حرب الألوان والدهان.. لعبة جديدة في طريقها إلى الرواج بلبنان

متاريس وأهداف وطلقات ملوّنة

من بين أحجار «الخفان» (تصوير جوزيف أبي رعد)
TT

كانت أصوات مجموعة من الشبان تصدح في المكان بحماسة لافتة، يركضون من مكان إلى آخر، ثمة مَن يختبئون خلف المتاريس ومَن ينبطحون ومَن يسترقون النظر من الفتحات، بعضهم يتخفون قبل أن يطلوا من جديد ليصوّبوا الطلقة.

هذا ليس فصلا من فصول العنف في أحياء بيروت، إنما جولة من المعارك التي يخوضها عدد من الشبان في Underground Paint Ball في منطقة الحازمية شرق بيروت، فيما كانت «الشرق الأوسط» تتحدث إلى أحد مؤسسي هذا المكان كريم منصور.

شاب في بداية العشرينات يدرس الهندسة في جامعة الكسليك قرر وأخوه واثنان من رفاقهما وجميعهم طلاب جامعيون، تأسيس عمل ما في هذا المكان الفسيح الذي يملكه الأب.

..«أراد والدي ان نتحمّل مسؤولية، ألحّ علينا لإيجاد فكرة ما وفتح مؤسسة. فكرنا في البداية في فتح مقهى للانترنت، لكن وبما ان هذه الفكرة باتت موضة مستهلكة في لبنان، ارتأينا فتح صالة لحرب كرات الطلاء (Paint Ball)»، يقول كريم: «كان أخي قد زار احد هذه الأماكن وسرّته التجربة، فأجرينا بحثا معمقا عبر الانترنت ووضعنا قائمة بالبضائع اللازمة واستوردناها من الولايات المتحدة. هذه الفكرة حديثة جدا في لبنان وآخذة في الانتشار. فحين افتتحنا نشاطنا منذ أربعة أشهر، لم تكن هناك أماكن مماثلة سوى واحد وفي منطقة بعيدة. أما اليوم فباتت تلقى إقبالا ورواجا في صفوف الشباب. فمن يزرنا مرة وتعجبه الفكرة، يصبح زبونا مخلصا، ذلك أن كثيرين يزوروننا مرة في الأسبوع».

واضح ان الفكرة تلاقي إقبالا بين الشباب وإلا لما تهافتوا لحجز الصالة في عطلات نهاية الأسبوع ولما تمكن هؤلاء الشبان الأربعة من تحمّل تكاليف هذا الاستثمار.

ومن الطبيعي أيضا أن تلاقي هذه اللعبة رواجا غير مألوف، ذلك أن فئة الشباب باتت محقونة بالخطابات الغريزية ومأخوذة بفكرة الصراع والحرب وخوض المعارك. حتى ان احد الشبان الذين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» بعد تجربة هذه «المغامرة»، قال بصراحة: «أحببت المواجهة والحماس الذي تولّده هذه اللعبة، الواقع أنني متحمّس لخوض حرب حقيقية». لكن إذا نظر البعض بطريقة سلبية الى الأمر، فهذا لا يعني أن اللعبة خالية من الحسنات فشاب آخر سبق أن شارك مرتين، قال: «صحيح انها حرب شوارع، لكنها تساعدنا على إفراغ كل الضغط والطاقة السلبية التي نحملها».

نظرتان مختلفتان، لكن في أية حال تبقى هذه المغامرة «فشّة خلق»، كما يقول كريم الذي يوضح ان «الصراخ الذي يصدر عن اللاعبين والركض يساعدان على تنفيس الاحتقان. كذلك نحرص على عدم استقبال كل من يحاولون زج السياسة في الموضوع. فقد رفضنا في إحدى المرات دخول مجموعة من الأصدقاء الذين أرادوا ان يطلقوا أسماء حزبية على الفريقين. فنحن حريصون جدا على إبعاد السياسة منعا للإساءة إلى صيت المكان وتفاديا للمشكلات التي تنشب سريعا جراء ذلك. إذ ان المزح يتحوّل إلى جد بسرعة قياسية». هناك مجموعة من الألعاب المتوافرة أمام الراغبين في تمضية ساعتين من التسلية. وتتألف كل واحدة منها من جولتين، وهي «مباراة الموت»death match، وفيها يتصارع فريقان وكل من يصاب في اي مكان من جسمه يخرج وينتظر الجولة الثانية ليعاود اللعب. والفريق الذي يفقد جميع أعضائه أولا يكون الخاسر. أما «مباراة الموت ـ طلقة الرأس»Death Match Head Shot، فيخسر فيها اللاعب إذا أصيب في عنقه او رأسه. وفي «التقطْ العلم» Capture The Flag، فعلى الفريقين إما ان يتنافسا على التقاط العلم الوحيد المرفوع في الوسط وأخذه إلى القاعدة وإمّا أن يخوضا معركة ضارية لاستعادة العلم الموجود في قاعدة الفريق الآخر. وفي هذه الحالة يكون هناك علمان في كل قاعدة. وفي «اقتل الكابتن» Kill The Captain، يختار كل من الفريقين قائده الذي يترتب على الأعضاء حمايته من طلقات الفريق الآخر وإلا خسر اللعبة. وفي «الرهينة» Hostage، يتبرّع احد الفريقين بأحد أعضائه ليصبح رهينة تعلّق في الوسط وعليه استردادها وإعادتها إلى القاعدة. لكن ممنوع على اي من اللاعبين إطلاق «خراطيش الألوان» عليها، وإلا تعرّض المخالف لعقوبة «البينالتي»، التي تنص على ان يطلق الحكم عليه ثلاث طلقات على أن يقف الى الحائط. ويؤكد كريم أن «من يتعرّض مرة لهذه العقوبة يعلّم أعضاء الفريقين عدم الغش واحترام قواعد اللعبة». وإذا صودف تعرّض احد اللاعبين لطلقة ما لدى اقترابه من الرهينة تبقى هذه الأخيرة مكانها، ويخرج المصاب من اللعبة.

اما اللعبة الأشد ضراوة فهي «لا رحمة» No Mercy. هذه غالبا ما يلعبها الفريقان في الدقائق الخمس الأخيرة بهدف إنهاء ما تبقى في أسلحتهم من طلقات. ولا يخرج اللاعب المصاب إلا بإرادته، أي انه يمكن ان يتعرّض لعدد كبير من الطلقات و«يصمد».

ويمكن للاعبين تجربة كل هذه الألعاب او اختيار ما يفضلونه منها، ذلك ان كل جولة تستمر بين 3 و10 دقائق كحد أقصى. وحجز الصالة التي تبلغ مساحتها 1600 متر مربع، يكون لساعتين تتوزع بين ساعة ونصف الساعة من اللعب وربع الساعة لارتداء البزات واخذ المعدات والتقاط الصور، والربع الأخير لتزوّد قواعد اللعبة والتعليمات التي يجب التقيّد بها حفاظا على السلامة الشخصية وضمان سلامة الآخرين. وأهمها، عدم الضغط على الزناد من مسافة تقلّ عن أربعة أمتار لأنه حينها يكفي قول «لا تتحرك» Freeze، حتى يخرج الخاسر. لدى إصابة شخص ما يرفع يديه ويخرج، أما إذا «تجرأ» أحد ما واستهدفه بطلقة فيتعرّض للـ «بينالتي». كذلك لدى الخروج من القاعة المخصصة للعب يجب الضغط على زر الأمان الذي يعطّل عمل البندقية منعا لـ «الألوان» الطائشة في الخارج.

أما ثمن بطاقة اللعب فـ 25 ألف ليرة (نحو 16 دولارا)، تخوّل حاملها الحصول على خوذة V. Force المضادة للتعرّق والبزة وبندقية (98 custom) بالإضافة الى 200 خرطوشة. أما إذا فرغت البندقية من الخراطيش فيمكن للاعب شراء 100 خرطوشة مقابل 7 آلاف ليرة لبنانية (أقل من 5 دولارات). ومن أراد الحصول على معدات متطورة أكثر، فيمكنه دفع المزيد لاستبدال البندقية برشاش كلاشنيكوف Tippman X7 والحصول على قناصة Tippman A5.

تجدر الإشارة إلى ان المركز يستقبل المجموعات المتألفة من 8 أشخاص إلى 14 شخصا كحد أقصى، وذلك لان الألعاب تفرض وجود 4 أشخاص الى 7 ضمن كل فريق. كذلك يجب أن تكون أعمار اللاعبين متقاربة ذلك انه يمنع لعب من هم في الخامسة والعشرين مثلا مع مراهقين في الثالثة عشرة او الرابعة عشرة، لأنه من القواعد الأساسية أن يتحلى المتنافسون بتكافؤ من حيث القدرة الجسدية.