«يا عيني على بيروت»

وجوه مبتسمة ولهجة شامية مرحبة وضيافة أكثر من رائعة

لبنان قبلة السياح في جميع الفصول («الشرق الأوسط»)
TT

منذ اللحظة الأولى لهبوطك على أرض مطارها تلقاك ابتسامة أهلها مرحبة لتنسيك ما زرته من مدن قبلها، فاتحة ذراعيها في استقبالك بلغة مرحة ولطيفة ومحيرة في ذات الوقت إن لم تكن على علم بمفرداتها ومعانيها. تلك هي بيروت التي تزخر بآثار متعددة ومناطق ومزارات تاريخية كثيرة، وتأسرك بلغة اهلها وحفاوتهم بك بوجههم الصبوح الذي تنطق حروف كلماته بعبارات الترحيب حتى من دون حديث. ليس هذا فقط، الطعام في بيروت وسيلة ترحيب مميزة وبخاصة في الإفطار الذي يطلقون عليه اسم «ترويقة» وهو اسم تعنيه الكلمة بكل حروفها، فهو مشتق من الرائق التي تعني خالي البال المستريح. مائدة الإفطار في بيروت تتضمن كل ما لذ وطاب من أطعمة المطبخ اللبناني والعربي والغربي أيضاً. فهناك اللبنة وفلافل الحمص الشهيرة، وأطباق الفول المنوعة والمضاف لها زيت الزيتون والصنوبر، والفاكهة التي تتنوع بين ماندرين جبال الشام، والكيوي والتفاح. لتقول عقب تناولك الإفطار إنه بالفعل «ترويقة»، وقد تشعر أنك لم تتناول إفطارك قط قبل ذلك اليوم. تسرع إلى الكورنيش لتمتع ناظريك برؤية البحر ورماله الناعمة والجو المشرق هناك، فعلى الرغم من أن شواطئ البحر المتوسط واحدة، إلا أن شاطئ ذلك الأبيض في بيروت يحمل ملامح خاصة تضفي عليه جواً أوروبياً خالصاً برواده الذين يسيرون على كورنيشه طوال ساعات اليوم والليل يمارسون الجري أو السير وكـأنهم في سباق مع الحياة والزمن لاقتناص لحظات المتعة مهما كانت بساطتها، فتشعر وكأنهم في حالة عناق مع البحر ومياهه وسمائه الزرقاء. وبخاصة في منطقة الروشة الشهيرة التي توجد بها صخرة الحمام، أو صخرة الروشة، التي هي تعريب لكلمةla roche الفرنسية التي أطلقها الفرنسيون أيام الانتداب على المنطقة التي تطل على الصخرة البحرية الكبيرة التي كانت تعرف بصخرة الحمام. تلتقي نظراتك ونظرة لبناني يجلس بجوارك على الشاطئ فتسأله عن الصخرة فيقول لك إنها صخرة الحب، التي يفضل العشاق الوصول اليها والجلوس عندها على الرغم من ارتفاعها لرومانسيتها الرائعة. تتركه وتسرح بنظريك فيها لتكتشف أن تلك البقعة من أجمل بقاع الارض وأنقاها وبخاصة تلك المنطقة التي تمتد حتى منطقة الرملة البيضاء بما فيها من مطاعم ومقاهٍ مميزة تطل على مناظر خلابة. ومن بينها مقهى «غران كافيه» الذي يعد من أفضل وأفخم مقاهي بيروت.

ويبقى شارع الحمرا هو آخر قبلة السائحين الذين يتوافدون عليه لشهرته التي منحته إياها الأفلام المصرية، فالصورة المأخوذة عنه أنه شارع الإثارة والجمال والتسوق في تلك المدينة الصغيرة، ولكنه لم يعد كذلك الا من محال التسوق التي إن سألت عن أشهرها لرخص أسعاره وتنوع منتجاته لقيل لك على الفور محل «الدورادو» والذي تجد فيه كل ما تفكر فيه حتى لو لم يناسبك ذوقه. ولشارع الحمرا حكاية تسمعها من سائقي التاكسي الكبار في السن الذين يدركون فور النظر اليك أنك غريب، الحكاية تقول إن تسميته تعود الى مطلع القرن الخامس عشر الميلادي حين تحارب بنو تلحوق الدروز، مع جماعة بني الحمرا المسلمين الذين كانوا يحضرون لبيروت لبيع بضاعتهم وكان نتيجة هذا الخلاف هو ترك بني تلحوق مساكنهم في رأس بيروت، والسكن في الجبل تاركين أراضيهم ومنازلهم لبني الحمرا الذين سكنوا تلك المنطقة التي نسبت لهم وتسمت من يومها بكرم الحمرا. المقاهي جزء مهم من شارع الحمرا تجد عليها نماذج متنوعة من خلق الله رسامين، أدباء، موسيقيين، سائحين. الجميع يجلس مستمتعاً بأرض بيروت. كما يمكنك إن كنت من عشاق المقاهي الذهاب الى ساحة البرغوث في داخل المدينة، فهي تعد أكبر تجمع للمقاهي في لبنان بأسره. لا تنسَ وأنت في ضيافة بيروت وبخاصة في فصل الربيع، أن تصعد الجبل ذا الطرق الملتوية والذي يسمح لك صعود كل جزء منه برؤية الجزء الاسفل لترى مشهداً رائعاً متناسق الالوان يمتزج فيه لون الصخور البنية، بلون النبت الاخضر، بمياه الامطار والثلوج الذائبة التي تنساب على طول الطريق. في أعلى الجبل وعلى قمته تشعر وكأنك امتلكت العالم في يدك. ولا تفوتك تجربة التلفريك. ولتبقى بيروت بشوارعها وطرقها وأماكنها وقبل كل ذلك أهلها.. مدينة السياحة العربية التي تتوق للعودة إليها ولو قمت بزيارتها عشرات المرات. ففيها ذلك الحنين الذي يجعلك دائما في شوق إليها.