فلوريدا.. ولاية الشمس المشرقة

تعتبر محط أنظار أصحاب الملايين

TT

عندما كانت الطائرة تحلق بنا في أجواء ميامي قبيل هبوطها بمطارها الدولي في التاسعة ليلا.. بدت لنا المدينة كأنها عقد مرصع باللؤلؤ والماس في صدر فتاة وقفت على متن سفينة «تايتانيك» في المحيط الأطلسي. الجو كان دافئاً يشعرك بالنشوة والارتياح في الوقت نفسه من برد لندن وضبابها. ميامي تقع في ولاية فلوريدا بأقصى الجنوب الشرقي للولايات المتحدة. ويعني اسم فلوريدا باللغة الاسبانية عيد الزهور أو عيد الفصح Easter.

أما اسم شهرتها فهو ولاية الشمس المشرقة، وشعارها هو نفس الشعار المكتوب على عملة الدولار الأميركي «نحن نثق بالله» In God we trust».. واتخذت هذه العبارة شعاراً لفلوريدا عام 1868. وفي هذه الولاية شواطئ جميلة تطل على المحيط الأطلسي مثل شواطئ ميامي ودايتونا، وهي تعتبر من أفضل الولايات لصيد الأسماك. ومن أشهر ممثلي السينما الذين ولدوا بولاية فلوريدا؛ الممثل الأسمر المحبوب سيدني بواتيه، وبيرت رينولدز. ويقطن بولاية فلوريدا ما يقرب من 255 ألف مواطن من أصل عربي. وزادت نسبة هؤلاء السكان في المنطقة بمقدار 57% في الفترة من عام 1990 إلى عام 2000.

أما المسلمون فتبلغ نسبتهم بفلوريدا حوالي 5%، حسب تقدير مجلس المنظمات الإسلامية بمدينة شيكاغو الكبرى. كما يوجد العديد من المساجد والمراكز الإسلامية في ولاية فلوريدا؛ ومن أشهرها مسجد الأنصار بعاصمة الولاية تالاهاسي، وكذلك مسجد المؤمنين في مدينة كليرووتر.

وفي الولاية أيضا سانت أوغسطين التي تعتبر أقدم مدينة مستعمرة أوروبية ظلت مسكونة بنحو مستمر في أميركا. وتشتهر بزراعة البرتقال، فيها مركز كيندي للفضاء استخدمته وكالة ناسا لإطلاق عدد كبير من مركباتها الفضائية.

وبسبب مناخها شبه الاستوائي الدافئ، تعتبر فلوريدا مكانا مفضلاً ومحبوباً لدى الأميركيين، خاصة كبار السن الأثرياء واصحاب المعاشات الضخمة، ولكن وبسبب موقعها ما بين خليج المكسيك والمحيط الأطلسي، فإنها تعرضت مرات عدّة لأعاصير قوية.

من أشهر المدن: أورلاندو التي تعتبر مدينة الترفيه الأولى بالولايات المتحدة. وميامي وهي مدينة عالمية، ولكن يتكلم أغلب سكانها اللغة الإسبانية. وديتونا بيتش وتعد من أجملِ السواحل في العالم، إضافة إلى تامبا، جينسفيل، جاكسونفيل، تالاهاسي، ميلبورن، سانت بيت. ويعتبر مرفأ شارلوت، الأكبر من نوعه بفلوريدا بعد خليج تامبا، وهو يتوسط مسطحاً مائياً كبيراً يشمل أنهاراً. وبالإضافة إلى خليج المكسيك الذي يشكل واجهة مائية خلابة، هناك جزر الخليج العابقة بروح فلوريدا، والبيئة البِكر التي تنتظر من يستكشفها والمكان الذي يتناغم ايقاعه مع مد الأمواج وجزرها. ويوفر مرفأ شارلوت فرصاً رائعة لركوب القوارب وصيد الأسماك والتزلج الشراعي، حيث الطبيعة هناك غنية، والتجوال فيها متعة حقيقية، مع إمكانية ممارسة رياضة التجديف عبر الممرات المائية الزرقاء.

وتشكل مياه مرفأ شارلوت عند التقاء نهري مياكا وبيسي، ثاني أكبر مصب نهري في فلوريدا. وتتأرجح المياه تبعاً للمواسم بين العذوبة والملوحة. ويسهم في ذلك تنوع الحياة البحرية، الأمر الذي أدى إلى استهدافها من قبل البحارة وأصحاب القوارب السريعة الذين يرغبون في الترفيه واستكشاف المياه الزرقاء.

ويبالغ هواة صيد الأسماك في العادة في إظهار حجم ما يصطادونه. وينسجون القصصَ المختلفة عن الأسماك الكبيرة التي أفلتت من الصنارة، ويسردون حكايات جميلة عن أوقات ممتعة قضوها في مرفأ شارلوت وجزر الخليج وقنوات نهري بيسي ومياكا. ويذكر أن رياضة صيد أسماك «الطاربون» نشأت في هذا المكان عام 1800 كرياضة وتسلية للأغنياء. ومن أفضل الطرق للوصول إلى مناطق الصيد الوفير، الخروج برفقة مرشد محلي أو الانضمام لرحلة صيد بحرية في قوارب مستأجرة.

وسواء كانت غايتك أن تحظى بصيد وفير، أو أن تقضي يومك في المياه الضحلة أو أن تقوم برحلة للجزر الساحرة القريبة، فإن المياه المحمية في مرفأ شارلوت تبقى دائماً حلماً لعشاق رياضة ركوب القوارب التي يمكنك استئجار واحد منها لإقامة حفل خاص بك، أو القيام بجولة نهرية من مرفأ صغير أو استئجار قارب شراعي سواء مع قبطان أو من دونه، وحتى إن أحضرت قاربك الخاص فإنك ستشعر بسعادة غامرة عندما تعلم أن مرفأ شارلوت واحد من أرقى عشرة أماكن للإبحار في الولايات المتحدة.

وتركت منطقة مرفأ شارلوت بصمتها على تاريخ المنطقة، إذ يزخر مركز مقاطعة شارلوت المطل على المرفأ المثير، بالحرف اليدوية المرتبطة بحياة البحارة والصيادين منذ فترة ما قبل التاريخ وحتى وقت قريب. وكذلك تأثر الفن بإرث البحر والإبحار.. وتعرض في مركز فنون «آرت إراوند تاون» منحوتات تحاول عرض ما في قاع البحر على وجه اليابسة، وكل ما هو موجود يذكر بكيفية قضاء الأوقات على متن قارب أو على امتداد الشاطئ أو «خيط وسنارة» صيد قذفت في البحر أو تيارات الماء بمدها وجزرها.

فورد لوردايل أو مدينة البندقية: هو الاسم الذي يطلقه عليها أهلها لكثرة قنواتها المائية التي قد تأخذك من اي مكان في المدينة الى المحيط الاطلسي عبر يخت أو قارب صغير. كانت هي محطتي الأولى لقضاء وقت جميل بعيدا عن أجواء العمل وبرودة طقس بريطانيا.. ويوجد في تلك المدينة ما يقارب الـ64 الف يخت.

المدينة تشبه مدينة فنيسيا (البندقية) الإيطالية، وتجد فيها مسارحَ ومتاحف من العلمي والطبيعي ومعرضا للأعمال الفنية واللوحات وحوانيت خاصة بالتحف الأثرية وملاعب الغولف، او ممارسة رياضة المشي أو ركوب قاربٍ أو يختٍ عبر ممراتها التي تطل عليها الفيلات الجميلة لاثرياء اميركا.

رحلة عبر قنوات فورد لوردايل: ككل صباح مشرق ودافئ وجميل، اخذت مقعدي مع العديد من السياح الاميركيين الذين أتوا للمدينة هربا من برودة الجو في ولايات الشمال، داخل عبارة التي اطلق عليها (جانغل كوين)، وثمن التذكرة للفرد 16 دولارا، واستغرقت الجولة 3 ساعات.. تمر عبر الفيلات الجميلة لأثرياء اميركا.. وأجمل ما في الامر تعليق المرشد على أحد المنازل الذي يبلغ سعره 25 مليون دولار، قائلا ان صاحبه طلق زوجته التي طالبت بأخذ المنزل، فكانت تكاليف المحامي لحسم القضية اكثر من ثمنه، ففاز المحامي في نهاية المطاف بالمنزل كتكلفة لمرافعاته بالمحاكم.

كانت المعدية تمر عبر الفيلات التي كانت تتنافس في تصميماتها؛ منها الاسباني أو فن ديكو (Art deco) الذي يرجع إلى عام 1930 أو العصرية. كما يوجد امام كل منها مرفأ خاص لليخت عبر ممر مائي خاص لكل فيلا يأخذك من امام بابها إلى المحيط الاطلسي. تماسيح فلوريدا تصارع تماسيح النيل: تعج المحميات الطبيعية في فلوريدا بالمفاجآت، والفرص نادرة لمشاهدة التماسيح والطيور التي تشجع على القيام بجولات لالتقاط صور لها والاسترخاء على الشواطئ المفتوحة الشاسعة والاستمتاع بالتسوق وارتياد المطاعم وتذوق الأطعمة الشهية للسكان المبدعين في فنون الحياة بجملتها.

اذا كنتَ من أصحاب المغامرات والرحلات المصحوبة بالمخاطر يمكنك الذهاب لجزر التماسيح.. مشاهدتها لم تكن مفاجئة لي، إذ سبق لي أن سبحت بالقرب منها في النيل الأبيض بالسودان.. ولكن تماسيح فلوريدا في محمية «بيلي اسومب سفاري» ذات طابع خاص وتتسم بكبر حجمها مقارنة بتماسيح النيل. كانت الرحلة عبر مركبة هوائية تسير بسرعة خارقة وتمر عبر مجموعة من التماسيح.. تتوقف للحظات لالتقاط صور حيث كان فضولها (اي التماسيح) يقربها من المركبة بصورة مخيفة تكاد تهجم على من في القارب.

الجولة الثانية ضمن البرنامج شملت رحلة عبر عربة سفاري ذات اطارات كبيرة للاستمتاع بمشاهدة الحيوانات البرية بدون مخاطر على السياح من مهاجمتها لهم.. فكانت العربة تسير عبر الأودية والأشجار الكثيفة. وكانت تحذيرات السائق من الثعابين لأنها قد توجد في فروع الاشجار، لذا فكل مَنْ كَانَ داخل العربة ابتعدَ للداخل بعيداً عن أغصان الأشجار التي كانت فروعها تلامس جنبات العربة، وهي تسير عبر اشجار النجيل والبان والاشجار الاستوائية.. وقبل مغادرة المحمية كانت لنا جلسة مع احد العارفين بشؤون الحيوانات.. حيث بدأ يعرض علينا انواعا من الثعابين السامة والعقارب والعناكب.. وبعض الحيوانات التي تشتهر بها فلوريدا. واستغرقت الرحلة في محمية «بيلي اسومب سفاري» 5 ساعات بتكلفة 35 دولارا.