المغرب سيّد كل الفصول

سياحة جبلية ورياضات شتوية

تجعل السياحة الجبلية من السفر متعة اكتشاف واقتراب من السكان والتعرف على عاداتهم وتقاليدهم («الشرق الأوسط»)
TT

اعتقد بعض المغاربة، حتى سنوات قريبة، أن السياحة والاستجمام في المغرب لا يستقيمان إلا في فصلي الربيع والصيف، على الشواطئ، حيث الرمال ساخنة والمياه منعشة، أو في الجبال والمنتجعات، حيث شلالات وظلال مناطق «أوزود» و«عين أسردون» و«أوريكا»، وغيرها من المواقع السياحية الشهيرة، المتناثرة عبر تراب المملكة. ولأن السياحة ظلت مرتبطة في أذهان معظمهم بالأوقات التي يكون فيها الجو صحواً والشمس صافية والسماء زرقاء، فإنه كان يصعب على معظم المغاربة الاقتناع بأن السفر للاستجمام يمكن أن يترافق مع البرد الشديد وثلوج المرتفعات.

وهكذا، فخلال فصلي الخريف والشتاء، وحدهم الفلاحون كانوا يستعجلون نزول الامطار، فيما يستعدون لشهور الشتاء بالجلابيب والجرارات والبذور، حرثاً للأرض وزرعاً، في انتظار حصاد الصيف. أما في المدن، فيستعد السكان لبرد الشتاء بالمظلات، والثقيل من اللباس.

وبين عالم القرى والمدن، وحدهم تلاميذ المدارس، وطلاب الجامعات، ظلوا يبرمجون رحلات خاطفة نحو مواقع سياحية، ومنتجعات شتوية تعرف ببياض الثلوج التي تتساقط بها، وخصوصاً في أعالي جبال الأطلس والريف.

وشكـّل هذا الواقع مصدر حيرة بالنسبة للمهنيين والعاملين في الميدان السياحي،خصوصاً وأن الجغرافية المغربية تؤكد أن البلد متنوع بشكل فريد في نوعه، حيث فصول السنة تأخذ لون شهورها،فيكون الصيف حاراً والشتاء بارداً، وبينهما يكون الخريف أصفر، قبل أن يحل الربيع فتخضَـرُّ أوراق الشجر وتتلون الحقول بأغراسها. وبفضل هذا التنوع والغنى السياحي، أمـْكن للمغرب أن يقترح على زواره اختيارات سياحية متنوعة تناسب مختلف الأذواق، خاصة وأنه يختصر، برأي الكثيرين، القارة الإفريقية بغاباتها وصحاريها وكثبانها وجبالها ووديانها وشواطئها وشلالاتها ونقوشاتها الصخرية ومغاراتها وسهولها الخضراء. وتتنوع السياحة في المغرب باختلاف الهوايات والاهتمامات،ويمكن تلخيصها في سياحة المدن العتيقة والسياحة الجبلية والصحراوية والرياضية والشاطئية والثقافية.

ويبدو أن فضل إثارة انتباه المغاربة إلى التنوع السياحي والجغرافي لبلدهم يرجع إلى السياح الغربيين،الذين كانوا سباقين إلى الاستمتاع بمؤهلات المغرب السياحية، وهو ما ساعد، أخيراً، على تغيير نظرة المغاربة إلى إمكانات ومؤهلات بلدهم، على مستوى تنوع المنتوج السياحي وتعدد مساحات السفر والاستجمام. والمغرب، باعتباره بلداً سياحياً، ظل يستقبل سياحاً من مختلف الجنسيات تتوزعهم مختلف فصول السنة، فمنهم من تجذبه كثبان الجنوب الرملية وقصوره، ومنهم من يجذبه سحر مدن مراكش وأكادير وفاس،وغيرها، ومنهم من يتعلق بجبال الأطلس والريف، حيث الشلالات وبياض الثلوج، ومنهم من تجذبه الشواطئ المترامية شمالاً، عبر البحر الأبيض المتوسط، وغرباً، عبر المحيط الأطلسي. وحيث ان المغرب يقع في أقصى شمال أفريقيا، فهو يمتلك خصائص جغرافية متنوعة،كما أنه من أكثر بلدان الشمال الأفريقي تساقطات مطرية، هو المعروف بمرتفعاته والأنهار العديدة التي تخترق سهوله، مثل أم الربيع وأبو رقراق وسبو وتانسيفت ودرعة، قبل أن يصب معظمها في المحيط الأطلسي.

وإذا كان الجنوب المغربي غارقاً في واحاته وكثبانه الرملية وسحر ثقافته، فإن النصف الشمالي ينقسم إلى فصلين، الأول جاف يمتد من مايو (أيار) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، والثاني معتدل ورطب يمتد من بداية أكتوبر (تشرين الأول) إلى نهاية أبريل (نيسان). أما الغطاء النباتي فيغلب عليه الطابع المتوسطي،حيث تعرف المناطق الجبلية نمو أشجار العرعار والبلوط والأرز ونباتات جبلية أخرى،فيما تعرف السهول نمو أشجار الزيتون والبرتقال والأركَان، لتبقى الواحات، بالمناطق الجنوبية، مكاناً مثالياً لنمو النخيل. وتنقسم خريطة الجبال بالمغرب إلى عنوانين رئيسيين، ففي الشمال تمتد جبال الريف من المحيط الأطلسي غرباً إلى ملوية السفلى شرقاً، وهي تشرف على البحر الأبيض المتوسط عبر ساحل صخري يظهر على هيئة قوس. أما العنوان الثاني فهو جبال الأطلس،وهي سلسلة تمتلك كل المقومات التي تجعلها تقترح على المغرمين بالسياحة الجبلية رياضات تتراوح بين تسلق الجبال والتزحلق على الجليد،وهي تتوزع إلى أطلس متوسط وصغير وكبير، فالكبير والمتوسط يمثلان سلسلتين كبيرتين ذات ارتفاع أكبر (4165م بجبل توبقال) ويظهر عليهما التنوع الشديد،حيث التضاريس العالية، والأودية الضيقة والعميقة للجزء الغربي والأوسط للأطلس الكبير تختلف عن مثيلتها في القسم الشرقي، وغالبية هذه الجبال تتسم بخاصية ثابتة هي كونها غنية بالمياه وتحمل غطاء نباتياً أكثر كثافة بغاباته. أما الأطلس الصغير فيتميز عن باقي جبال الأطلس بطبيعة جباله التي تسود فيها صخور الزمن الجيولوجي الأول.

وإذا كانت زيارة مدن مثل فاس ومراكش ومكناس وطنجة تمنح زوارها متعة التعرف على حضارة مغرقة في التاريخ عبر مدارس وجوامع وقصور وأسواق عتيقة، فإن السياحة الجبلية تجعل السفر مرتبطاً بمتعة الاكتشاف والاقتراب من السكان والتعرف على عاداتهم وتقاليدهم، وهي أشياء تنقل الزائر إلى عوالم مغايرة من جهة التعرف على نمط العيش واكتشاف الغنى الثقافي الذي يحتفظ للمنطقة بقدرة جميلة على مقاومة برودة الحداثة والتشبث بدفء الموروث الحضاري.

ومن بين عشرات القرى والمحطات الجبلية التي تتوزعها سفوح وجبال الأطلس والريف، يمكن اعتبار قرية «امليل»، مثالاً لهذا التنوع الذي ينقل الزائر من عالم إلى آخر، حيث السائح القادم من جهة مراكش، مثلاً، يجد نفسه، بعد خمسين كيلومترا من نخيل وحمرة هذه المدينة الساحرة، والسير بين الطبيعة الخلابة النائمة بين جبال الأطلس، يقترب، شيئاً فشيئاً، من بياض القمم، ليتعرف على قرى تلتصق ما بين السفح والقمم، حيث الماعز والبغال والأشجار وعيون الماء تتآلف مع نمط حياة وتفكير سكان يضبطون إيقاع أيامهم براحة بال وقناعة قلَّ نظيرهما.

وتوجد «امليل» في الطريق إلى قمة توبقال الشهيرة، وتتوقف بها سيارات عشاق المغامرة وتسلق الجبال، ويجد بعضهم ضالتهم في بغال تنقلهم عبر الطرق الوعرة بالمرتفعات. ويقول آيت إيدر لحسن،وهو مرشد سياحي جبلي، ونائب رئيس جمعية المرشدين الجبليين بإمليل، جواباً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، يتعلق بالمقارنة بين درجة الإقبال على السياحة الجبلية بين المغاربة والأجانب، إن «المغاربة صاروا يقبلون بدورهم على السياحة في الجبال والمنتجعات»، إلا أنه استطرد قائلاً «يكتفي المغاربة، في الغالب، بالمحطات الشتوية المعروفة، مثل أوكايمدن وميشليفن، في الوقت الذي ينوع فيه السياح الأجانب من إقبالهم على مختلف الرياضات التي توفرها جبال ومنتجعات المغرب، في مختلف فصول السنة». وبصدد سؤال يتعلق بالمتطلبات المادية للسفر والمقارنة بين من يقصد المدن والشواطئ ومن يقصد الجبال والمحطات الشتوية، يوضح آيت إيدر «إن السياحة الجبلية أرخص مقارنة بسياحة المدن، حيث الفنادق والمطاعم الفاخرة، فالسائح الذي يقبل بالطبيعة ويخالط سكان القرى والدواوير الجبلية ويسكن معهم أو ينزل بالفنادق الصغيرة لا يتطلب منه ذلك الكثير من المال، لكنه يحتاج، في نفس الوقت، إلى بعض المعدات التي يتطلبها تسلق الجبال أو التزلج على الجليد».

وإلى جانب تسلق الجبال والتزلج على الجليد، يجد السياح هامشاً جميلاً للاستمتاع بزيارة المغارات، وخاصة تلك الواقعة بالقرب من أغادير وتازة، فضلاً عن زيارة المحميات الطبيعية.

وما بين مُـتعة السفر والاكتشاف، التي يشعر بها السياح الأجانب، يبدو أن السياحة الجبلية في طريقها لأن تتحول إلى مصدر إغراء إضافي لمحبي السفر والسياحة من المغاربة، لذلك تزايد الإقبال على المحطات الثلجية، حيث صار سياح الداخل والخارج يترقبون حلول موسم الثلوج لمزاولة الرياضات الشتوية، مع ملاحظة أن السائح المغربي صار يحرص بدوره على زيارة هذه المحطات، خصوصاً محطتي أوكايمدن وميشليفن، ولكن،بشكل مختلف عن معظم الأجانب، حيث ان فئة قليلة من المغاربة هي التي تقبل على مزاولة الرياضات الشتوية، وذلك بالنظر إلى ما تتطلبه مثل هذه الرياضات من إمكانات تقنية وفنية، ولأجل ذلك يفضل المغاربة الذهاب لقضاء فترة قصيرة لاستنشاق الهواء النقي والتمتع بمناظر الجبال والطبيعة المحيطة بها، وأخذ صور تذكارية بين بياض الثلوج.

ورغم أن مثل هذه المحطات الثلجية لم تكن تحظى بنفس الاهتمام ضمن الاستراتيجية السياحية الوطنية التي تستفيد منها المناطق الساحلية والمدن التاريخية،مثل مراكش وفاس، التي ظلت تستقطب أهم الاستثمارات في القطاع، فإن الوضعية تبدو، اليوم، في طريقها إلى بعض التحول الإيجابي، من حيث الحرص على التنويع في السياحة المغربية، ولجهة أن هذه المحطات صارت تلقى إقبالاً متزايداً من طرف السائح، سواء كان مغربياً أو أجنبياً، واقتناعاً من طرف مستثمرين مغاربة وعرب للاستثمار فيها.

وتعتبر منطقة أوكايمدن (60 كلم من مراكش)، والتي يتراوح علـوّ قممها ما بين 2600 و3270 متراً،أهم محطات التزلج على الجليد،والأكثر استقطاباً للزوار، خلال فصل الشتاء، وموقعاً سياحياً بامتياز، غير أن نشاطه يبقى مرهوناً بكمية التساقطات الثلجية. وتتوفر المحطة على بنية استقبال لا يستهان بها، وهي، رغم كونها تعرف بعض المشاكل المرتبطة أساساً بمشكلة الاكتظاظ الذي يخنقها نهاية كل أسبوع وخلال أيام العطل، حيث تستقبل ما بين ثمانية آلاف وعشرة آلاف زائر، فإنها توفر كل الظروف الملائمة، المرتبطة أساساً بمتطلبات السياحة الجبلية.

وتتركز جل الفنادق الموجودة بمحطة أوكايمدن بالسفوح الجبلية المرتفعة،وهي تمزج بين الشكل الهندسي الأوروبي (شاليه) والشكل التقليدي المغربي الذي تتميز به بيوت المنطقة.

ونظراً لقرب المسافة، فغالباً ما يفضل معظم السياح الأجانب، الذين يقصدون محطة أوكايمدن، العودة إلى مراكش وفنادقها.

وبعيداً عن مراكش، وقريباً من فاس، وعلى بعد 17 كيلومترا من مدينة إيفران، توجد محطة ميشليفن، التي تستقطب أفواجاً كبيرة من عشاق التزلج، خلال موسم الشتاء.

وتعتبر «إيفران» أشهر منتجع سياحي في عمق جبال الأطلس المتوسط، وهي تلقب «سويسرا المغرب»، نظراً لمواصفاتها الطبيعية ومؤهلاتها السياحية، حيث الشلالات والبحيرات والغابات والوديان والتلال والسهول وثلوج الشتاء وخضرة الربيع، التي ليست وحدها ما يميز المشهد الطبيعي في المنطقة، إذ ان هناك، أيضاً، الماء المتدفق من المنابع والشلالات والبحيرات، بسبب التساقطات الثلجية التي تغمر المكان في فصل الشتاء.

وتقدم محطة ميشليفن، بموقعها ومؤهلاتها الطبيعية، نفس الاختيارات التي تقدمها محطة أوكايمدن، كما تتميز بوجودها وسط غابات الأرز، على ارتفاع 2000 متر، فضلاً عن أنها توفر ما يلبي استئجار مستلزمات الرياضات الشتوية بالمحطة، وتقدم دروساً للراغبين في التزلج على الجليد.