أصيلة صديقة أصحاب الدخل المحدود

تمتاز بنهارها الهادئ ومقاهيها التي لا تنام

السياح يفضلون أصيلة لأنها تضم كل عناصر السياحة المريحة
TT

أصيلة «جوهرة الساحل الشمالي» أو هكذا يطلق على هذه المدينة، التي تقع جنوب طنجة، وتحولت عن طريق مهرجانها الثقافي السنوي من بلدة صغيرة مهملة على المحيط الأطلسي إلى مدينة سياحية جميلة وأنيقة. عرفت أصيلة على مدى ثلاثة عقود من الزمان تحولات هامة على مستوى البنيات التحتية والمرافق السياحية وأشكال العمران، واستطاعت أن تتحول إلى نقطة جذب سياحي يأتي إليها آلاف من السياح سواء من داخل أو خارج المغرب، خاصة في أشهر الصيف.

عادة ما تختار شريحة خاصة من السياح الإقبال على أصيلة، ومعظمهم شبان من شبه الجزيرة الأيبرية (إسبانيا والبرتغال). تختار هذه الشريحة المدينة التي تقع على المحيط الأطلسي وتتمتع بشواطئ هادئة ونقية، نظرا لانخفاض أسعار فنادقها الصغيرة المرتبة والنظيفة وقلة تكلفة الأكل ومصاريف الإقامة. يمكن لزائر أصيلة الإقامة في شقق ومنازل مجهزة لاستقبال السياح وتوجد في الغالب بوسط المدينة. كما يوجد في أصيلة تسعة عشر فندقا وأربعة مخيمات صيفية وتسعة عشر مطعما مختصا في الأسماك. وهم يختارونها كما يقول أحدهم ويدعى بيدرو هيكتور «لأنك تشعر بالأمان وأصبحت خلال فترة وجيزة جزء من ناسها».

تردد اسم أصيلة في أرجاء العالم، حيث ارتبطت بمهرجانها الثقافي ذائع الصيت، واشتهرت بجدارياتها الملونة لرسامين عالميين، بحيث تبدو المدينة مثل لوحة تشكيلية كبيرة متعددة الزوايا، وهو ما ساهم كذلك في رواجها السياحي.

انطلقت أول ورشة للصباغة على الجداريات في أصيلة في عام 1978، ومع تلك البدايات ارتبطت المدينة بالفنون والثقافة، ومنذ تلك الفترة وهي تجذب أعدادا متزايدة من السياح. هؤلاء السياح يجدون أنفسهم في معرض مفتوح طوال السنة، حيث لا تكاد تمر من أحد شوارع المدينة أو أزقتها إلا وتصادفك جداريات بألوان وأشكال مختلفة قاسمها المشترك هو الإبداع والجمال.

ومن مميزات أصيلة أن مرافقها المهمة تتركز في وسط المدينة، وهو أمر يروق كثيرا لزوارها، الذين ليسوا بحاجة لوسائل النقل التقليدية. ويمكنك بسهولة أن تغشى جميع مطاعم ومقاهي المدينة، قبل أن تختار المكان الذي يروقك لتتناول فيه وجبة أو تحتسي فيه مشروبا باردا أو ساخنا.

لا بد لزائر أصيلة أن يتوقف عند واحد من ثلاثة مطاعم، تعتبر من أشهر مطاعم المدينة، وتشترك الثلاثة في أنها تقدم وجباتها من الأسماك الطرية صيف شتاء. وهي مطعم «غارسيا» ومطعم «بيبي» ومطعم (القصبة). يمتلك المطعم الأول إسباني يدعى «بيبي» يعيش في أصيلة منذ عقود طويلة، في حين تملك مطعم غارسيا أسرة إسبانية، وهو يعج دائما بالسياح الإسبان، حيث يقدم المطعم أكلات السمك على الطريقة الإسبانية، خاصة أكلة «البايلا» التي تشتهر بها معظم مدن شمال المغرب، أما مطعم القصبة فأغلب رواده من المغاربة الذين يزورون المدينة أو يتوقفون فيها في طريقهم شمالا وجنوبا.

يزور أصيلة في الصيف عدد من السياح العرب خاصة الخليجيين، الذين عادة ما يمضون نهارهم في المدينة ويعودون أدراجهم إلى طنجة حيث يقيمون، ذلك أن أصيلة لا توجد بها فنادق فاخرة من النوع الذي تستهوي هذه الشريحة من السياح. ومعظم هؤلاء يزورون المدينة خلال فترة المهرجان، رغبة منهم في التعرف على الأسماء والنجوم الذين يأتون إلى أصيلة للمشاركة في فعاليات مهرجانها الثقافي.

من الأمور اللافتة في أصيلة نظافتها، ويحق لهذه المدينة الصغيرة الأنيقة أن تفتخر بنظافتها وأناقتها، حتى المدينة العتيقة نظيفة ومنازلها بيضاء ناصعة البياض بنوافذ وأبواب زرقاء.

جمالية أصيلة تكمن أيضا في بحرها، إذ توجد الشواطئ النظيفة في شمال المدينة في الطريق إلى طنجة. أشهر هذه الشواطئ شاطئ «براديس» الذي يقع على بعد بضعة كيلومترات من أصيلة. هذا الشاطئ ينطبق اسمه عليه، فهو فعلا «جنة بحرية» يجذب كثيرا من السياح خلال الصيف، وتمارس فيه رياضة الزوارق الشراعية، في حين يفضل كثيرون السباحة في شاطئه الذي يمتاز بأمواجه الهادئة.

إذا تجولت في الصباحات في شوارع أصيلة ستلاحظ أن كراسي المقاهي شبه فارغة من الزبناء والشوارع خلو من المارة باستثناء أعداد قليلة جدا. في حين يوجد على شاطئ المدينة أيضا عدد محدود من المصطافين، وبعض الأطفال يلعبون كرة القدم فوق رمال الشاطئ.

وعندما تتجول في أحياء المدينة العتيقة وأزقتها في الصباحات، ينتابك شعور بأن المدينة كلها لم تستيقظ بعد، ولا أثر للرسامين الذين يعرضون لوحاتهم في الشارع، أو الباعة المتجولين الذين تعج بهم الشوارع في المساء.

في منتصف النهار تستمر الحركة بطيئة في المدينة، لكن الزائر سيلحظ أنها بدأت تدب نوعا ما في المحلات التجارية والدكاكين والمقاهي، كما ستلاحظ أن رائحة السمك المشوي والمقلي راحت تنبعث من المطاعم، في حين ينهمك النوادل في ترتيب الكراسي والموائد في انتظار السياح والزوار، بينهما ينهمك الطباخون داخل المطابخ في إعداد وجبات الغداء. مع العصر تدب حركة غريبة في الشوارع والأزقة حيث يكثر المارة وتمتلئ المقاهي عن آخرها، ويغص شارع الكورنيش بالمارة إلى حد أنه يغلق أمام أصحاب السيارات، ومع هذه الحركة المثيرة للانتباه يتعذر أن تجد كرسيا فارغا واحدا في أي مقهى، وهكذا تظل أصيلة مستيقظة من العصر وحتى فجر اليوم التالي.

ثمة أمكنة تستهوي السياح المولعين بالتاريخ، من ذلك «قصر الريسوني» الرائع بمعماره وزخرفه وفسيفسائه والذي أصبح يطلق عليه حاليا اسم «قصر الثقافة»، وهناك «برج وساحة القمرة» و«برج القريقية» المطل على المحيط الأطلسي. إلى جانب المآثر التاريخية، هناك كذلك، حدائق جميلة في ساحات المدينة، وهي تحمل أسماء أدباء مغاربة وعرب وأفارقة منها حديقة الشاعر الكونغولي «تشيكايا أوتامسي» و«حديقة ليبولد سيدار سنغور» وحديقة الكاتب السوداني «الطيب صالح» وحديقة الشاعر العراقي «بلند الحيدري»، و«حديقة الكاتب المغربي محمد عابد الجابري».

وكانت أصيلة قد حصلت على جائزة «آغا خان» لفن العمارة، إذ أن أزقتها التي رممت وتصطف فيها منازل بيضاء ذات نوافذ خضراء أو زرقاء، تعتبر من نقاط تميز المدينة، وتحيط بالمدينة العتيقة أسوار يعود تاريخ إنشائها إلى الحقبة البرتغالية، ويطل جزء من تلك الأسوار على الصخور المشرفة على البحر.

ويمكن الدخول إلى أحياء المدينة العتيقة عبر ثلاثة أبواب هي «باب القصبة» و«باب البحر» و«باب الحومر» وتوجد بداخلها دكاكين لمنتجات الصناعة التقليدية، وساحة «القمرة» التي تقام بها سهرات الهواء الطلق، وساحة أخرى تشرف على البحر يسميها الأهالي ساحة «الطيقان» تؤدي إلى برج «القريقية» الشهير الذي يطل على المحيط، والذي يمكن من خلاله الاستمتاع بمنظر غروب الشمس ومشاهدة ميناء المدينة. وتتميز أحياء المدينة القديمة بنظافتها وبالتنافس الكبير بين سكانها في تزيين واجهات بيوتهم بالنباتات والزهور، ومما يشجعهم على تزيين أبواب منازلهم سعيهم للفوز بجائزة البيئة التي توزع سنويا على المواطن الذي كان أحرص من الآخرين لحماية البيئة والعناية بها.

ويوجد على بعد أمتار قليلة من باب القصبة، مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية الذي كان في الأصل مخزنا للحبوب، قبل أن يعاد بناؤه وفق هندسة جميلة، ويتحول إلى مقر رسمي «لمؤسسة منتدى أصيلة» التي تنظم بداخله الندوات واللقاءات الثقافية والفكرية.

ومن أهم معلمة حديثة خارج أسوار المدينة العتيقة «مكتبة الأمير بندر بن سلطان» التي افتتحت في صيف 2004. وهي بناية مزودة بأحدث الأجهزة المرئية والمسموعة وتتوفر على قاعة سينمائية وثانية للمطالعة وثالثة للندوات، وبجوار هذه المكتبة توجد «حديقة محمد عزيز الحبابي» شيدت تكريما المفكر المغربي الراحل.

وثمة ظاهرة تسترعي الانتباه في أصيلة، وهي الأبواب الكثيرة التي تطل من خلالها المدينة العتيقة ذات الأسوار البرتغالية على المحيط الأطلسي، نذكر منها «باب البحر» و«باب القصبة» و«باب قريقية» و«باب رمال» و«باب السوق» و«باب بغداد» وباب «البنفسج».

ومن ظواهر أصيلة كذلك «المقاهي التي لا تنام». وهي مقاه مكتظة بالناس يحتسون كاسات الشاي الأخضر المنعنع، وهو عند سكان المدينة، من علامات كرم الضيافة، إذ يملأون الكأس بنوع خاص من النعناع له رائحة نفاذة ويصبون عليه الشاي الأخضر مع سكر خفيف.

وأجمل ما تسمع في مقاهي أصيلة الموسيقى، وهي موسيقى منفتحة على العالم وتلبي جميع أذواق كل الزوار، في الصباح تسمع فيروز ونجاة الصغيرة، وفي وقت الغداء تسمع محمد عبد الوهاب والمغربية نعيمة سميح، وفي المساء تسمع مجموعة «ناس الغيوان» المغربية وعبد الحليم حافظ وفي الليل لا تسمع في أغلب المقاهي إلا أغاني أم كلثوم.

ومن المقاهي الشهيرة في أصيلة مقهى «الزريرق» وهو عبارة عن مقهى له خصوصية شيد بالقصب، وعادة ما يتناول فيه الصيادون الشاي الأخضر، لكن كثيرين من زوار المدينة يستهويهم هذا المقهى الشعبي ويتناولون فيه الشاي، وهو يستهويهم لأنهم يستطيعون أن يتأملوا غروب الشمس، حيث تبدأ بعدها حركة وضجيج في شارع الكورنيش المجاور للمقهى.