عمشيت.. بغداد لبنان

وجهة السائح الذي يبحث عن العراقة والتسلية وطبق السمك اللذيذ

TT

يلقبونها بـ«عروس جبيل» (تقع في قضاء جبيل) والبعض يسميها «بغداد لبنان» (لانتشار شجر النخيل فيها)، إلا أن بلدة عمشيت الساحلية لديها من الميزات والخصائص ما يجعلها صاحبة هوية سياحية خاصة بها، فهي تغوي زائريها بمساحاتها الخضراء وببحرها الأزرق وببيوتها القرقمازية العريقة، مما جعلها بمثابة فسيفساء رسمتها الطبيعة بتأن فباتت لوحة ساحلية فريدة من نوعها، لا تشبه أيا من جيرانها على الخريطة اللبنانية، وقد ذكرها كل من تشرشل وإبراهيم اليازجي وأمين الريحاني في كتاباتهم نظرا لتأثرهم بطبيعتها.

عندما تذكر اسم بلدة عمشيت يقفز أمامك تلقائيا مشهد مناظرها الخلابة التي تجمع بين البحر وأشجار النخيل والتلال السبعة التي تتكون منها، والتي جعلتها مقصدا للسياح الذين يبحثون عن الهدوء والسكينة والمناخ المنعش.

تبعد عمشيت عن بيروت بنحو 37 كلم فيها من النوادي الرياضية والمجمعات السياحية والمطاعم ما جعلها عنوانا معروفا لدى السياح الأجانب الذين يقصدونها من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا في جميع الفصول، وخاصة في الصيف والخريف، للتمتع بطبيعتها والتجول في شوارعها الصغيرة المظللة بأشجار النخيل والزيتون والغار، حيث بإمكانك ممارسة رياضة ركوب الدراجة الهوائية أو المشي وأخذ قسط من الاستراحة على مقعد خشبي، أو على (الفريز)، أي المقعد المصنوع من الإسمنت، لتتذوق من أحد أفرانها منقوشة بالزعتر، أو الكشك بالبيض والقاورما وهي الأشهر فيها. كذلك ما زالت حتى اليوم تحافظ هذه الأحياء على طابعها التراثي العريق إن من خلال أزقتها الضيقة، أو من خلال ساحتها القديمة التي تشكل تجمعا طبيعيا لأبناء البلدة وللمسنين فيها.

عادة ما ينصح السائح الذي يقصد بلدة عمشيت بالتوجه إلى أحد أكبر منتجعاتها البحرية وهو «مخيم عمشيت»، هذا المركز الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي الذي يمتد على مساحة 30000م، فيستقبل نزلاءه في أجواء مغايرة تماما عن تلك التي نعرفها في المراكز السياحية المشابهة؛ إذ تعتمد على شاليهات عادية و«تانغالوهات»، وهي كلمة استوحاها صاحب المشروع من كلمة خيمة بالفرنسية «tente»، إذ بنيت على شكلها، (يلاحظ انحدار سقفها وبساطة هندستها)، وقد غطيت سقوفها بحجر القرميد لتعطي انطباعا وكأنك في مخيم (camp)طبيعي مظلل بالأشجار من ناحية، ومطل على شاطئ عمشيت الصخري من ناحية ثانية.

تم تأسيس المخيم عام 1965 من قبل الفرنسية دونيز زوجة أحد أبناء بلدة عمشيت مالك لحود. يتضمن نحو 45 شاليها و«تانغالو» لاستضافة السياح، إضافة إلى 22 نقطة محددة داخله لإقامة الخيم الخاصة التي عادة ما يقوم بها طلاب المدارس والجامعات، حيث يمضون عطلة الأسبوع أو أكثر وهم يمارسون رياضة السباحة أو المشي على الرمل، أو يمارسون رياضة الكرة الخفيفة الطائرة، إضافة إلى إقامة حفلات المشاوي، وذلك بكلفة 20 دولارا لليلة الواحدة.

ومن يزور بلدة عمشيت لا بد أن يتعرف عن كثب إلى معالمها التراثية المتمثلة في بيوتها القديمة التي يتجاوز عمر بعضها 100 عام، وتدخل ضمن العمارة العربية المعروفة في دمشق ومنطقة الشوف في لبنان؛ إذ معظمها يتضمن باحة خارجية واسعة تتوزع حولها الغرف التي تتألف منها والمفتوحة مساحاتها بعضها على بعض، وهي بغالبيتها مستوحاة من الهندسة الرومانية والفارسية. هذه البيوت المتاحة زيارتها أمام الجميع مجانا تحولت بعض باحاتها التي كانت في الماضي تشكل السماء الزرقاء سقفا لها إلى أخرى مغلقة شيدت لها السقوف المضاءة تلقائيا بأشعة الشمس التي تخرقها من خلال فتحات واسعة مصنوعة من الزجاج في وسطها وتعرف بالديوانية. أشهر البيوت وأعرقها هي التي تعود لزخيا طوبيا (سكن فيها الشاعر الفرنسي إرنست رينان)، ولمايكل لحود ونزيه لحود وجان لحود وأليس فرنسيس وبشارة كرم وغيرها، وتتميز بوساعتها وجدرانها المزخرفة والمذهبة أحيانا، وقناطرها وهندسة المندلونات التي تلونها.

وبعد أن تتمشى في شوارع عمشيت، وتلف على بيوتها العريقة، وتستلقي على رمال بحرها الأزرق، وتهرول على بولفارها المطل على البحر (بولفار الرئيس ميشال سليمان وهو أحد أبنائها)، لا بد لك أن تحط في أحد مطاعمها المشهورة بتقديم أطباق السمك الطازج واللذيذ الذي ترافقه لائحة طويلة من أطباق المازة اللبنانية.

أشهر هذه المطاعم الموزعة على طول شاطئ عمشيت «مهنا» و«شي زخيا» و«مارينوس» و«Le cap» و«Le petit port»، وجميعها تتنافس على تقديم اللقمة الطيبة والسمك المشوي أو المقلي، إضافة إلى أطباق أخرى مؤلفة من ثمار البحر، مثل الطاجن والصبيدج والكركند والقريدس.

أما التذكارات التي بإمكانك أن تحملها من زيارتك إلى عمشيت فهي تتمثل في أدوات المنزل أو الإكسسوارات المصنوعة من القش التي يشتهر بها أهالي عمشيت، وبمقدمهم آل زغيب، وتتألف من صوان وقبعات وسلال ومقاعد، وغيرها من الأشياء التي قد ترغب في أن تزين بها مداخل منزلك كعنصر ديكور خارج عن المألوف.

ولا ننسى هواة رياضة الغطس الذين بإمكانهم ممارسة هوايتهم هذه على أي شاطئ يختارونه من ساحل بلدة عمشيت (المعقيلة والبشاش)، حيث يزخر بحر البلدة بأنواع السمك المختلفة التي تشكل ثروة بحرية تعتبر الأشهر من نوعها في لبنان يقصدها أيضا صيادو السمك من منطقة شمال لبنان لرمي شباكهم فيها.