في «لو مانوار أو كات سيزون».. الطهي صباحا والأناقة مساء

فندق «بوتيك» في قلب الريف الإنجليزي

عنوان الراحة والاسترخاء في قلب الريف الإنجليزي
TT

الطقس في لندن ماطر وغائم، ومشمس أحيانا، هذا هو الربيع الحالي الذي نعيشه في «مدينة الضباب» لندن كما يحلو للعرب تسميتها، إلا أن كثافة الغيوم التي تلقي بظلها الداكن الثقيل لا تحول دون التمتع بروعة وجمال الريف الإنجليزي مهما كان الطقس ومهما تفرضه الطبيعة.

زيارة المملكة المتحدة لا يمكن أن تكتمل إلا بزيارة ريفها الأخضر الجميل في جميع الفصول، وبما أننا نتكلم عن المناخ والفصول والريف، فلا بد أن نتكلم عن عزبة الفصول الأربعة وترجمتها بالفرنسية «لو مانوار أو كات سيزون» لصاحبها الطاهي الفرنسي العالمي ريمون بلان في قرية «غرايت ميلتون» بمقاطعة أكسفوردشير القريبة من مدينة أكسفورد الشهيرة بجامعاتها.

* الوصول إلى الفندق

* تترك الطريق السريع «إم 40» لتأخذك روعة الطبيعة إلى تلك القرية الصغيرة التي تبدو كأنها لوحة فنية حقيقية، تصارع فيها الطبيعة نفسها، وتختلف عليها الأمور لتبدو تارة لوحة رسمت في فصل الربيع، وتارة أخرى تراها كأنها لوحة رسمها فنان في فصل الشتاء القارس، وهذا يترجمه انخفاض درجات الحرارة، ولو أننا فعليا في فصل الربيع.

تصل إلى مدخل الفندق من فئة «بوتيك» عبر بوابة كبيرة ليطالعك خلف السور الكبير ذلك المبنى الأثري وبمجرد الدخول إلى باحة العزبة أو ما يشبه منزلا ريفيا كبيرا، تشعر بالدفء، فالمبنى الأساسي يضم بهو الاستقبال والمطعم الرئيس للفندق الذي يديره الطاهي ريمون بلان بنفسه والحائز نجمتي «ميشلين» للتميز عام 1985، بعد عام واحد من افتتاح الفندق المؤلف من 32 جناحا.

إذا كنت قد سمعت عن الطاهي ريمون بلان أو كنت من محبي المطاعم الراقية، فلا بد أن تكون على دراية بأسلوب بلان الذي يرتكز على الاهتمام بالتفاصيل والإبداع.

قصة ريمون بلان مميزة، فهو من منطقة اسمها «فرانش - كونتي» في فرنسا، عمل نادلا في مطعم «لو باليه دو لا بيير» عام 1972 وطرده الطاهي الرئيس من عمله لأنه حاول إعطاءه نصيحة في الطهي الذي تعلمه من والدته «مامان بلان»، وعثر مدير المطعم على عمل لبلان في أحد المطاعم بمدينة في بريطانيا، وسافر بلان بواسطة سيارته الـ«رينو» القديمة عبر مرفأ دوفر ليبدأ حياة لم يحلم ولم يعرف أنه سيعيشها. لمع اسم ريمون بلان في بريطانيا، ورهن منزله الذي كان يملكه مع زوجته السابقة جيني عام 1983 ليشتري عزبة في منطقة «غرايت ميلتون»، أغرم بها بمجرد أن وقع نظره عليها وكان يراوده دائما ذلك الحلم الذي يجمع ما بين الإقامة الراقية والمطبخ الرفيع، وهكذا حصل، اشترى العزبة، وبمساعدة أصدقائه استطاع تحويل المنزل الكبير إلى روعة حقيقية ودرس الأناقة وفي مدرسة لتعليم الطهي تعطي الضيوف فرصة تعلم الطبخ على طريقة ريمون بلان في أجواء تزينها نجوم «ميشلين».

فلسفة بلان هي: «(لو مانوار) نتيجة رؤية شخصية، حلم لخلق فندق ومطعم حيث يستطيع زبائني إيجاد أفضل أنواع الطعام والراحة والخدمة».

* ديكورات مختلفة

* 32 جناحا ينفرد كل منها بديكور مختلف، ولكن القاسم المشترك بين الأجنحة هو المنظر المطل على الحدائق الموزعة على مساحة 33 هكتارا، وأطلق على كل جناح اسما مختلفا، ففي الفندق لا يتم التعامل بالأرقام؛ إنما بالأسماء، فخياري وقع على جناح «يوجينيا».. الديكور يتناسب مع البيئة المحيطة بالفندق.. مدفأة صغيرة عند المدخل، السقوف مدعمة بقطع من الخشب.. الألوان مريحة يتخللها الأزرق.. الحمام كبير الحجم، استعمل في ديكوره الرخام بشكل لافت، والجميل في الديكور أنه يتناغم مع الريف، ولكن وفي الوقت نفسه يتفهم التكنولوجيا ويواكبها من خلال شاشة مسطحة فوق المغطس في الحمام وأخرى في الغرفة مع جهاز للموسيقى من أحدث ما آلت إليه التقنيات.

الهدوء هو العنوان العريض للمكان.. العاملون ينادوك باسمك، فالأمر ليس صعبا، فعدد الأجنحة صغير، وهذا ما يجعل الإقامة أشبه بوجودك في منزل كبير، فلا وجود لبهو عملاق، وليست هناك أي مظاهر من تلك التي تجدها في الفنادق الكبرى حول العالم.

* مدرسة تعلم الطبخ

* تقول كلير ويلسون مسؤولة المبيعات والتسويق في الفندق، إن رؤية ريمون بلان كانت واضحة؛ خلق عنوان إقامة راق للراحة فترة المساء، وفرصة لتعلم تحضير أشهر أطباقه في مدرسة مخصصة لتعليم الطهي خلال النهار. ويمكن لغير النازلين في الفندق الانضمام إلى حصة تعليم الطهي التي تبدأ عند الساعة الثامنة و45 دقيقة بعد شرح سريع وإعطائك سترة بيضاء خاصة بالطهاة كتب عليها اسم «مدرسة ريمون بلان لتعليم الطهي»، تضم فوقها مئزرا باللون الرمادي. حصة الطبخ لا تخلو من المرح، لكن في الحقيقة، يجب أن تضع نصب عينيك أنك تتعلم الطهي على يد طباخ ماهر يعمل في مطبخ حاصل على نجمتي «ميشلين» وتتلمذ على يدي طاه خرج 28 طاهيا حاصلين حاليا على نجوم «ميشلين».

درس الطهي يستوعب 10 أشخاص فقط.. يبدأ في الصباح وينتهي عند الخامسة والنصف مساء، تتعلم خلاله العديد من أسرار المهنة، وتقوم بنفسك بتطبيق ما تتعلمه خلال الدرس وتطهو الأطباق بنفسك، ووسط حصة الطبخ، سمعت صوتا يقول: «Bonjour» (صباح الخير)، وها هو الطاهي الكبير Monsieur Blanc كما يناديه جميع العاملين في الفندق والمطعم، يبلغ من العمر 64 عاما، يبدو أصغر من سنه.. متواضع وغير متكلف، ويحضر حاليا لبرنامج تلفزيوني جديد، وبعد إلقاء التحية على جميع الطلاب، شرح أهمية استعمال المنتجات الطازجة وأهمية تشجيع المزارعين وشراء منتجاتهم لكي يتمكنوا من متابعة عملهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة حاليا، وتكلم أيضا عن الفرق ما بين المنتج الذي تشتريه من السوبر ماركت وآخر تأتي به من المزرعة أو حديقة المنزل.. وبعد الانتهاء من الطبخ تشارك رفاقك في الحصة الأكل في أجواء جميلة وهادئة، على أنغام الموسيقى إذا أردت.

المدرسة تقع على مقربة من المطبخ الرئيس للفندق، فترى من خلال الواجهة الزجاجية الفاصلة، مشهد الطهاة فتخيل إليك أنك في خلية نحل منظمة. هذا ولا نزال في فترة الصباح ولم نصل بعد إلى فترة الغداء أو التحضير للعشاء. وبحسب مدير المدرسة الشيف ماركس بيبير، الفندق شهير باستضافة الأعراس والعشاوات الخاصة فيه، لذا نرى الطهاة يعملون على قدم وساق وعلى مدار الساعة للتمكن من سد حاجات المطعم الذي تصل مدة الانتظار للحصول على حجز فيه إلى 3 أشهر على أقل تقدير، وفي الوقت نفسه تحضير العشاء للأعراس والحفلات الخاصة.

يمكن حجز الدرس في مدرسة الطبخ ليوم واحد أو ثلاثة أو أربعة أيام، للنازلين في الفندق أو للزوار من الخارج أيضا.

* حدائق الفندق

* بعد يوم كامل في المدرسة تتخلله زيارة الحدائق المنسقة المحيطة بالفندق، يأخذك أحد الطهاة في رحلة مشي قصيرة لرؤية الزرع الذي يعول عليه مطبخ الفندق بنسبة 20 في المائة، وبعدها تزور حديقة أخرى وتجد في وسطها الفزاعة خيال المآتة.. قام النحات لويد بلان بنحته وطلب الطاهي ريمون بلان أن يأخذ شكله، فهو مصنوع من الحديد ويعتبر من النقاط الأكثر جذبا في الحديقة وخلفه تمثال آخر لسيدة ترتدي قبعة وتحمل سلة في يدها. علمنا أن التمثال يعود للسيدة التي تدير الحدائق، ويحب السيد بلان إطلاق اسم «غاردن غارديان» أو «ملاك الحديقة الحارس» عليها، فهي تهتم بكل شاردة وواردة في الحدائق.. تنسقها وتزرعها وتزينها.

* نهاية الدرس

* بعد يوم حافل بالروائح النفاثة وتذوق ألذ الأطباق، فلن تترك المدرسة بخفي حنين، إنما سيكون بانتظارك شهادة رسمية من السيد بلان شخصيا تفيد أنك أمضيت يوما كاملا وبنجاح، في «مدرسة ريمون بلان لتعلم الطهي»، إضافة إلى مقلاة من تصميم بلان، ولائحة الطعام الذي قمت بتعلم كيفية تحضيره مع كل التفاصيل مثل طريقة التحضير والمنتجات اللازمة. وخلال الدرس تتعلم وصفتين لتحضير السلطة ووصفة حساء وطبق رئيس، ووصفة مرق الدجاج وثلاثة أطباق حلوى، وتأخذ معك أيضا «تارت» بالخضراوات من تحضيرك، ولكن أهم ما تأخذه معك هو بعض النصائح والأسرار التي لا يعرفها إلا الطهاة اللامعون وأصحاب الخبرة الطويلة، ومن أهم ما تعلمته هو أن معيار غرام من الملح يساوي 3 أصابع يد، وأفضل طريقة لمد العجين هو طبقة البلاستيك «الكلينغ فيلم» لأن إضافة الدقيق لمد العجين من شأنها أن تغير الوصفة.

* مطعم «لو مانوار»

* حصل المطعم على نجمتي «ميشلين»، منذ أكثر من 28 عاما، وتعتبر هذه المدة هي الأطول لمطعم يستطيع المحافظة على نجومه، همّ ريمون بلان الأكبر وهاجسه هو المحافظة على النجمتين مهما كلف الأمر. المطعم هو أهم ما يجذب الزبائن إلى الفندق، وصفه كل من زاره على أنه نقلة نوعية من فعل عبقري مبدع، وتعتبر الأطباق التي تقدم فيه من أهم ما يمكن أن تتذوقه في حياتك. من الممكن تذوق أطباق اللائحة بالكامل من خلال ما يعرف بـ«Menu decouverte» أو عن طريق اختيار ما يروق لك من اللائحة الأصلية.

الجو رومانسي من دون تكلف. يستعمل في الأطباق 90 نوعا من الخضراوات و70 نوعا من النبات.

* اللباس

* تذكر أنك في مكان تحيط به الحدائق، فحذاء مريح يكون من الضروريات، كما أنه ينصح بالقيام بجولة على الأقدام في أرجاء القرية الصغيرة، وزيارة الكنيسة القديمة القابعة بالقرب من الفندق.. أجواء المطاعم في الفندق راقية، فاختر ملابس مريحة وفي الوقت نفسه أنيقة. إذا أردت الالتحاق بمدرسة الطهي، فإنه ينصح بملابس مريحة وغير ثقيلة، لأنك ستكون في حركة شبه دائمة، والحرارة في المطبخ ترتفع مع الوقت بسبب استعمال الفرن طيلة اليوم.

* الفندق والتسوق

* قد يصعب تصور ربط مكان مثل «لو مانوار» بموضوع التسوق، لكن قرب الفندق الجغرافي من «بيستر فيلادج أوتليت» يفسر الصلة ما بين الطرفين، فهناك تعاون وثيق ما بين الفندق و«الأوتليت» المتخصص في بيع الماركات العالمية بأسعار مقبولة، فينظم الفندق حافلات تنقلك إلى مركز التسوق ويحصل الزوار على قسيمة شراء تخولهم تخفيضات إضافية.

* إقامة.. عشاء.. ومدرسة الطهي لشخصين

* يقدم الفندق الذي تديره شركة «Orient Express» باقة كاملة تجمع ما بين الإقامة والعشاء في المطعم الرئيس وتعلم الطهي، وتبدأ الأسعار من 1623 جنيها إسترلينيا؛ السعر يشمل شخصين يتشاركان الإقامة في جناح «سوبيرير»، ويشتمل السعر أيضا على وجبة الفطور وعشاء مع تذوق 9 أطباق من لائحة «ديكوفيرت»، ويوم كامل في مدرسة الطهي، وسترة طهي مع تطريز اسم الضيف عليها.

للمزيد من المعلومات: «www.lemanoir.com».