أدنبره.. جوهرة أسكتلندا وعاصمتها

«أثينا الشمال» تراث إنساني لا يمس

أدنبره جوهرة مدن الشمال والأجمل في اسكتلندا («الشرق الأوسط»)
TT

«اثينا الشمال»، واحد من الاسماء الكثيرة التي تطلق على مدينة ادنبره عاصمة اسكتلندا الصغيرة والجميلة، كاعتراف بدورها التاريخي والعلمي منذ القرن السادس عشر، إذ كانت المدينة مرتعاً للعلماء والمهندسين والاطباء الذين دفعوا بالثروة الصناعية في بريطانيا والعالم الى ذروتها. وتعتبر هذه المدينة من ادفأ واكثر المدن حميمية في شمال العالم البارد الموازي لكندا والسويد وغيرهما، واكثر عتقا وجمالا بعمرانها الجورجي والفكتوري الطراز، وهي لا تعرف فقط بمناظرها الريفية والعمرانية الخلابة، بل تعرف ايضا بأزقتها الضيقة والقديمة المرصوفة بالحجارة منذ مئات السنين. ويمكن للمتسكع ان يشعر بأجواء القرن التاسع عشر الخارجية عبر واجهات الدكاكين والنوافذ والحانات والمكاتب الصغيرة والمحشورة جنبا الى جنب. وقد منيت المدينة في وسطها بالقلعة التاريخية التي تحتل فوهة البركان القديم الذي كان يزلزل ارجاء المنطقة من ملايين السنين ( 400 مليون سنة). ولأن الارض بركانية الى هذه الدرجة (الماء نقية)، فقد اشتهرت اسكوتلندا بصناعة الكحول وبشكل خاص «الويسكي» منذ قرون. وتمثل القلعة بالنسبة لسكان المدينة ما يمثله مبنى الاكروبوليس فوق العاصمة اليونانية اثينا، إذ من خلالها يمكن رؤية المدينة وضواحيها على مد النظر. وكما هو الحال مع المبنى الاغريقي الشهير فإن جوانب الجبل او البركان الذي ترتفع فوقه القلعة عبارة عن احياء سكنية واسواق محلية تقليدية. المدينة مقسمة الى قسمين: المدينة العتيقة، والمدينة الجديدة، تفصل بينهما حدائق " برنسيس ستريت (Princes Street Gardens) التي انشئت عام 1816. القديمة جنوب القلعة، والجديدة في المناطق المحاذية لاشهر شوارع المدينة «برنسيس ستريت» (Princes Street). الى غرب القلعة يقع الحي المالي. ومن شوارع المدينة المعروفة الى جانب «برنسيس ستريت»: شارع «جورج ستريت» (George Street) و«كوين ستريت» (Queen Street) ، ومن الساحات: ساحة «سانت اندرو» (St. Andrew Square) وساحة «جورج سكوير (George Square )» وساحة «تشارلوت سكوير» (Charlotte Square) التي تعتبر اهم ساحة مبنية معماريا على الطراز الجورجي العريق والرائع في العالم. ويعتبر مرفأ ادنبره المعروف باسم «ليث» (Leith)، من اهم مرافق المدينة التي تربطها بالعالم الخارجي عبر البحر وخصوصا العالم الشمالي، ولذا تتوفر رحلات يوميا الى النروج والسويد والدانمارك والمانيا وهولندا القريبة جدا.

يصل عدد سكان ادنبره الى حوالي نصف مليون نسمة، وهي سابع مدينة من حيث عدد السكان في بريطانيا، وعادة ما يكون عدد الرجال قريبا نسبيا من عدد النساء، منهم 100 الف من طلاب المعاهد والجامعات. وهذا ما يؤثر اجواء المدينة وحياة الناس فيها ويمنحها الحيوية والشباب.

اقتصاديا تعتبر المدينة ثاني افضل مدينة من حيث الأداء الاقتصادي بعد العاصمة لندن، وتعتمد على قطاعات كثيرة مثل التعليم والصحة والمال وادارة الاعمال بالإضافة الى السياحة. ومع هذا تعرف المدينة التي عرفت الراسمالية وروجت لها قبل ان تنتشر في أي مكان آخر في العالم (الفيلسوف آدام سميث ابو الرأسمالية والاقتصاد الحديث)، ومنذ 300 سنة بحرفة البنوك والمصارف. لكن هناك نشاطاً كبيراً في عالم النشر والالكترونيات، ويساهم مهرجان ادنبره الدولي والصيفي كل سنة في ضخ ما لا يقل عن 200 مليون دولار سنويا في الاقتصاد المحلي.

والاهم من هذا ان المدينة كما يعرف الكثيرون اصبحت جزءا من التراث الإنساني حسب منظمة اليونيسكو منذ عام 1995 ( 4500 عقار محمي من التغيير )، وهي اهم محطة سياحية في اوروبا إذ يزورها ما لا يقل عن 13 مليون سائح في العام. وتحوز المدينة على الترتيب الثامن في قائمة المدن السياحية الاوروبية بعد لندن. مهرجان أدنبره الدولي: من اهم المهرجانات الدولية والاوروبية الفنية الشاملة التي لها تاريخ طويل يعود الى نهاية الحرب العالمية الثانية. ويجري المهرجان في شهر اغسطس (آب) من كل عام، ويشمل حوالي ألفي عرض فني ومنها السينما والمسرح والكوميديا والعروض الحية والكلاسيكية والموسيقية وغيرها من اصناف الفنون الحديثة. وعادة ما يستقطب المهرجان خيرة الفنانين والمخرجين من جميع انحاء العالم، ويجذب على الاقل نصف مليون شخص من محبي الفنون الحديثة، أي نفس عدد سكان المدينة.

ويضم المهرجان مهرجانات كثيرة في إطاره، مثل «Edinburgh Fringe» الذي يعتبر الاهم والاكبر في العالم على صعيد العروض المسرحية الحية. كما هناك تواريخ احتفالية مهمة في اسكتلندا وادنبره مثل عيد رأس السنة الذي يسمى بـ«Hogmanay» وهو عبارة عن حفلة كبيرة ومفتوحة في الشارع الرئيسي للمدينة يشارك فيها احيانا 300 الف شخص وهي اهم حفلات عيد رأس السنة في العالم.

كما يحتفل اهل المدينة بشاعرهم الكبير «روبرت بيرنز» Burns Night في25 من يناير (كانون الثاني) وبقديسهم «سانت اندرو» في الـ 30 من كل نوفمبر (تشرين الثاني).

كنوز المدينة الترفيهية: المدينة من الاماكن المثالية التي تؤمن للفرد او للعائلة وقتا طيبا، بأقل جهد ممكن إذ ان سكان المدينة قريبون الى القلب ومحبون للغريب، وهي ارخص من غيرها من المدن البريطانية وتتمتع بمنافع جمة، اضف الى ذلك خيرة المطاعم الهندية والمحلية والبحرية والحانات والحدائق ومراكز التسوق النظيفة والمثيرة. كما تضم المدينة العديد من المتاحف المعروفة والمكتبات المهمة مثل: متحف اسكتلندا «Museum of Scotland» و«المتحف الملكي» Royal Museum في الحي القديم و«المكتبة الوطنية» National Library of Scotland و«متحف ادنبره» Museum of Edinburgh، ومبنى البرلمان الاسكتلندي الجديد (Scottish Parliament) الذي يعتبر تحفة معمارية حديثة، ومبنى جامعة المدينة المعروفة في جميع انحاء المعمورة. وعلى صعيد المسارح يقدم مسرح «كينغز ثييتر» (King"s Theatre) الاعمال الكلاسيكية بينما تقدم كل هذه المسارح: «ادنبره بلاي هاوس» (Edinburgh Playhouse) و«ترافرس ثييتر» (Traverse Theatre) و«ذي رويال ليسيوم» (The Royal Lyceum) الاعمال المسرحية الحديثة. وهناك العديد من الشركات الخاصة بالمسرح التي تنشط في المدينة والمناطق المحيطة بها.

وعلى صعيد الموسيقى يمكن للسائح المحب للموسيقى الكلاسيكية الذهاب الى قاعة «اشر هول» (Usher Hall)، لكن على الباحثين عن التنوع والاختلاف والحداثة قصد هذه القاعات الموسيقية المعروفة: «ذي هاب» (The Hub) و«اسمبلي رومز» (Assembly Rooms) و«كوينز هول» (Queen"s Hall) و«سكوتيش تشيمبر اوركاسترا» (Scottish Chamber Orchestra). وللباحثين عن حفلات موسيقية صاخبة قصد هذه القاعات: «ذي ليكويد روم» (The Liquid Room) «وماري فيلد» (Murrayfield) و«مادوبانك» (Meadowbank) و«ادنبره كورن اكستشينج» (Edinburgh Corn Exchang ) .

كما توجد في المدينة عدة مجمعات حديثة للسينما، كما هناك عدد قليل من الصالات التقليدية في المدينة ومنها: «ادنبره فيلم هاوس» (theEdinburgh Filmhouse) و«كامو» (Cameo) و«دومينيون سينما» (Dominion Cinema) . وفي المدينة البعيدة والصغيرة - كالكثير من مدن بريطانيا- العديد من الملاهي الليلية التي يمكن ان تقدم للسائح خيارات اخرى، مثل «تكنو هاوس» (Techno House) و«درم اند باس» (Drum & Bass) و«اليكترونيكا» (Elecronica). ولا بد من الذكر هنا ان المدينة تضم جميع صالات العرض الفني الوطنية الخمس وأهمها صالة «فروت ماركت» التي تعرض لاهم الفنانين والرسامين المعروفين في العالم، ومن الصالات ايضا، الصالة الوطنية، والاكاديمية الملكية الاسكتلندية والصالة الوطنية الاسكتلندية الخاصة بالفنون الحديثة، وصالة دين (دين غاليري) والصالة الاسكتلندية الوطنية الخاصة بالتصوير والرسم الشخصي. في ادنبره حديقة حيوانات ضخمة نسبيا، لكن هناك نقاط جذب اخرى للسياح عادة وهو «موقع آرثر» الشاهق الذي يطل على كل المنطقة والمدينة، وبلدة وشواطئ «بورتابيلو» القريبة (3 اميال شرق المدينة). وهذه المنطقة من المناطق الساحلية الرئيسية الخاصة بالسباحة والصيد والمآكل البحرية. وتأخذ البلدة اسمها من «بورتوبيلو» البانامية بعد ان سكنها احد الجنرالات الذين حاربوا هناك قبل الاستقلال الاميركي نهاية القرن الثامن عشر. بأية حال فإن حديقة الحيوان التابعة للمدينة من اهم حدائق الحيوان في العالم وقد انشئت عام 1913 وتقع على تلال «كورستورفاين» (CorstorphineHill). وهي الحديقة الوحيدة في العالم التي تعمل على تأصيل وتربية اجيال جديدة من «البطريق» (البنغوان). وهي الحديقة الوحيدة في بريطانيا التي تضم الدبب القطبية وحيوان «الكوالا» الاسترالي الاصل الذي ينام معظم حياته. المواصلات: يمكن الوصول الى ادنبره من أي مطار في العالم تقريبا، كما يمكن السفر من المدينة الى أي مكان وبشكل خاص كندا واميركا واوروبا والشرق الاوسط واستراليا. ويجري حاليا العمل على مشروع ضخم لربط المطار الرئيسي (يبعد 8 اميال عن الوسط) بخط سكة حديد حديث. وتعمل شبكة من الحافلات الكهربائية (ترامز) على ربط اجزاء المدينة ببعضها البعض وخصوصا المرفأ والوسط التجاري. وهناك ايضا شبكة حافلات محلية ممتازة تصل باي مكان في المدينة واسكتلندا بشكل عام، ومحطة قطار رئيسية (Edinburgh Waverley)، تصل رأسا بلندن ومحطة «كينغز كروس» التي تربط بريطانيا حاليا بأوروبا عبر فرنسا. وتستغرق الرحلة حوالي خمس ساعات. ومن علامات اسكتلندا وادنبره والشواهد على القدرات الهندسية للاسكتلنديين، جسر «فورث بريدج» (The Forth Bridge) (يبعد 9 اميال عن المدينة)، الذي يصل ادنبره بمملكة فايف، ويصل شمال بريطانيا بجنوبها. واعتبرته منظمة اليونيسكو من التراث الإنساني العام.

الأحوال الجوية: تقع المدينة على الساحل الجنوبي الشرقي لاسكتلندا، وتتمتع بأحوال جوية معتدلة نسبة الى مثيلاتها من مدن الشمال الاوروبي مثل موسكو ولبرادور، إذ قلما ما تنخفض درجات الحرارة خلال النهار الى ما تحت الصفر وخلال الصيف تصل درجات الحرارة الى 28 درجة مئوية احيانا وهي درجة ممتازة ومعتدلة نسبة الى بلدان الجنوب الاوروبي الحارة في الصيف. ومن المعروف ان المدينة تتعرض لرياح الجنوب الدافئة التي يجلبها معه تيار المياه الساخن مما يؤدي الى هطول الامطار لكن بنسبة اقل من غيرها من المدن البريطانية. بأية حال فإذا صحت النصيحة في هذا الإطار فهي تقول ان على الفرد او السائح تجنب المدينة بين اكتوبر (تشرين الاول) ومارس (آذار)، حيث تتراجع درجات الحرارة وتشتد الرياح الجنوبية.

* الفنادق

* هناك العشرات من الفنادق في المدينة (125)، ومعظمها من الفنادق التقليدية، فيما يوجد عدد لا بأس به من الفنادق الغالية الثمن (خمس نجوم)، وتقدم المدينة الكثير من الخيارات الفندقية الحديثة والرخيصة. ومن هذه الفنادق: «ذي جورج هوتيل» (The George Hotel)، وهو اهم الفنادق في وسط المدينة و«برنسيس ستريت»، ويصل سعر الغرفة الى حوالي 150 دولارا في الليلة وفندق (The Glasshouse Hotel)، وهو من الفنادق الجديدة ذات الخمس نجوم في منطقة «غرين سايد بالاس»، وهو خاص بالتسوق الفاخر و«يورك هاوس هوتيل» (York House Hotel)، الذي يعتبر من الفنادق الرخيصة التي يمكن الا يتعدى فيها سعر الغرفة الـ 80 دولارا في الليلة و«رامادا مونت رويال» (Ramada Mount Royal)، الذي يعتبر من الفنادق التقليدية الجيدة الخدمات. ويمكن الحصول على غرفة في هذا الفندق بسعر 120 دولارا في الليلة وهو سعر ممتاز لفندق عريق.