أربيل تنبض بحياة جديدة

بوابة السلام والأحلام

من المتوقع أن ينضم إقليم كردستان الى مشروع لليونيسكو
TT

يفضل سكان اربيل، وبقية الاكراد في اقليم كردستان العراق اطلاق تسمية عاصمة الاقليم اربيل باسمها التاريخي هو لير، ذلك ان تاريخ هذه المدينة يعود الى أكثر من ستة الاف عام، وهذا ما يبرهن ان الاكراد كشعب استوطن اراضي شمال بلاد ما بين النهرين، او وادي الرافدين منذ الاف السنين وهم ليسوا طارئين على هذه المنطقة بأي حال من الاحوال.

ولاربيل، او هولير، بوابات واسعة عدة، فإن كنت تريد دخولها من بوابة الطبيعة وجمالها الساحر فسوف تستقبلك وديانها الخضراء باستمرار وجبالها التي تكلل قممها الثلوج معضم فصول السنة، وشلالاتها التي تفاجئك وهي تنبثق من بين صخور الجبال لتمنح الحياة اينما تمر، وليس بعيدا عن مركز المدينة يمر نهر الزاب منحدرا بين ممرات جبلية مشكلا مناظر يصعب نسيانها.

واذا اردت ان تدخلها من بوابة التكنولوجيا، فسوف تحط بك الطائرة بمطارها الدولي الذي يستقبل كبرى الطائرات القادمة من أنحاء مختلفة من العالم، وعندما تهبط الى ارض المطار سوف تلاحظ بوضوح بناية مطار اربيل الدولي الجديد الذي يعد واحدا من اكبر مطارات المنطقة، كما سترى علم اقليم كردستان يرفرف بفخر بالوانه الابيض والاخضر والاحمر ووسطه تشع شمس ذهبية تبشر بمستقبل زاهر، ومن المؤكد ان الزائر لن يفوت اعجابه باتسامات الحسناوات الكرديات وهن يستقبلن الزائرين وسوف يحفظ كلمات الترحيب التي يطلقها الشباب وهم يقودوك الى صالات الاستقبال في المطار.

لكنك اذا فضلت دخول عاصمة اقليم كردستان من بوابة التاريخ فستجد نفسك وسط اقدم مستوطنة بشرية في المنطقة على الاطلاق تتوسط مركز المدينة، تلك هي قلعة اربيل التاريخية.

وتشهد اربيل (350 كلم شمال بغداد) في وسطها التاريخي كما في الأحياء الاخرى، حركة عمران واسعة للابنية الحديثة والقصور الفارهة والمكاتب ذات الواجهات الزجاجية بالاضافة الى المراكز التجارية. والمدينة عبارة عن ورشة ضخمة تنمو في احيائها المباني كغابات الورود البرية التي تنمو في وديانها وعلى سفوح جبالها.

ففي وسط المدينة، تحولت مقبرة قديمة الى قاعدة لمبنى قيد الانشاء توزعت حوله آليات ورافعات الاسمنت والحديد، ليتحول المكان إلى عمارة حديثة الطابع بعد ان تم نقل رفاة الموتى الى مقبرة جديدة.

وبالقرب من مطار اربيل، حيث تنطلق رحلات يومية الى مناطق مختلفة في الشرق الاوسط واوروبا، يرتفع مبنى شاهق من المقرر أن يكون فندق "امبير" المبني من 22 طابقا. وسيكون الفندق اعلى مبنى في كردستان.

كما تسير عمليات بناء عشرات الفنادق الاخرى قدما، مثل "بارك اربيل" بخمس نجوم والذي يعد بتوفير "غرف الاحلام" لزبائن المستقبل.

وتوزعت في ارجاء المدينة لوحات كبيرة تعلن تشييد مجمعات سكنية ستكون جاهزة قريبا مثل "دريم سيتي" (مدينة الاحلام) و"القرية البريطانية" و"رويال سيتي" (المدينة الملكية) والقرية الايطالية، وقريبا منها يقوم بناء مشروع حلبة سباق السيارات( فرمولا 1). ويجري تشييد هذه المجمعات المشابهة لمثيلاتها في كاليفورنيا على اراض كانت عبارة عن معسكر ومقر للفيلق الخامس الذي كانت تجري فيه تصفية الاكراد ابان النظام السابق. وتحولت مساحة كبيرة من ارض هذا المعسكر الى متنزه كبير يحمل اسم متنزه الشهيد سامي عبد الرحمن.

وتبلغ كلفة المنزل الفاخر في هذه المجمعات حوالى 250 الف دولار.وتعج المدينة بمشاريع بناء كتل سكنية شعبية ايضا.

وتبدو اربيل للناظر اليها من قلعتها التي يتجاوز عمرها الالف عام مدينة تختلط فيها المآذن والابراج غير المكتملة والهوائيات المخصصة لشركات الهاتف الخلوي والاتصالات ورافعات البناء الضخمة. وتتخذ القلعة موقعا في وسط المدينة، بل الاكثر دقة هي ان القلعة قائمة هنا منذ ستة الاف سنة وحولها قامت اربيل الجديدة.. اربيل كانت تعني القلعة فقط، وهي تقوم فوق هضبة عالية ومحاطة بسور يحميها من الغزاة.

الغريب في هذه القلعة انها ما تزال مأهولة بالسكان وقد اعلنت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) مؤخرا البدء بعملية ترميم قلعة اربيل التي يعتبرها بعض المؤرخين بانها بين اقدم المناطق الماهولة في العالم، بالاضافة الى الاهتمام بالمواقع الاثرية الموجودة في كردستان العراق.

وقال محمد جليد ممثل المنظمة في العراق ان اليونيسكو ستعمل على حماية الاثار الموجودة في اقليم كردستان من خلال اقرار مجموعة مشاريع واعداد الكوادر وتأسيس قناة تلفزيونية تربوية. واضاف جليد في مؤتمر صحافي مشترك مع نمرود بيثو يوخنا وزير السياحة وفلك الدين كاكائي وزير الثقافة في حكومة الاقليم ونوزاد هادي محافظ اربيل ان اليونيسكو قررت افتتاح مكتب في الاقليم ومشروعها الاول هو قلعة اربيل وعودة المياه الى قناتها وتدريب الكوادر على حماية الصناعات المهنية وتقديم المساعدة الى المتاحف.

واكد ان كردستان ستكون ضمن كل مشروع لليونيسكو في العراق وخصوصا في المجال التربوي. ويرجع بعض المؤرخين تاريخ قلعة اربيل الى قبل ستة الاف عام ويعتبرونها من اقدم المناطق الماهولة في العالم. وبحسب دراسات تاريخية، فقد مرت على القلعة الحضارات السومرية والبابلية والاشورية والاسلامية. وقد قسم العثمانيون القلعة الى ثلاث مناطق هي التكية والطوبخانة والسراي. وكان سكان القلعة يحصلون على المياه الصالحة للشرب من خلال قناة او مجرى مائي يزودهم بالماء من منطقة بستورة (تبعد حوالى خمسة كلم الى الشمال من اربيل) ولا تزال اثاره قائمة في مناطق عدة. وتسعى اليونيسكو الى اعادة ترميمها ضمن برامجها الخاصة بالقلعة. وتابع جليد ان احد القرارات التي اتخذتها المنظمة وحكومة الاقليم يتعلق بالاثار في كردستان حيث يوجد «اكثر من ثلاثمئة موقع ونعمل مع الوزارات المعنية من اجل حمايتها والاهتمام بها». واكد ممثل اليونيسكو «اهمية ترميم قلعة اربيل الاثرية فهو مشروع مهم ويتضمن مرحلة اولى لاتخاذ الاجراءات السريعة واللازمة ودراسة المشاكل الحالية ومدى حاجتنا للتمويل وتستمر هذه المرحلة من ستة الى ثمانية اشهر». واضاف «بعدها سيتم تدريب الكوادر الكردية في مجال حماية الاثار و بدانا العمل ودخلنا المرحلة الاولى ووقعنا اتفاقا مع حكومة اقليم كردستان لترميم القلعة».

من جهته، قال يوخنا إن «حكومة اقليم كردستان بادرت الى طلب مساعدة اليونيسكو لترميم قلعة اربيل وجعل المواقع الاثرية في كردستان مصنفة ضمن التراث العالمي والانساني» ، مشيرا الى ان قلعة اربيل نقطة جذب سياحية مهمة وكذلك تاريخ المنطقة.

بدوره، اشار كاكائي الى ان «التعاون مع اليونيسكو سيتخذ ابعادا عدة ابرزها الاعتراف بوجود كيان للثقافة الكردستانية».وتابع «بحثنا معهم مسالى افتتاح قناة تلفزيونية في كردستان».

وخصصت حكومة اقليم كردستان اراضي سكنية ومنح مالية ستم تسليمها لسكان القلعة الذين سيترونها لتبقى منطقة تاريخية وسياحية، كما ان غالبية البيوت هناك قديمة او غير صالحة للسكن. حكومة اقليم كردستان ترحب بالمستثمرين المحليين والعرب والغربيين ، من الاتراك واللبنانيين والسعوديين غالبا، عن طريق تشجيع القطاع الخاص، لتكون كردستان «بوابة رجال الاعمال الى العراق».

ويعيش اقليم كردستان استقلالا فعليا وان لم يكن رسميا، في بلد تعم في ارجائه الفوضى. وينتظر المسؤولون في ظل الازدهار الملحوظ عوائد الانتاح النفطي الذي يشهد توسعا مع السعي الى انتاج نحو مئة الف برميل يوميا.

ويسعى القائمون على امور الاقليم حيث يعيش نحو اربعة ملايين نسمة، الى ابراز منطقتهم «كواحة امان واستقرار».

وتتولى قوات البيشمركة الكردية وقوات الامن الاخرى مهمة المحافظة على امن الاقليم.

وتتباهى السلطات المحلية باقامة «ديمقراطية برلمانية نابضة بالحياة» مؤكدة ضمان الحريات الاساسية وحماية الاقليات، وخصوصا المسيحيين الذين لجأوا الى كردستان باعداد كبيرة هربا من العنف.

وهناك تسهيلات متنوعة مثل انتشار اجهزة الصرف المالي الالكترونية والحدائق العامة واماكن لممارسة بعض الهوايات الرياضية وسط استقرار امني راسخ.

وتنتشر حول مركز مدينة اربيل مواقع سياحية لم تمتد اليها يد الاستثمار حتى الان، مثل شلالات علي كلي بيك، وشلالات بيخال، كما تحيط بها القرى الكردية المبنية على سفوح الجبال مشكلة لوحات طبيعية رائعة الجمال.