هافانا ملهمة الكتّاب

من مصانع السيجار إلى «الحي الصيني»

هافانا بمبانيها ومعمارها العريق الكلاسيكي تجذب السياح من جميع أنحاء العالم
TT

هافانا من العواصم والمدن الأخاذة والساحرة التي تشد الكثير من الناس والسياح لعراقتها وطرازها المعماري الرائع والكلاسيكي القديم والمتعدد، والاكثر من هذا عزلتها الاخاذة والفريدة عن العالم منذ الخمسينيات من القرن الماضي. ولا تزال صور سيارات «الشفروليه» والـ«الكاديلاك» والـ«بونتياك» الاميركية الفارهة والرائعة في شوارع كوبا والمدينة في الدعايات التلفزيونية وافلام هوليوود، تلعب بمخيلة الحالمين بعالم جديد اقل استهلاكية واكثر انسانية بغض النظر عن الصراع بين الافكار الاشتراكية او الرأسمالية. ويعيش في المدينة الساحلية، والاكبر والأهم في دول الكاريبي، اكثر من 2.3 مليون انسان. وقد اسسها الاسباني دييغو فيلازكيز دي كويلار سنة 1515. ويصنف قسمها او حيها القديم «تراثا انسانيا» من قبل منظمة اليونيسكو منذ عام 1982. وهي من اشهر العواصم في العالم التي تصنع السيجار الفاخر.

غراهام غرين وهيمنغواي: ولطالما ارتبط اسم مدينة هافانا بالكاتبين الروائيين، الاميركي ارمنست هيمنغواي (1899 ـ1961 ) والبريطاني الشهير غراهام غرين (1904-1991) الذي كتب غبريال ماركيز عنه وعن علاقته بكوبا ووجوده فيها نصاً ادبيا خاصا. ومن المعروف ان غرين كتب رواية «رجلنا في هافانا» وصور فيلمها هناك. ووصفه ماركيز بعد لقائه في النص قائلا: «.. وقد غادر عائدا من حيث أتى. لم يكد يأكل سوى مرة واحدة خلال تلك الساعات العشرين، ملتقطا لقيمة من كل طبق، مثل عصفور مبلل، لكنه تناول وهو على المائدة دجاجة كاملة».

اما هيمنغواي فهو قصة اخرى إذ انه قطاع سياحي بحد ذاته، فهناك الكثير من السياح الذين يقتفون اثره من مطعم الى آخر ومن حانة الى حانة ومن فندق الى فندق، إذ ان الرجل والكاتب الغني عن التعريف عاش هناك منذ بداية الثلاثينيات. وللمهتمين بهذا النوع من الادباء، لا بد من زيارة حانة «La Bodeguita del Medio» التي كان يؤمها كل مساء لاحتساء شراب الـ«موجيتيو» واصبحت في السنوات الاخيرة اشبه بمحج للآلاف من محبي الكاتب والمفتونين به. وخلف «ماديو» هناك مطعم مشهور كان يقصده هيمنغواي ويعرف جيدا بـ«الفروديتا» (El Floridita). وهذا المطعم من اشهر المطاعم الكوبية على الإطلاق بسبب مآكله التقليدية الطيبة ومنشأ المشروب الشهير «دايكيري» (daiquiri) المؤلف من الليمون والروم.

كما كان يقصد الكاتب الاميركي صاحب رواية «الشيخ والبحر» والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1954، الغرفة رقم 21 في فندق «فالينسيا» (Hostal Valencia) (12 غرفة فقط) الذي يتمتع بطراز معماري جميل. ومن لا تعجبه الاماكن العامة بإمكانه زيارة مكان سكن هيمنغواي الذي يطلق عليه اسم «فينسا لا فيغيا» (Finca La Viga)، في بلدة «كوجيمار» (Cojmar) التي تبعد عن العاصمة هافانا زمنيا عشرين دقيقة. ويمكن التعرف على غرف الفيلا ومكتبة هيمنغواي وأشيائه الخاصة وقاربه الذي كان يستخدمه خلال رحلات صيد السمك. وقد استوحى هيمنغواي رواية «الشيخ والبحر» من رحلات صيد السمك هذه.

البلدة محاطة بقناة طولها 15 كيلومترا، مما يساعد السياح على استئجار القوارب والتمتع باوقات طيبة خلال اكتشاف المنطقة بهدوء.

بأية حال فإن هافانا كمدينة تقدم الكثير للسياح، (خصوصا المدينة القديمة التي تعتبر تراثا انسانيا بامتياز- 1982) مثل المطاعم والملاهي والحانات والمقاهي ذات الخليط المعماري الرائع الذي يعود بعضها الى القرن التاسع عشر والبعض الى الآخر الى القرن الثامن عشر. اضف الى ذلك الكثير من الساحات العامة والقلاع والمتاحف والمباني التاريخية مثل (Catedral Plaza de la )، حيث يوجد سوق مفتوح وكبير للأعمال الفنية والرسم والتحف- كـ«بيكاديلي سيركس» و«غافين غاردن» في لندن. الكاتدرائية التي بنيت عام 1777 على الطراز المعماري الكولونيالي الاستعماري الباروكي. وهذا الطراز المعماري ساد اوروبا الغربية واميركا اللاتينية، في الفترة الممتدة من سنة 1600 إلى 1700. و«باروك» هو مصطلح يستخدم في فن العمارة والتصوير ومعناه حرفيا: «شكل غريب» او «غير متناسق». وكانت بدايات هذا الطراز اول مرة في روما في السنوات الأخيرة من القرن السابع عشر. ولمعرفة هذا النوع من العمارة لا بد من تذكر ورؤية جميع القصور الفاخرة والعظيمة المحاطة بالحدائق المتقنة في اوروبا ومنها قصور مشهورة مثل قصر فرساي وكاتدرائية «سانت بيتر» التي بناها مايكل انجلو. الاسلوب المعماري الفاخر يعتمد على ابراز الفن والنحت والاهتمام بالضوء والخيالات والفسحات لدرجة ان اصبح يعرف بانه نموذج معماري علماني في اشارة الى رد الفعل على الكنيسة الكاثوليكية آنذاك. ومقابل الكاتدرائية رأسا، هناك متحف «الفن الكولنيالي» الذي يضم مجموعة رائعة ومهمة من قطع الاثاث وادوات الديكور والزينة المنزلية التي يعود تاريخ بعضها الى ايام الاستعمار الاسباني بداية القرن السادس عشر.

وقد ساهم المهاجرون الاسبان في بناء معظم هذه المباني الفاخرة ايام كانت المدينة مركزا لقطاعي القهوة والشاي وصلة الوصل بين العالم الجديد – الولايات المتحدة والعالم القديم – اوروبا. وفي شمال وسط المدينة منطقة «فيدادو» (Vedado) المناقضة للمدينة القديمة، والتي تعج بالاسواق ومحلات التسوق الفاخرة والحديثة وتشتهر بحياتها الليلية الصاخبة والحيوية. وتضم المنطقة مصنع السيجار المعروف «TheReal Fabrica de Tabacos Partags» وهو من اقدم المصانع في كوبا. والاهم من هذا منطقة او حي «تشاينا تاون» (Chinatown) وهي من اكبر الاحياء الصينية في اميركا اللاتينية. ويقع الحي المؤلف تقريبا من 44 مبنى، في شارع «دراغون» (Dragone ) المعروف منذ بدايات القرن العشرين. ويحاول ابناء المهاجرين الصينيين احياء المنطقة من جديد بعدما تأثرت كثيرا بالتأميم والثورة التي قادها كاسترو في الخمسينات، إذ تركها الكثير من أهلها الى الولايات المتحدة، خصوصا فلوريدا وكاليفورنيا، بعد ان كانت تعج بالمسارح والصحف الصينية والمطاعم والمصارف والصيدليات والمصابغ. وحاليا ترصد استثمارات كثيرة خاصة بالمنطقة مما سيؤدي الى تجديدها وبالتالي جذب المزيد من السياح. ومن اهم المتاحف التي يمكن ان يقصدها السياح، متحف فن الديكور «Museum of Decorative Arts»، المعروف بـ«القصر الفرنسي» لهافانا، والذي تم تشييده في العشرينات من القرن الماضي من قبل المعماري الفرنسي فيراد بوحي من فنون عصر النهضة الفرنسية. وفي المتحف ثروات وقطع فنية رائعة تعود في معظمها الى القرنين 18 و19 (33 الف قطعة). وهناك ايضا المتحف الوطني للفنون «National Museum of Fine Arts» الذي يقدم فكرة ممتازة عن الفنون الكوبية منذ ايام الاسبان منذ مئات السنين حتى وقتنا الحالي أي زمن الفنون الحديثة . وقد تم بناء المتحف المؤلف من مبنيين في منتصف الخمسينات من القرن الماضي. وفي المتحف مجموعة ضخمة من اللوحات والمنحوتات الخشبية والفضية والسيراميك. ولأن المتحف الخاص بالفنانين الاوروبيين كغويا وروبينز مغلق بسبب الإصلاحات، ينصح السياح بزيارة متحف «Casa de los rabes and the Casa de Asia» المعني بالفنون الخاصة بالشرق الاوسط وآسيا بشكل عام.

نصائح:

> ينصح السائح بشكل عام بأن يتعلم بعض الاسبانية قبل السفر، ولو بعض الجمل والتعابير فمن شأن ذلك تسهيل الامور والاقتراب اكثر من السكان، بالإضافة الى تعلم قليل عن التاريخ الكوبي إذ هذا يعني الكثير للكوبيين ويعطي معنى اكبر لزيارات المتاحف والمباني التاريخية. كما يقدر العاملون في الفنادق بعض المساعدة ، لذا ينصح السياح بترك مبلغ صغير من «البقشيش» قبل ترك غرفة الفندق. لكن ينصح السياح ايضا، بعدم شراء السيجار من الشارع، إذ معظم هذه الانواع مزورة او مسروقة من المصانع او ملفوفة بطريقة عشوائية بتبغ قديم. كما ينصح بعدم اعطاء الشحاذين أي اموال، او تشجيعهم، وإذا كانوا من الاطفال فمن الافضل اعطاؤهم الأقلام او الالعاب الجميلة.

ولا بد ايضا من استخدام الخزنة في غرفة الفندق لإخفاء الاموال والمجوهرات، وعلى السائح أن يأخذ في الحسبان احتمال النشل او السرقة.