للرومانسية عناوين في روما

يوم الحب في الأرض الحالمة

تعتبر كاستيللي روماني وفيلا بورغيزيه من اكثر الاماكن الرومانسية في روما («الشرق الأوسط»)
TT

قد يغرونك بالذهاب الى أقصى الأرض لزيارة أجمل المعالم السياحية بمناسبة يوم الحب، لكن زيارة واحدة لعاصمة الرومان ستمس شغاف قلبك العاطفية وستحلم بذكرى جمالها ودعاباتها وحتى فوضويتها المنظمة وتفكر بالعودة مجددا مع بشائر الربيع المقبل. ترى العشاق في روما في كل مكان، من أهل البلد ومن السياح الأجانب، وهم يستمتعون هذه الأيام بحلويات الكرنفال الذي انتهى موسمه قبل أيام لكنه خلف وراءه فطائر القديس يوسف (سان جيوسيبه) المنتفخة بالكريما ومعها حبات الكرز أحيانا. روما كانت عاصمة حكم البابوات قبل أن تصبح عاصمة ايطاليا الموحدة لذا نجد أسماء القديسين مرتبطة بكل يوم من أيام السنة وكذلك الحلويات. فيظهر أن القديسين كانوا حلويين ومتفرغين للأطايب ولذائذ الطعام. روما الآن تقدم وجبات خاصة في مطاعمها بهذه المناسبة لكن المتعة الأصلية في هذه المدينة الساحرة هي التنزه في حاراتها وأزقتها القديمة وتلالها السبع. بامكان الزائر اختيار أحد تلك النزهات التي قد لا تشير اليها الكتب السياحية أو يجوب جميعها متمهلا اذا سمح له الوقت.

جانيكولو أجمل منظر: يمكن أن نضمن أن أبهى وأروع منظر لروما ستراه من تلة «جانيكولو» ويمكن الوصول اليها من حي تراستيفيريه الشعبي الفني المليء بالمطاعم والمقاهي والحوانيت الصغيرة مثل الحي اللاتيني في باريس. شيد فيها تمثال كبير لغاريبالدي أحد مؤسسي الوحدة الايطالية في القرن التاسع عشر وهو يمتطي حصانه. الاشجار الباسقة والجو الرومانسي يغلبان على نزهة جانيكولو، وستجد ايضا باعة ألعاب الأطفال وعروض الدمى المتحركة. المشهد أمامك حافل بقبب الكنائس والمعالم المعروفة مثل النصب التذكاري للوحدة الايطالية في ساحة فينيسيا والآثار الرومانية من عهد يوليوس قيصر ونيرون ونهر التيبر الذي يخترق المدينة واذا كان الجو صحوا ومشمسا فقد ترى الهضاب البعيدة المحيطة بروما التي يسمونها «كاستيلي روماني» وكان النبلاء يقضون فيها اشهر الصيف الحارة. وقديما كانوا يطلقون طلقة مدفع من هذا الموقع كل يوم لاعلان انتصاف النهار.

نافورة الأحلام بالطبع: زيارة روما دون ان تعرج الى نافورة الاحلام (فونتانا دي تريفي) المدهشة لا قيمة لها واذا ألقيت قطعة نقود فيها فستضمن عودتك ولو بعد سنين. تعتبرالنافورة حديثة البناء نسبيا في هذه المدينة العتيقة لأنها شيدت قبل ما يقرب من 250 عاما واستغرق بناؤها وتزيينها ثلاثين عاما أما الماء المتدفق فيها فيأتي من قناة رومانية بناها مساعد الامبراطور اغسطس عام 19 قبل الميلاد. قام احد المخربين قبل اشهر باضافة سائل احمر الى مياه النافورة حتى ينغص عيش العشاق لكن الشرطة قبضت عليه بعد ايام ثم أفرجت عنه فابتكر طريقة اخرى للازعاج وهي رمي آلاف الكرات البلاستكية الملونة على الدرج المطل على ساحة اسبانيا لتعطيل حركة الزوار وملء النافورة البديعة التي نحتها الفنان برنيني في وسط الساحة. لم يبق عليه سوى تخريب المسرح الروماني الشهير الكولوسيوم لكنه محتجز الان في احد السجون او المصحات. هذه المعالم الثلاث هي ما يجب على كل سائح زيارته خاصة في عيد سان فالنتينو. نافورة الاحلام بواجهتها الرائعة وتماثيلها الجميلة من حقبة فن الباروك مخفية بين الشوارع التقليدية الضيقة لذا ينبهر الزائر حين يصلها للمرة الاولى. وأجمل منظر لها هو من الطابق الثاني لفندق صغير في وسطها اذا سمحت لك ادارته بالصعود الى شرفته. يمكن للجولة أن تمتد من نافورة الأحلام الى ساحة بربيريني وزيارة المتحف القريب الذي يحمل نفس الأسم وبجواره متحف الفن القديم ثم الصعود الى شارع فينيتو المعروف في افلام السينما الايطالية الذي يبدأ من ساحة باربيريني وعلى اليمين نافورة صغيرة لا تلفت الانتباه لكنها معروفة باسم «النحلة شعار عائلة باربيريني النبيلة وحين تتمع فيها تجد أن النحاتين الايطاليين يستطيعون تقليد أي شكل وكأن الصخر عجينة لينة بين أناملهم. من ساحة اسبانيا التي يعتبرها اهالي روما بأنها «صالون استقبال الضيوف» نظرا لزوارها العظام امثال الشعراء كيتس وبايرون وشيللي والموسيقيين أمثال فاغنر ولا يمكن تسلق الدرج الذي تجري عليه عروض الأزياء الشهيرة كل صيف ودخول الحديقة العامة المعروفة باسم «فيلا بورغيزي». هناك مطعم (كازينا فالادييه) تطل منه على منظر أخاذ لروما وكنيسة الفاتيكان وقد تم تجديده قبل سنوات. وفي الطرف الآخر يمكنك الاطلال على ساحة الشعب الواسعة (بياتزا ديل بوبولو) من زاوية عالية تسمى بينشو تقنعك ببهاء المدينة الخالدة التي تفتح ذراعيها وقلبها لكل زائر معجب منذ مئات السنين حيث تنسجم الاساليب المعمارية المختلفة من قديم وحديث ولنر ما سيحدث لمتحف الفن الحديث الذي تحوله الآن المهندسة المعمارية العراقية زها حديد من ثكنة عسكرية الى قطعة فنية حديثة منسابة ستجعل الزائر يحس وكأن روما تصلح لكل العهود وأنها تواكب القرن الحادي والعشرين بكل تناغم ورونق وكأن الكولوسيوم كان من نتاج الأمس. في الطرف الشرقي للحديقة هناك بحيرة صغيرة يمكن للعشاق التمتع بقيادة قارب صغير فيها ثم يطلون على الاكاديمية المصرية وتمثال الشاعر الكبير أحمد شوقي القريب منها.

ساحة مينرفا: المسلات الفرعونية منتشرة أينما تحولت في روما وكأنك تزور مصر وآثارها وكان أباطرة روما يقدرون قيمتها الأصلية التي تدل على القدسية والخلود لذا كانت من غنائم الحرب المميزة لديهم وقد غمرت الكثير من المسلات تحت التراب بعد انهيار الامبراطورية الرومانية واجتياح البرابرة والقبائل الجرمانية ثم أعيد اكتشافها أثناء عصر النهضة في ايطاليا والعجيب ان البابوات هم من فكروا بان المسلات المصرية ستعطي المدينة التي كانوا يحكمونها علائم العظمة والرفعة. نرى في ساحة منيرفا القريبة من مبنى البانتيون الأثري مسلة صغيرة بعلو خمسة امتار تعلو تمثال فيل من الرخام. لا تبعد احدى أشهر المقاهي لقهوة الاسبريسو والكابوتشينوعن هذه الساحة واسمها «الفنجان الذهبي» (تاتزا دورو) وكذلك محل صغير افتتح منذ عامين لبيع الشوكولاته البلجيكية الطازجة الشهيرة «ليونيدس» والمستوردة من بروكسل بالطائرة. المطاعم الجيدة كثيرة في تلك المنطقة وأشهرها «فورتوناتو» (المحظوظ) الذي يحب التردد اليه أعضاء مجلس الشيوخ القريب.

نصيحة أخيرة: أسواق روما حافلة بالهدايا للمناسبات مثل عيد العشاق انما يجب انتقاؤها بعناية لأنها ستكون رسالة رمزية للطرف الآخر ومن المستحسن أن يبتعد الرجل عن إهداء كتاب حول الحمية والريجيم لأن المغزى أن فتاتك بحاجة الى انقاص الوزن. ومن المستحسن ايضا أن تبتعد الفتاة عن إهداء الرجل ربطة عنق ايطالية حريرية لأنها تعني أنها تريد ربطه بها طوال العمر.. الأفضل الاستمتاع بالنزهة الحالمة والسير السهل المتمهل وربما اختيار تحفة فنية متواضعة او تذكار صغير فقد زالت قوة جيوش الرومان لكن قوة الفن والجمال تركت أثرها على روما التي وصفها أحد فلاسفة اليونان بأنها «قطعة من الجنة».