مكتبة الإسكوريال.. تحفة إسبانية تحرس المخطوطات العربية

تحرس الجبل وتلقي بظلالها على مدريد

الإسكوريال.. تطل على جميع معالم العاصمة مدريد
TT

ارتبط اسم «الاسكوريال» في ذهني بمكتبة المخطوطات العربية في اسبانيا، ولم أكن على علم بأي شيء عن هذه المكتبة غير انها في اسبانيا، وفي الثمانينات قررت أن أزورها، فأرشدني احد الاصدقاء اليها، وقال لي إنها في بلدة اسمها الاسكوريال، وكان الجو باردا جدا في مدريد، في شهر ديسمبر (كانون الاول)، وما ان وصلت الى أعلى الجبل حتى وجدتها أبرد بكثير من مدريد، وسألت هناك عن مكتبة الاسكوريال، فأرشدوني الى مكتبة صغيرة، واذا بها مكتبة البلدية، فقلت لهم:«انا اعني مكتبة الاسكوريال ذات المخطوطات العربية»، فقالوا لي كأنك تريد مكتبة الاسكوريال في قصر الاسكوريال التي تبعد من هنا حوالي عشر دقائق. ذهبت الى ذلك المكان، وإذا به قصر هائل ذو فخامة غير عادية، وعبر ممرات عديدة، وجدت مكتبة رائعة وهائلة، وهي تحفة فنية رائعة تستحق التأمل الطويل، وظهر بأنها ليست مكتبة المخطوطات العربية وانما مكتبة الملك.

وأخيرا وصلت الى باب مكتبة المخطوطات القديمة، وعندما فتحت الباب فوجئت جدا لانها عبارة عن غرفة شبه مظلمة، مع قليل من المقاعد، وراهب جالس في احدى الزوايا. فبقيت في شك من أمري، وسألته كي أتأكد منه اذا كان هذا هو مكان المخطوطات العربية، فأجابني بكل ادب: نعم، فأذهلني حب هذا الرجل في تقديم المعلومات حول المخطوطات والمكتبة، فرحت استغل الفرصة واسأل عنها وعن مخطوطاتها بكل شغف، ولم يبخل الرجل عليَّ بشيء، وكانت صدفة رائعة، لأن المكتبة كانت خالية تماما من الزوار، فسمح لي بتصوير العديد من صفحات المخطوطات وأجابني عن عدة اسئلة حول المكتبة.

مكتبة الاسكوريال ذات الشهرة العالمية الواسعة خاصة بين العرب، ليست اكثر من غرفة صغيرة ومخزن، كيف استطاعت هذه المكتبة ان تحوز كل هذه الشهرة العالمية، وهي اصغر من أي مكتبة مدرسية؟

المهم اتضح لي ان اسم الاسكوريال هو اسم المدينة، وقريب من هذه المدينة قصر الملك الاسباني فيليب الثاني، ويسمى قصر الاسكوريال، وفي هذا القصر مكتبة ضخمة، هي مكتبة الاسكوريال، الخاصة بالملك، وفي هذه المكتبة ملحق مختص بالمخطوطات القديمة، وفي هذا الملحق قسم للمخطوطات العربية.

لا شك ان السبب في شهرة هذه المكتبة هي الذخائر التي تحتفظ بها من المخطوطات العربية، وبعضها نسخ وحيدة في العالم، انها ذخائر يهتم بها الدارسون الغربيون أكثر من اهتمام العرب بها. ولحسن الحظ، زرتها مرة اخرى عام 2005، وفي هذه المرة وجدتها وكأنها غير تلك التي رأيتها من قبل، فكانت منظمة فيها إنارة رائعة، تتناسب مع أهميتها، ورأيت نفس الراهب المسؤول عنها، وكان يعامل الجميع بنفس المعاملة من الود والاحترام، ولكن بشروط جديدة في استعارة المخطوط، وتسجيل اسم المستعير وجواز سفره وما إليها من الشروط المتعارف عليها.

تقع مدينة الاسكوريال شمال العاصمة الاسبانية مدريد، وهي على بعد حوالي 50 كيلو مترا منها، ويمكن الوصول اليها، من العاصمة مدريد بالسيارة او القطار او الحافلة، ويستطيع من يرغب في زيارتها بالسيارة ان يسلك الطريق السريع الذي يربط ما بين مدريد والاسكوريال، أما من يفضل القطار فيمكن له ان يصعد من محطة القطارات العالمية (محطة أتوجا) وسط العاصمة مدريد. وكذلك يمكن الصعود الى الاسكوريال من محطة جامارتين شمال مدريد.

ويتوقف القطار في العديد من المناطق كي يصل الى الاسكوريال، ويستغرق في رحلته حوالي ساعة واحدة. ورحلات القطار على مدار الساعة، وتبدأ منذ الساعة السادسة والنصف صباحا وتستمر حتى الرحلة الاخيرة في الساعة الثانية عشرة ليلا، وسعر البطاقة 2 يورو، ولزيادة المعلومات يمكن الاتصال بمحطة القطارات على الرقم 902240202.

ويمكن الوصول الى الاسكوريال بواسطة الحافلات أيضا، وبالتحديد بواسطة الحافلة 661 ويبدأ دوام عمل الحافلات من الساعة السادسة صباحا، ولغاية العاشرة ليلا، ويستغرق في الوصول حوالي الساعة تقريبا، وسعر البطاقة 3 يورو، ولمزيد من المعلومات حول محطة حافلات مونكلوا هذه يمكن الاتصال بالرقم 915433645 أو 915438167.

بنى هذا القصر الملك فيليب الثاني، تخليدا لانتصاراته في معركة سان كينتين على الفرنسيين في 10 اكتوبر (تشرين الاول) عام 1557، وليستعمله في الوقت نفسه لدفن والديه الملك كارلوس الخامس وايزابيل دي بورتوغال.

وفي عام 1558 عين الملك لجنة خاصة لدرس مشروعه، ثم عين في عام 1559 المهندس خوان باوتيستا دي توليدو مشرفا عاما على المشروع، ووضع حجر الاساس للقصر عام 1563واستمر البناء في القصر حتى عام 1584 عندما افتتحه الملك رسميا على الرغم من ان بعض أقسامه لم تكتمل بعد مثل الكنيسة التي تمت بعد سنتين.

كان القصر تابعا إداريا لبلدة الاسكوريال، وفي القرن الثامن عشر نشب خلاف بين الكنيسة ورئاسة بلدية مدينة الاسكوريال حول ادارة قصر الاسكوريال، فتدخل الملك كارلوس الثالث لحل النزاع وقرر تعيين مدير خاص لقصر الاسكوريال يعينه هو شخصيا، ومنذ ذلك الوقت اخذت المنطقة المحيطة بالقصر بالتوسع، حتى اكتسبت اسم سان لورينثو دي الاسكوريال يشكل القصر تحفة فنية ومعمارية رائعة، وهو قصر وكنيسة ودير ومكتبة وحديقة ومرافق اخرى عديدة، حتى ان الاديب الاسباني خوسيه كيبيدو قال «لا احد يرى الاسكوريال إلا ويشعر بأنه مليء بالفخر والاعتزاز الوطني. انه يذكرنا بسلطة وعظمة وحضارة وثقافة هذه الأمة في القرن السادس عشر، وهو بلا شك، يثير اعجاب وحسد الامم الاخرى». وفي عام 1971 قررت الحكومة الاسبانية درج قصر الاسكوريال من ضمن المراكز التاريخية السياحية في اسبانيا، وفي عام 1984 أعلنت اليونسكو اعتباره من التراث الانساني العالمي. قصر الاسكوريال على ثلاثة أقسام رئيسية، تتوسطها ساحة باسم ساحة الملوك، وفي كل زاوية من زواياه برج يبلغ ارتفاعة 55 مترا، والاقسام الرئيسية هي قصر الملك ومكتبته وكنيسة. يحتوي القصر على 15رواقا، و86 سلما، و88 نافورة، وتسعة أبراج، و73 تمثالا، و 1600 لوحة.

ومن بين صالات القصر المشهورة (صالة المعارك)، حيث رسمت على جدرانها صور المعارك المهمة التي خاضها الجيش الاسباني. وفي القصر ايضا جناح خاص لقبور أغلب الملوك الاسبان.

ومن أقسام المتحف ايضا، المتحف المعماري، ويحتوي هذا المتحف على الوسائل والادوات التي استعملت في بناء قصر الاسكوريال والخرائط والمخطوطات.

وفي القصر ايضا حديقة يطلق عليها اسم حديقة الرهبان، وهي حديقة جميلة، كان الملك فيليبي الثاني قد اهتم بها كثيرا. وفي القصر ايضا مكان يطلق عليه اسم منزل انفانتي، وهو مكان لاقامة النشاطات والحفلات الموسيقية.

تعتبر مكتبة الاسكوريال من أهم المكتبات التاريخية الاسبانية، واسمها الرسمي:

Real Biblioteca de san Lorenzo de El Escorial وتحتوي على وثائق اثرية، ذلك ان الملك فيليبي الثاني نفسه كان يهتم بجمع الكتب، وسعى الى شرائها من جميع المناطق، وطلب من سفرائه تزويده بكل ما يطبع في أماكن وجودهم، وأوصاهم بشراء المخطوطات المتوفرة، واستطاع بذلك جمع نفائس الكتب والمخطوطات. وتحتوي المكتبة الآن على حوالي 45000 قطعة بين مجلد ومخطوط وخرائط ورسوم ومنحوتات ونقود، والكثير منها يعود الى القرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر. وتبلغ أبعاد صالة المكتبة 45 مترا طولا و9 أمتار عرضا ويبلغ ارتفاعها 10أمتار، وسقفها مزين بالصور، وارضية المكتبة من المرمر، وصنعت رفوفها من الخشب الثمين.

وكجزء من مكملات المكتبة، قسم خاص للمخطوطات القديمة، وتشكل المخطوطات العربية جزءا منها، وقد تم جمع هذه المخطوطات من مناطق مختلفة من اسبانيا وخارجها، وكان السفير ميندوثا في البندقية قد لعب دورا مهما في نقل الكثير من المخطوطات الى الاسكوريال، وحصلت المكتبة على كمية كبيرة من المخطوطات العربية تقدر بأربعة آلاف مخطوط عام 1612بعد اختطاف سفينة السلطان السعدي مولاي زيدان، عندما قام قائد السفينة الفرنسي الذي كلف بنقل هذه الكتب من مدينة اسفي الى مدينة أغادير، ثم هرب بها متجها نحو فرنسا، وصادف ان اعترضته السفن الاسبانية وصادرت كل ما في السفينة بما فيها المخطوطات. وهناك مجموعات أخرى أضيفت الى المكتبة ايضا ومنها مكتبة كوندي لوكي. وفي عام1671 شب حريق في الاسكوريال أتى على آلاف المخطوطات، ثم تعرضت مرة اخرى للتلف بسبب الحروب التي خاضتها اسبانيا في حربها ضد فرنسا. وقد قام العديد من الباحثين بدراسة وفهرسة مخطوطات الاسكوريال، لعل اشهرهم الراهب اللبناني ميشيل كازيري الذي اصدر فهرسا لمخطوطات الاسكوريال في مجلدين بين 1760 و 1770، ومن الذين قاموا بفهرسة كتب الاسكوريال المستشرق ديرنبيرغ.

لقد اهتم الكثيرون بدراسة وفهرسة مخطوطات الاسكوريال، من بينهم الدكتور يوسف زيدان ومحمد سليمان والمستعربة الاسبانية اورورا كانوا، الاستاذة السابقة في جامعة اوتونوما في مدريد، وآخرون، ويختلف عدد المخطوطات في الاسكوريال حسب الفهارس المعدة، فالبعض يعدها حوالي الالفي مخطوط والبعض يصل بها الى ثلاثة آلاف. وكانت الملكة صوفيا ملكة اسبانيا قد اهدت قبل سنوات ميكروفيلم عن مخطوطات الاسكوريال الى مكتبة الاسكندرية في مصر، وهي مبادرة ثمينة وتستحق التقدير. Valle de los Cados (Abada de La Santa Cruz) يقع وادي الضحايا على بعد تسعة كيلومترات من الاسكوريال، في جبال غواد راما، وهو عبارة كنيسة محفورة داخل الجبل، وفوقها نصب هائل على شكل صليب، أمر ببنائه الجنرال فرانكو، بين عامي 1940. و1958، «لاحياء ذكرى الذين سقطوا في سبيل الجهاد العظيم»، ويقصد بهم اولئك الذين قتلوا الى جانب فرانكو في حربه ضد النظام الجمهوري في اسبانيا، من عام 1936 حتى عام 1939 أي الحرب الاهلية الاسبانية، وانتهت بانتصاره، وسقوط الجمهورية.

صمم البناء المهندسان بيدرو موغروث ودييغو مينديث، وقام بصنع تماثيله خوان اباكوس، البناء عبارة عن كنيسة كبيرة محفورة في الجبل، وتحيطها غابات من شجر الصنوبر، ونصب فوق الجبل صليب هائل يبلغ ارتفاعه 150مترا، ويصل ارتفاعه الى 300 متر، اذا اضيف اليه علو الصخور المقام عليها، ويبلغ طول كل من ذراعيه 47 مترا، ويمكن مشاهدته على بعد 40 كيلومترا.

اوصى فرانكو ان يدفن في وادي الشهداء، وبالفعل دفن هناك بعد وفاته عام 1975، ويأتي كثيرون لغاية اليوم لزيارة القبر، ويقيم اتباعه في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام احتفالا خاصا احياء لذكرى الجنرال فرانكو.وفي عام 2007 نشب خلاف بين الاحزاب الاسبانية، داخل البرلمان، حول مستقبل وادي الشهداء، بعدما تقدم الحزب الاشتراكي بمشروع قرار ازالة نصب وتماثيل الجنرال فرانكو، ولا شك في ان وادي الشهداء هو أحد أهم رموز فرانكو، وعارض الحزب الشعبي مشروع القرار، ثم توصل البرلمان الى حل آخر، وهو ابعاد وادي الشهداء عن الميول السياسية، واعتباره من التراث الوطني الاسباني، وان تمنع فيه الاجتماعات السياسية المؤيدة للجنرال فرانكو، مع السماح بإقامة الصلاة.