أصبح بإمكان الزائر تحميل خارطة السياحة البيئية من خلال الصفحة الإلكترونية للمحمية، وكذلك من رزمة Google earth.

أما عدد الزوار، فقد قارب 67000 في عام 2011، بارتفاع 11000 زائر عن عام 2010 وهم من اللبنانيين والعرب والأجانب.

يشار إلى أن المحمية مزودة بخطة للوقاية من حرائق الغابات وهي عبارة عن شبكة إنذار مبكر متطورة.