في بلدة «دوما» راحتك سكر زيادة وجلستك مطاعم نهرية وسياحتك بيئية بامتياز

طبيعتها الخلابة استخدمت كمسرح لتصوير «سفر برلك» و«الفجر» و«هلأ لوين»

دوما شهدت تصوير عدد من الأفلام اللبنانية
TT

تطبق بلدة دوما الشمالية القول اللبناني المعروف «عذابك راحة» جملة وتفصيلا؛ كون زائرها الذي يصلها بعد قطع مسافة 85 كلم من بيروت لا يلبث أن ينسى المسار الطويل الذي استغرقه للوصول إليها ما إن تطأها قدماه لجمال مناظرها الطبيعية من ناحية، والنشاطات السياحية والبيئية التي تنتظره فيها من ناحية ثانية، إضافة إلى تذوقه بعد كل جلسة طعام يقوم بها في أحد مطاعمها حلاوة «راحة الحلقوم» (نوع من الحلوى اللبنانية القديمة) التي تصدرها إلى مختلف أنحاء العالم كونها مشهورة بصنعها.

فبلدة دوما التي تقع وسط جبل لبنان الشمالي في قضاء البترون وترتفع عن سطح البحر نحو 1100 أمتار تمتاز بمناخها الصحي بسبب موقعها الجغرافي؛ فهي محاطة بالجبال من ثلاث جهات، مما يقيها الرطوبة الزائدة ويخفض فروق الحرارة بين الليل والنهار وبين الصيف والشتاء، ناهيك عما يحمله الهواء من النقاوة والعطر بمروره بهذه الجبال الخضراء الندية.

تعرف بلدة دوما ببيوتها التراثية التي أبى أهاليها التخلي عنها والالتحاق بموجة البناء الحديث التي خرقت القرى اللبنانية مؤخرا، فأبقوا على مساكنهم كما هي تعبق بالهندسة اللبنانية العريقة من رأسها حتى أخمص قدميها والمبنية من الحجر الطبيعي والمغطاة بأسطح من القرميد، كما تظللها القناطر الثلاث في غالبية واجهاتها.

أما اسم «دوما» فيقال إنه استوحي من موقعها الجغرافي (تقع على تلة) ويخيم عليها الهدوء والسكينة، وهو في اليونانية (dome) أي «القصر أو القلعة».

من النشاطات التي تنتظر زائر دوما ممارسة رياضة المشي في ممرات طبيعية خصصت لها ضمن برنامج السياحة البيئية المشهورة بها والتي تعتمدها منذ عام 2000 وتتوزع على ممر سكة الشام الذي يمتد من بالوع بلعة في شتين، مرورا بزحلة تنورين، وصولا إلى دوما، وهو طريق قديم كان يستعمله التجار القدامى (المكارية) وهم يركبون الحمار، وطوله نحو 4 كلم، ويستغرق قطعه سيرا على الأقدام ساعة ونصف الساعة. أما الممر الثاني فهو ينطلق من دوما مرورا ببلدة بشعلة وقلعة الحصن ودير مار يعقوب في دوما، ويستغرق قطعه نحو ساعة واحدة.

فندق دوما الذي يقع على مدخل البلدة يتألف من أربع طبقات ويستقبل زبائنه طيلة 24 ساعة، ويقدم خدمات عدة، بينها تنظيم جولات سياحية في البلدة والمنطقة المجاورة لها، كما يتسنى لنزلائه التمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة التي يطل عليها من جهاته الثلاث، والتي تشرف على قلعة الحصن ووادي ادما وجبالها وشاطئ البترون، وتناول الفطور صباحا بين أشجار الصنوبر المحيطة بحديقة الفندق وتتألف من أطباق قروية، كاللبنة والجبنة البلدية والبيض بالآورما وغيرها من الحلويات والمربيات المصنوعة محليا من قبل أهل بلدة دوما.

ومن يهوى التخييم والمكوث في الطبيعة فبلدة دوما خصصت قطعة أرض كبيرة لهواة هذا النوع من النشاطات بمساحة 7000 كلم تتسع لأكثر من مائة خيمة بإمكان الهواة نصبها شخصيا أو استئجارها مقابل 10 دولارات لليلة الواحدة، وهي مقفلة، ومنها ما يتسع لشخص واحد، وأخرى تتسع لأعداد أكبر تصل إلى ثمانية أشخاص، فيما لو كان نزلاء الخيمة ينتمون لفريق أو مؤسسة ما. ويقول سعيد شماس الذي استحدث هذا النشاط في البلدة منذ عام 2005 لـ«الشرق الأوسط» إن موسم التخييم يبدأ في شهر يونيو (حزيران) ويمتد حتى شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وإن زبائنه هم من السياح الأجانب والعرب وطلاب الجامعات وممارسي هواية المشي والكشافة الذين اعتادوا الإقامة في الخيم. وتعرف هذه المنطقة بمنطقة الصنوبر لانتشار شجر الصنوبر فيها، وكذلك أشجار السنديان، وقد جهزت الأرض بالحمامات والمطابخ ورشت بالمبيدات لتكون صالحة للتخييم.

تعرف بلدة دوما بطبيعتها الهادئة والجميلة، وقد اختارها الأخوان رحباني (عاصي ومنصور) لتكون موقع تصوير أحد أفلامهما السينمائية الشهيرة «سفر برلك» الذي لعبت فيه فيروز دور البطولة، ونزل يومها فريق الفيلم في فندق دوما تماما، كما فريق فيلم المخرجة اللبنانية نادين لبكي التي اختارتها أيضا لتصور فيها وقائع فيلمها السينمائي «هلأ لوين» الذي حاز جوائز عدة، كما تم فيها تصوير فيلم «الفجر» ويحكي قصة استقلال لبنان، إضافة إلى عدد من الكليبات الغنائية والإعلانات المصورة. ويتوزع في دوما عدد من المطاعم اللبنانية التي تقدم الأطباق اللبنانية الشهيرة كالفتة والمغربية والصيادية، وغيرها من أطباق المازة اللبنانية، وبينها مطعم «إسكلافيو» و«باتيسري سان جورج» يختص بتقديم الأطباق السريعة كالهمبرغر والبيتزا، إضافة إلى مطاعم أخرى تمتد على طول نهر كفرحلدا، وهي البلدة الملاصقة لدوما ويقصدها الزوار من كل حدب وصوب، وبينها متنزه «غابة الجوز» ويقدم الكبة الدومانية والمازة اللبنانية على أنواعها، و«الوادي الأخضر» ومتنزه «ضفة النهر» و«الشلال» و«الطواحين»، وغيرها من المطاعم التي تمتد على طول النهر الذي يبلغ نحو كيلومتر واحد، وتقدم فيها النرجيلة والحلويات الدومانية وفي مقدمتها «راحة الحلقوم» المشهور بصناعتها في دوما آل شاهين، وهي تتألف من النشا والسكر ومطيبات عدة كالمسك، وتؤكل مع قطع البسكويت التي تذوب بالفم عند تذوقها، فيتلذذ صاحبها بطعمها الحلو والغريب تماما، كما «الحلاوة» وهي حلويات لبنانية أيضا مصنوعة من الطحينة والسكر.

أما الأشخاص الذين يحبون الاطلاع على الهندسة العمرانية اللبنانية القديمة، فإن بلدة دوما خير مكان لذلك، كون بيوتها ذات الهندسة التراثية تحتل نسبة 60 في المائة من بيوتها عامة التي يعود بناؤها إلى القرن الثامن عشر، وتتميز بسقوفها وجدرانها المرسومة باليد والمكللة بالقرميد. تحولت هذه المنازل مع الوقت إلى متاحف مفتوحة أمام الزوار عند مرورهم بالبلدة. وتؤكد رئيسة نادي دوما حياة الحاج شلهوب لـ«الشرق الأوسط» أن البلدة تعزز موسم الصيف فيها من خلال إقامة نشاطات ترفيهية عدة، كالمهرجانات التي يحييها فنانون لبنانيون، وعشاء قروي سنوي يحضره أهل البلدة وتعرض فيه منتوجاتها الصناعية المعروفة بالمونة اللبنانية (دبس الرمان والمربيات وشراب التوت وغيرها)، ومن المتوقع أن تؤمن دوما هذا الصيف الدراجات الهوائية ليتسنى لزائرها التجول في أحيائها وأسواقها الشعبية وممراتها الطبيعية، مستغنيا عن السيارة وممارسا رياضة ركوب الدراجة في الوقت نفسه.