قصر ابن وردان.. العطر ينبعث من جدرانه

حكاياته وأساطيره لا تنتهي

آثار تحكي حكايا الايام الغابرة («الشرق الأوسط»)
TT

يتوضع قصر ابن وردان الأثري في الجهة الغربية من البادية السورية مجاوراً لأطلال مدينة الأندرين التي خلدها عمرو بن كلثوم في معلقته الشهيرة (أبا هند) ولذلك تتيح زيارة القصر للسائح فرصة أخرى بالاستمتاع ببقايا الأندرين لتضاف لمتعة مشاهدة قصر ابن وردان الذي بني قبل 1500عام من قبل جوستنيان الأول والذي جعل منه المهندس الذي صممه وأنجزه ويدعى( ايزيدور) آبدة معمارية فريدة ومتميزة عن المنشآت المعمارية الموجودة في ذلك الوقت في البادية السورية وذلك بناحيتين جماليتين الأولى، وهي التي تدهش الزوار والسياح باستمرار، بناء جدران القصر من الطين الممزوج بماء الورد، بحيث كلما هطلت الأمطار أو رشّ الماء على الجدران تنبعث روائح الورد العطرة المنعشة من القصر وهذه ظاهرة ما زالت موجودة حتى الآن، والناحية المعمارية الثانية هي طريقة المواد المستخدمة في البناء والمختلفة كلياً عن المباني السورية في ذلك التاريخ حيث بني القصر من الحجر المختلط بالآجر الأحمر وهو يشابه بذلك طراز المباني الملكية في القسطنطينية.

والوصول إلى قصر ابن وردان يتم عن طريقين معبدين للقادم من دمشق حيث يمكنه الانطلاق من دمشق باتجاه حمص ومن ثم حماة ليأخذ طريق الحمراء ومن ثم الوصول للقصر الذي يبعد عن حماة حوالي 70 كلم و280 كلم عن دمشق (حوالي ساعة من الزمن من حماة وأربع ساعات من دمشق) أو يمكنه الاتجاه من دمشق إلى حمص فالسلمية ومن ثم قصر ابن وردان ولنفس المسافة والوقت تقريباً، وإذا كان السائح يتجول في البادية السورية فيمكنه الوصول إلى القصر بعد مغادرته مدينة تدمر باتجاه الغرب ليتقاطع مع طريق حمص السلمية الرقة ومن ثم التوجه إلى بلدة الحمراء وبعدها القصر. ويمكن للسائح أن يبقى لساعات في القصر ويعود بعدها إلى حماة لينام في أحد فنادقها، أو يمكنه التوجه إلى تدمر عبر البادية ولكن ذلك يستغرق منه وقتاً حوالي الأربع ساعات وإذا ما قرر السائح بقاء ليلته في منطقة القصر فعليه أن يكون لديه نيّة التخييم هناك مع مستلزمات الخيمة والإقامة من طعام وشراب، حيث تفتقر منطقة القصر للمطاعم والفنادق ومحلات بيع المواد الغذائية ـ ويوجد قرب القصر بيت ضيافة خاص بمديرية الآثار وحسب دائرة آثار حماة فإن الحارس السابق للقصر، والذي توفي قبل فترة زمنية بسيطة كان يستقبل السياح الذين يرغبون في الاستراحة قرب القصر في بيت الضيافة ويقدم لهم الخدمات السياحية مجاناً، وستقوم الدائرة في الأيام المقبلة بتشجيع الحارس الجديد على تقديم الخدمات أيضاً ومجاناً للسياح الذين يرغبون في الاستراحة في بيت الضيافة ـ ويتاح للسائح الذي سيستيقظ صباح اليوم التالي أن يستمتع بطقس وشمس البادية الجميلين، خاصة في منطقة القصر والتي تعتبر من أفضل مناطق البادية جمالاً واعتدالاً بالمناخ وفي مختلف فصول السنة ويمكنه أن يزور فيما بعد أطلال مدينة الأندرين، وإذا كان من محبي السفر في السهوب والبوادي فيمكنه الانطلاق من الأندرين إلى مدينة حلب في الشمال حيث لا تبعد عن الأندرين سوى مائة كيلومتر ولكن في طريق ترابي يمر في مناطق البادية والأرياف المتصلة ببعضها بعضا بين محافظات حلب وحماة وإدلب. أما في قصر ابن وردان فيستطيع السائح أو الزائر أن يتجول في القصر ـ بعد أن يدفع رسم دخول رمزيا هو 75ليرة سورية ( حوالي دولار ونصف الدولار الأمريكي) ـ ويشاهد أقسامه المختلفة التي عملت مديرية الآثار السورية على ترميمها بشكل دائم ووضع حراس على القصر حتى لا يتعرض للتعدي عليه من قبل أحد، ويستطيع الاستمتاع بالمنشآت المتبقية من القصر بحالة جيدة وهي ثلاثة أقسام: الكنيسة الكبيرة والقصر وهما سالمان إلى حد ما والقسم الثالث وهو مبنى عسكري متهدم يسمى الثكنة، والقصر يتألف من طابقين مبنيين من الحجارة السوداء وألواح الآجر الكبيرة والطابق الأول يحتوي على صفين من الغرف وأروقة عرضانية بالجانبين ينفذ بعضها إلى بعض ويتصل بالأروقة صفان آخران من الغرف يلتقيان بصف آخر من الشمال، فيحدث بالتقاء هذه وتلك فناء كبير ومصلب أما سقوف الغرف فهي على شكل أنصاف قباب مفلطحة.

ولو عدنا لحكاية القصر الفريدة والمميزة له وهي تلك الرائحة العطرة التي تنطلق من جدرانه فقد انتشرت بين السكان المحليين وزوار القصر حكايات أسطورية وخيالية منذ مئات السنين يتم تداولها حتى يومنا هذا، خاصة أن الرائحة التي تصدر عن جدران القصر في مواسم الأمطار (فصلي الشتاء والربيع) ما زالت موجودة وهذا سر القصر، حيث كان مرجحاً أن تنتهي هذه الرائحة وأن تغسلها الأمطار مع توالي القرون والسنوات ومع تعرض القصر للعوامل الجوية، لكن ما حصل العكس تماماً حيث ظلت الرائحة العطرة بل وتزيد كلما اشتد هطول الأمطار في منطقة قصر ابن وردان، ويفسر الآثاريون هذه الظاهرة في القصر بعجن طينه بالأعشاب والورود خاصة الورد الجوري (التي تظهر رائحته بشكل قوي في جدران القصر بعد هطول الأمطار بشكل خاص أو رش الماء بغزارة على الجدران وهنا تظهر الرائحة بشكل محدود) ويؤكد الكثيرون ممن شموا الرائحة في موسم الأمطار أن تلك اللحظات تبعث السرور والسعادة في الانسان ويعيش لحظات من الراحة النفسية الطبيعية حتى أن احد الأطباء نصح بزيارة القصر في موسم الأمطار للناس الذين يشعرون بالضجر والملل ويعانون من الهموم الحياتية أو حتى لمرضى الاكتئاب، حيث تساعدهم الرائحة المنطلقة من القصر إلى صدورهم على التخفيف من أعراض الاكتئاب والعودة بالانسان إلى حالته الطبيعية.

وقام أهل البادية، خاصة السكان المجاورين للقصر بنسج حكايا وأساطير بسبب هذه الظاهرة ومنها قصة رومانسية متداولة منذ عشرات السنوات تقول إن راعية يتيمة الأم شابة تسمى( حمدة) خرجت بخراف أهلها للرعي في الصباح الباكر وكان لها ابن عم يسمى( ديبان) تكرهه كثيراً قد هددها بالذبح إن لم تقبل به زوجاً، وحين اقتربت حمدة من القصر تركت غنماتها بعيداً واستظلت بفيء القصر وغطت في النوم الذي افتقدته في المنزل بسبب تفكيرها المتواصل بتهديد ابن عمها، وكانت الأمطار قد هطلت قبل يومين على القصر وما زالت رائحة العطر تنطلق منه، وكان ديبان يتبعها فوجدها نائمة عند جدران القصر فراح يتأمل وجهها الجميل ويمسّد جبينها بيده حينها أفاقت حمدة مذعورة وفوجئت بابن عمها الذي تكرهه فوقفت قبالته ونظرت في عينيه طويلاً ورائحة الورد تنتشر في المنطقة ثم أمسكت كفّه مذهولة وقبلتها ومن يومها انتشرت الحكاية الأسطورة كأشهر قصة حب في منطقة البادية الغربية من سورية، لتؤكد أن رائحة القصر الجميلة حركت بواعث الاطمئنان والحب لدى حمدة وغيرت عواطفها من كره شديد إلى حب عاصف.

إذا ما رغب السائح في العودة إلى أقرب مدينة الى قصر ابن وردان فبالتأكيد ستكون مدينة حماة محطته وبالتالي يمكنه أن ينام بأحد فنادقها ومن أشهرها فندق أفاميا الشام 033227429ـ برج حماة 033226864 ـ النواعير 033511715ـ بسمان 033224838ـ الرياض 033224843ـ القاهرة 033222280ـ القصر العربي الكبير 033224310).