«البستان» .. لوحة فنية تطل على أروع المناظر

فندق تغزل به الشعراء

إحدى غرف النوم
TT

واحة من الجمال الاخضر مستلقية على الجهة الشمالية من جبل المتن اللبناني. انها بلدة بيت مري المنبسطة على هذه الروابي المتشحة بأخضر السنديان والصنوبر. وتتميز هذه البلدة ببيوتها الحجرية ذات القرميد الاحمر الذي يرسم وسط اشجار الصنوبر الشامخة لوحة جميلة تحاكي بألوانها زيتيات التشكيليين الذين اتخذوا من الطبيعة مصدرا لالهاماتهم. فهنا يمكن الزائر الغوص في هذا الجمال الذي ألِف رؤيته معلّقا ضمن اطار يزين جدران البيوت.

ولكن هنا، المشهد حي، ومعه تحتار العين أين توجه نظراتها. كل شيء جميل، وإن بدأ الاخضر يفسح الطريق أمام بنّي الخريف واحمراره الخجول، وإن بدأ الضباب يتسرّب حمما بيضاء تخفي تدريجا هذا المشهد الشامخ. وفي هذه البلدة يتخذ فندق «البستان» زاوية محايدة انما مطلة على البلدة والشريط الازرق الساحلي الذي يتحوّل ليلا قماشة مغموسة بسواد الحبر ومرصّعة بحبات الضوء الساطع والخجول في آن واحد. هذا المشهد الخلاب يمكن رؤيته من كل غرفة وكل زاوية في هذا المكان الفسيح. وربما هذا ما حدا بالشاعر اللبناني الكبير الراحل بشارة الخوري المعروف بالأخطل الصغير الى نظم أبيات، ها هي معلقة اليوم في ردهة الفندق: «عجبا ماذا أرى فوق هاتيك الذرى/ روضة في فلك أم سماء في ثرى/ زعموه فندقا ولكلِّ من يرى/ وأراه حلما من خيال الشعرا».

إلى هذا الفندق يصل طلاب الاستجمام والرفاهية من سياسيين واهل مال واعمال وفن ومشاهير لبنان والعالم. فهنا يمكن الحصول على كل وسائل الراحة ومعاينة الطبيعة عن قرب، ما يساعد على الاسترخاء وتنشق هواء الصنوبر النقي والتخلص من ذاك التوتر الحياتي الذي يتسلل بخطى خفية، فيتكدس ويتسبب بقلق تصعب معالجته، فتكون الطبيعة خير ملاذ. وفي «البستان» يخضع النزلاء للعلاج الامثل حيث الفخامة في تآلف تام مع الاخضر. فأصحابه اختاروا عدم توسيع البناء رغبة منهم في الحفاظ على المساحات الطبيعية التي تسيّج الفندق وتمنحه تلك الخصوصية التي تميّزه عن سائر الفنادق.

لذلك تبدو عراقته غير محصورة في خدمته او ملاءاته المزركشة أو رقي مطاعمه وأوانيه أو حتى في نجومه الخمسة الذي استحقها، بل تشمل تلك «الهالة الخضراء» التي تغلفه و«تخفيه» وراء اشجار الصنوبر. أما في الداخل فيلاحظ الزائر تلك اللمسة الخاصة في ترتيب الاشياء والقطع والمجسمات وفي انتقاء اللوحات وتنسيقها. كل شيء هنا يشي بوجود حس مرهف وذوق رفيع ودقة في انتقاء القطع والمفروشات والاواني والزينة بكل هدوئها وصخبها وسكونها وجنونها. كل ذلك مرتّب من دون تكلّف وباحتراف العارف.

في البهو الدافئ بفضل الخشب البنّي، لوحة تشكيلية انطباعية تزيّن المكان بألوانها الزاهية والدافئة معاً. هذه البساطة الراقية وما تضفيه من اجواء ساحرة، تثير في الزائر فضولا يشبه فضول المستكشف الذي يجهد للحصول على تفاصيل قصة هذا الفندق العريق الذي افتتح في العام 1967.

كان رجل الاعمال اللبناني إميل البستاني وهو صاحب شركة «كات» للمقاولات، يريد تأسيس «مكان للالتقاء» اكثر من تأسيس فندق، بما ان نشاطاته كانت تجمع بين الشرق والغرب وتستوجب عقد لقاءات عمل كثيرة. لقد اختار تشييد هذا الفندق مكان «غراند هوتيل» الذي كان شبه مهدم ولا يصلح للترميم. لكن القدر شاء ان يعاكسه لأنه قضى في حادث طائرة في عام 1963 لتتولى زوجته السيدة لورا وابنته ميرنا تحقيق امنيته، وقد حافظتا على المفهوم الذي اراده وهو «مكان اللقاء». هذا الامر يمكن لمسه بوضوح عبر هندسة الفندق ذلك انه يضم اضافة الى الغرف الـ117، قاعات للاجتماعات واوديتوريوم «اميل البستاني للمؤتمرات الدولية» يتسع لـ486 شخصا وقاعة «كريستال غاردن» التي تستخدم لنشاطات مختلفة من حفلات ومآدب ولقاءات مختلفة فضلا عن الصالونات المتعددة. ويلفت الانتباه حرص آل البستاني على «الوفاء» للفندق السابق فتوزعت لوحات وصور بالأسود والأبيض لـ «غراند هوتيل» في أرجاء مختلفة من «البستان».

المطاعم في الفندق متنوعة، فهناك مطعم Il Giardino الذي يقدم الاطباق الايطالية في اجواء ممتعة حيث يقدّم لرواده «الطهو المباشر» في قاعة تشرف من جهة على حديقة الفندق ومن جهة أخرى على بيروت. اما الاطباق الفرنسية واللبنانية فيمكن تذوقها في مطعم Les Glycines الذي يخصص ايام الآحاد للبوفيه المفتوح الذي يتضمن مروحة واسعة جدا من المأكولات والحلويات الشهية. وفي Le Village يمكن ارتشاف القهوة مع وجبات لبنانية، فيما يمكن التمتع بمنظر الجبل والساحل في The Scottish Bar حيث الديكور والاقمشة والستائر والمقتنيات وخصوصا الدروع تنقل الزائر الى اجواء اسكوتلندا. كذلك هناك مكان فسيح في الحديقة يتسع لنحو 50 شخصا. وفي الصالون العثماني The Ottoman يرحّب الاحمر القاني للسجاد والستائر بالوافدين قبل وصولهم للجلوس حول المدفأة التي تتوسط القاعة. صالون فسيح يتميز كسائر اقسام الفندق بديكور مميز لان الجهة الشمالية منه ذات جدران خشبية مقطعة وسقفه مزيّن بجسور خشبية، فيما الجهة الجنوبية منه جدرانها زجاجية من شأنها إبراز جمال المنظر. أما أقمشة الكراسي والكنبات وقطع الزينة والمصابيح، فغني عن القول انها منتقاة بعناية الى درجة ان الزائر يصدّق انه يرتشف الشاي في زيارة خاصة للوالي العثماني! والانتقال الى الغرف يمنح شعورا بالارتياح والسكينة بفضل إطلالها على منظر يكشف السهل والبحر. ولعل أجمل ما في «البستان» هو خارجه، حيث يأتلف حوض السباحة مع محيطه الأخضر ويوفر للنزلاء فرصة الاستسلام لأشعة الشمس وجمال الطبيعة، في اطار من الرفاهية والسكينة ينقل المرء الى «بستان» من الأحلام.

* «مهرجان البستان... حديقة فنية دولية

* مهرجان «البستان» الدولي للموسيقى والفنون هو احتفال يقام سنويا بين شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار). وقد أسسته السيدة ميرنا البستاني في عام 1994 رغبة منها في إعادة احياء الحياة الثقافية في لبنان بعد انتهاء الحرب اللبنانية في عام 1990. وهو يستضيف سنويا أشهر الأسماء في عالم الموسيقى وبين 300 الى 400 عازف، ويستقطب المئات من محبي الفن الراقي.

وفي الدورة المقبلة 2008 من المقرر أن يحتفل المهرجان بعيده الـ15 وستنظم حفلاته تحت عنوان «ما وراء الحدود» من 12 فبراير (شباط) حتى 16 مارس (آذار). وستقام الحفلات الرئيسة في اوديتوريوم «اميل البستاني» وفي قاعة «كريستال غاردن»، بالاضافة الى عدد من الكنائس القديمة والقاعات المختلفة في لبنان. وسيتضمن المهرجان حفلات اوبرا، فرقا سيمفونية، كورَسا وموسيقى حجرة، موسيقى دينية، جاز، موسيقى شرقية، فلامنكو، رقصا ومسرحا.

ومن أبرز محطات العرض المقبل: ـ أوبرا «عروس القيصر» لريمسكي كورساكوف.

ـ موسيقى المانية كلاسيكية لبراهمز.

ـ كونشيرتو بيانو رقم 1 لتشايكوفسكي.

ـ كونشيرتو بيانو رقم 2 لبروكوفييف.

ـ عروض لفرقة «تور» الهولندية للرقص الحديث.