تمتع بمصر في فيينا

معرض توت عنخ آمون عنوان الباحثين عن الفراعنة في النمسا

توت عنخ آمون يتربع على عرش الساحة الثقافية في النمسا («الشرق الأوسط»)
TT

يفتخر أهالي فيينا العاصمة النمساوية بوصفها «متحفا كبيرا» وبذلك فإنهم يرمزون لجمال مبانيها العريقة، بأنماطها المعمارية الراقية، وانتشار المتاحف فيها. فهناك على سبيل المثال متحف للشوكولاته، وآخر للساعات، وثالث للمداخن، ورابع لمعاطف الجيوش، وخامس للترامواي، وسادس للأحذية، وسابع لموانع الحمل، ناهيك من المتاحف التاريخية والفنية والموسيقية والعلمية. القديم منها الذي يعود للعهد الامبراطوري، والحديث حيث التقنية الالكترونية وعالم الفضاء. ما هو عام لمختلف الاعمار ومختلف الاذواق، وما هو خاص لنوعية معينة من الزوار.

هذه الايام يستمتع زوار المتاحف من اهل فيينا وسياحها، باستضافة متحف الفنون الشعبية Museum Für Vlkerkunde لعرض من نوع خاص يقدم 150 قطعة من آثار تعود للفرعون توت عنخ امون.

لم يصل الفرعون الشاب العاصمة النمساوية وحيدا بل جاء وبصحبته رمسيس واخناتون وحتشبسوت. هذا وان غابت عن العرض مومياء توت عنخ امون، لضرورة الحفاظ عليها في بيئة ذات مواصفات معينة، ودرجة حرارة معتدلة، داخل صندوق زجاجي بالاقصر، حتى لا تتأثر بالتغيرات الجوية، فإن ما يحتويه المعرض يوفر للزائر فرصة لا تعوض لرحلة سياحية، تنقله ببساطة شديدة من النمسا الى مصر، وتدفعه للكثير من التفكير حول أسرار وغموض تلك الحضارة التي سادت قبل 3000 عام.

من جانب آخر فان المعرض يلفت الانتباه، ويثير الاعجاب والاشادة بالمهارة المصرية في الحفاظ على الحضارة الفرعونية، وابرازها وترويجها حول العالم. ومنذ اشهر تستضيف العاصمة البريطانية لندن، معرضا اخر لتوت عنخ امون. فيما سيغادر معرضه هذا، يوم 28 سبتمبر (أيلول) المقبل، فيينا الى الولايات المتحدة الاميركية. من جهة اخرى يصاحب المعرض سوق صغير يبيع تذكارات مثل اقلام تحمل صور توت عنخ امون بالاضافة لاكواب وبطاقات ومغلفات وحاويات خشبية صغيرة، وقمصان وشالات وربطات عنق، واكواب شاي، وقطع اكسسوار، منها عقد بمبلغ 25 الف يورو، فيما يباع قناع للملك الشاب بمبلغ 55 الف يورو. هذا بالاضافة لمطعم فخم يقدم عددا من الاكلات المصرية والمشروبات. ولكم ان تتخيلوا معرضا فرعونيا، يستضيفه متحف نمساوي، لآثار تعرض للمرة الاولى خارج مصر، تحت رعاية المجلة الجغرافية الاميركية، التي وفرت بالتعاون مع شركة سيمنز الالمانية، اخر ما وصلت اليه تقنية الاستخدام الاشعاعي، والاستفادة من الطاقة النووية لاغراض سلمية، وذلك بتوفير الاجهزة التي استخدمت أخيرا للكشف على مومياء توت عنخ امون. وكشفت تفاصيل بدقة 1500 قطاع او شريحة داخل جسده. ما أكد ان الملك الشاب لم يمت نتيجة ضربة خلفية في مؤخرة عنقه، كما كان الاعتقاد سائدا، وانما قد يكون موته بسبب جرح لم يبرأ في اسفل ساقه اليسرى، ما أدى لنزيف او تلوث فتسممه. يدور العرض في غرف منفصلة تقود احداها للاخرى، وهي مرصوصة في مجملها على شكل أقرب للمستطيل، مع اختلاف في الزوايا والمقاسات. ومواقع الاضلاع. أما المعروضات فبعضها داخل حاويات زجاجية مختلفة المقاسات، بينما هناك عدد من التماثيل الحجرية كبيرة الحجم يعرض مكشوفا. كل ذلك في ظل اضاءة تزيد من الغموض والاثارة، وسط هدوء تام لا تسمع معه نفسا، رغم ان الزوار بالمئات يوميا.

يصل الزائر إلى أول غرفة ليرى لوحات خلفية رائعة لاهرامات الجيزة، مصحوبة بعبارة كتبت بخط كبير ترحب بالزوار في بلاد النيل والشمس والفراعنة، ثم من غرفة الى أخرى، يتجول المرء مع سماعات توفر جرعة تنويرية عن كل اثر، باللغتين الالمانية والانجليزية، بعضها يبثه الصوت العميق المميز لزاهي حواس، رئيس المجلس الاعلى للآثار، الذي يلم بتفاصيل تلك الاثار، والذي أصبح الوجه المعروف عالميا الذي يقاتل بشراسة للحفاظ على تلك الثروة.

ومن اثر لآخر تظهر بعض ملامح الحياة اليومية الفرعونية، ومدى اهتمام الفراعنة بحياتهم ما بعد الممات، مع تركيز اكبر على توت عنخ آمون، الذي تم اكتشاف مقبرته للمرة الاولى عام 1922، وخرجت مومياؤه كاملة دون كسر او شق او طق. وما زالت تثير الخيال مع ظهور حقائق جديدة كلما سنحت فرصة لمزيد من الكشوفات بالاستفادة من استخدام تقنية أحدث.

تولى توت عنخ آمون الحكم وهو في التاسعة، وتوفي قبل أن يكمل العشرين من عمره، ويظهر ذلك جليا في صغر حجم سريره ومقعده الخشبي. مقعد لا تزال آثار الطلاء الابيض تكسوه، له اقدام على هيئة أقدام أسد، فيما يزدان ظهره بنحت للاله حورس، وكأنه يقوم بحراسته.

وبالطبع لا يخلو المعرض من بعض المعروضات الذهبية التي تشير إلى الدور المهم الذي لعبه المعدن النفيس في حياة الفراعنة، فقد كان رمزا للثروة والجاه والطبقة الاجتماعية، وقد تبادله الفراعنة كهدايا بين اسرهم، كما قدموه كمكافآت وجوائز للابطال من الجنود والقادة وكبار المسؤولين. وتعكس قطع الاكسسوار المعروضة من اقراط واسورة وعقود وختم مرصعة بحجارة رائعة، جمالا لا يقل عن افخم ما تقدمه محال الصاغة والمجوهرات الأكثر شهرة هذه الايام. وحقيقة فإن بعضها لا بد ان تكون محال المجوهرات النمساوية قد عملت على اقتباسه في تصميمات موضة هذا الموسم. ولا اشك مطلقا ان يكون تصميم «شبشبه المصنوع من الذهب» المسطح مع الارض تماما دون اي كعب، هو نوع الاحذية الخفيفة التي ستحظى بالانتشار الاكبر هذا الصيف، مع الوان ماكياج مذهبة مستوحاة من ألوان قناعه.

الجدير بالذكر ان المعلومات التي تذاع للزائر عبر السماعات، تقول إن الفراعنة كانوا يحصلون على الذهب من منطقة النوبة وصحراء جنوب مصر. دون ان تذكر ان الذهب تدفق كذلك من السودان، ومعلوم ان السودان كان مصدرا غنيا للذهب، طيلة تلك العهود، خاصة الفترات التي حكمها وسيطر عليها فراعنة سودانيون، ممن يعرفهم البعض بالفراعنة السود، امثال كشتا وشبكة وشبتاكا، وترهاقا وبعانخي العظيم. وقد ظل الذهب السوداني يدخل مصر بكميات ضخمة طيلة فترة حكم محمد علي باشا، الذي شن الغارات والحملات العسكرية، وغزا السودان من اجل الرجال الاقوياء الاشداء للجندية، والذهب وريش النعام للمالية. هذا وقد تمت الاستعاضة عن عرض مومياء توت عنخ آمون، بعرض قناع من اقنعته الذهبية، التي أصبحت علامة من علاماته المميزة، التي تعكس ما كان يتمتع به من جمال ملامح، ومن حرص على الزينة والوجاهة. وبواسطة عدد من الافلام، دقيقة التصوير، تعرضها أكثر من شاشة، تحاصر الزائر داخل غرفة وسطية صغيرة الحجم، صور الحاويات الثماني ثم يظهر تابوته، مع شرح يوضح كيف اهتم قدماء المصريين باستخراج الاحشاء الانسانية مثل الكبد والرئة والمعدة وتجفيفها ثم حفظها في اوان وقارورات منفصلة. وفيما تشير معلومة إلى أنهم لم يعطوا المخ الكثير من الاهتمام فأهملوه، تؤكد معلومة اخرى شدة اهتمامهم بالقلب فابقوا عليه داخل الجسم كرمز للذكاء، ودليل على نوع الحياة التي عاشها صاحبه، وحتى تتعرف عليه الروح فتعود اليه مرة اخرى. ولذلك فإنهم ابدعوا في الحفاظ على أجسادهم بتحنيطها تحنيطا لا يزال سرا يخلب عقول العالم.

عنوان المتحف هو: Museum Für Vlkerkund , Heldenplatz , Wien 1010 . هذا الموقع يقع بقلب المدينة. في ميدان يضم عددا من المتاحف الاخرى. يمكن الوصول اليه بأكثر من وسيلة مواصلات عامة اسهلها الترامواي، وهي ترام 1 و 2 و الـ D والـ J، بالاضافة لخطي قطاري الانفاق رقمي 2 و 3. ثمن تذكرة الدخول 18 يورو. يفتح المتحف ابوابه يوميا من العاشرة صباحا حتى السابعة مساء، فيما يستمر حتى التاسعة مساء يوم الاربعاء.