كورنوول.. عنوان الشواطئ الجميلة في بريطانيا

جزر «سيلي» جوهرة متوسطية في الأطلسي

TT

يقصد السياح والزوار مقاطعة كورنوول Cornwall في جنوب غربي انجلترا وبريطانيا لأسباب عديدة ومهمة على رأسها البعد الجغرافي الممتاز الذي تتمتع به عن المناطق والمدن الرئيسية والطبيعة الخلابة وسواحلها الرائعة والنظيفة، بالإضافة الى بلداتها الساحلية والداخلية الهادئة والقديمة. وهي ايضا من المقاطعات المقصودة من قبل الفرنسيين على الجهة الاخرى من البحر حيث تقوم بين الجانبين علاقات تجارية واجتماعية تاريخية. وتقدم كورنوول بشكل عام الكثير من انواع العطل والنشاطات، فمن جهة يقصدها العشاق والشباب لاختلاس الوقت بعيدا عن اعين الاهل والاصدقاء كما يقصدها كبار السن الباحثون عن قليل من السلوى وكثير من الهدوء والمآكل التقليدية الإنجليزية، خصوصا المآكل البحرية.

وتعتبر المآكل في المقاطعة خاصة بها وهي خليط من المآكل التقليدية الإنجليزية والفرنسية والسلتية القديمة. كما تستوعب المنطقة الكثير من السياح الفنانين الباحثين عن مكان للعمل والرسم. وهناك الكثير من السياح الباحثين عن مناطق خاصة بالسير على الاقدام او التنقل عبر الدراجة الهوائية.

وهناك من يكفي من السواحل في كورنوول لجذب مشاهير التزلج على الماء ومختلف الرياضيين لما تقدمه من منافع وخدمات على هذا الصعيد. وتقول التقديرات الرسمية ان كورنوول تستقبل سنويا خمسة ملايين سائح، وتبلغ قيمة القطاع السياحي الذي يشكل ربع الاقتصاد هناك، حوالي 1.5 بليون جنيه استرليني سنويا. وتستقطب جزر «سيلي» (Isles of Siclly) نسبة كبيرة من هؤلاء السياح. ويبلغ عدد الجزر التي تبعد عن «لاندز اند» 28 ميلا حوالي 100 جزيرة، خمس منها فقط مسكونة. وهي اشبه بجزر البحر الابيض المتوسط، دافئة وخضراء وذات شواطئ رائعة.

ويمكن الوصول الى الجزر من جميع مطارات وموانئ «بورتسموث» و«بليموث» و«كارديف» و«برستول» و«اكستر» وهي مدن معروفة في ذلك الجزء من العالم. وعادة ما يلجأ الناس الى استخدام القوارب من مرفأ «بليموث» للوصول الى أي مكان ساحلي في كورنوول. الأحوال الجوية: كورنوول من المقاطعات الإنجليزية التقليدية والجميلة، التي تتمتع بأحوال جوية طيبة ودافئة (49 ـ 53 درجة مئوية) نسبة الى بقية المناطق والمقاطعات لموقعها الجغرافي الجنوبي الغربي المواجه للأطلسي. وما منح كورنوول هذه الميزة انها تتمتع بأكثر عدد من الايام المشمسة طوال العام (1541 ساعة)، وتتعرض شواطئها وخلجانها القديمة والرائعة التي يعود بعضها الى العصر الجليدي، لتيار المياه الدافئة الذي يأتي من المحيط الهادئ ويسخن الجزيرة البريطانية خلال فصل الشتاء ويمنعها من التجلد.

البحر: ولهذا السبب ايضا تضم كورنوول (فيها مدينة واحدة هي «ترورو») العديد من البلدات الساحلية الصغيرة والقديمة القريبة من الماء قرب الصخر من المحيط. ومعظم هذه البلدات تعتاش على الصيد وما يقدمه المحيط من خيرات من قديم الزمان. وتجذب هذه البلدات السياح الداخليين والاجانب لهدوئها وفرادتها وطبيعتها العذراء والخلابة. ولان البحر يشكل جزءا كبيرا من حياة الناس منذ قديم الزمان في كورنوول او ما يعرف احيانا بـ «الكورنيش» كما ذكرنا، فإن الكثير من سكان هذه البلدات الفقيرة في القرون الماضية وحتى زمن قريب كانوا يستفيدون من إنقاذ بضائع السفن الغارقة التي كانت ترميها الامواج الى الشاطئ، خصوصا ايام الشتاء حيث تشتد العواصف ويجن البحر. والمنطقة او جزء كبير منها أشبه جغرافيا بـ «كورنيش» رأس بيروت او بيروت التاريخية نفسها التي يحيط بها البحر من كل الجهات باستثناء شرقها القريب من الجبل. لكن المنطقة على عكس بيروت تتعرض لامواج عاتية وتتمتع بواجهات ومنحدرات صخرية شاهقة وحادة تحميها من غضب المحيط خصوصا في شمال كورنوول. وتعرف المنطقة الواقعة بين «بوس كاسل» و«تينتاغيل» بـ «الصخرة الشاهقة» لارتفاعها عن سطح البحر 224 مترا. وبين المرتفعات الصخرية والبحر شواطئ رملية ضيقة تشكل نقطة جذب اساسية للسياح الباحثين عن مياه نقية وبالتالي تشكل مصدرا اقتصاديا مهما للمنطقة. ومن أهم هذه الشواطئ: «بد» ( (Bude) و«سانت اغناس» St Agnes و«سانت ايفيس» St Ives و«بارينبورث» (Perranporth ) و«بولزيث» و«فسترال بيتس» و«لستي غليز» و«نيوكيو» ( Newquay) . المناطق الجنوبية محمية أكثر لكن شواطئها مليئة بالحصى الصخور الغرانيتية المترامية هنا وهناك. اما المناطق الداخلية فهي مناطق زراعية او ريفية إذا صح التعبير تعتاش على الارض والماشية والهجرة.

وبسبب البحر ايضا تملك منطقة كورنوول العديد من المغاور والكهوف والانفاق القديمة التي كان يستخدمها البحارة والقراصنة والمهربون خلال الكثير من عملياتهم الخارجة عن القانون منذ مئات السنين. ويصعب الا يمر الزائر بأحد هذه الكهوف اثناء جولات تفقد المنطقة مشيا على الاقدام، خصوصا في بلدة «لاندز اند» ( Lands End) و«سانين كوف» و(Sennen Cove).

المآكل: من المعروف ان المآكل في منطقة كورنوول تاريخيا، خليط من الاطباق السلتية والفرنسية والإنجليزية التقليدية والاطباق الخاصة والنابعة من المنطقة ذاتها. لكن اهم ما في الامر ان معظمها من الانواع البحرية ومن الانواع الطازجة. وكما هو معروف فإن مرفأ «نيولين» (Newlyn) من اكبر مرافئ بريطانيا الخاصة بالصيد. وقد اختار الكثير من الطباخين المعروفين في بريطانيا المنطقة لتأسيس مطاعمهم الخاصة بالأطباق البحرية ومن هؤلاء «جيمي اوليفير» الذي يمتلك الآن مطعمين في «ووترغيت باي» (Watergate Bey) ، وجون تورود. ومن اشهر هذه المطاعم في المنطقة «فيفتين» (Fifteen) و«سميثس» (Smiths) و«بورث مينيستر» (Porthminster) في «سانت ايفيس» و«بلو بار» (Blue Bar) في «بورث تاون» (Porthtown). ومن اشهر المآكل المحلية ما يعرف بـ «فطيرة» «ستار غيزي» الخاصة بالسمك. وتعرف المنطقة بمعجناتها المختلفة الانواع وأهمها ما احتوى على اللحم والبصل والبطاطا والملح والفلفل الابيض المطحون والكراث. وكان اهل المنطقة قديما يحشون الفطائر بالمربى والحلويات والسكاكر المصنوعة من الفاكهة المحلية مثل الخوخ والتفاح والإجاص والعليق. ولان المنطقة تتعرض للكثير من الامطار في بعض اجزائها، فإن انتاج التربة محدود، ويتحول التركيز إلى قطاعات أخرى للإنتاج مثل الكريم المخثر والبوظة. كما تنتج المنطقة الكثير من انواع الكعك (وأهمها ما خلط بالزعفران).

التاريخ: الصفيح او القصدير او التنك هو تاريخ هذه المنطقة او بالاصح المقاطعة التي ظلت اهم مركز للمناجم في العالم حتى بداية القرن العشرين والثورة الصناعية التي اعتمدت على الصلب والفحم الحجري لاحقا. ولا تزال آثار مناجم الصفيح منتشرة في كل حدب وصوب لدرجة ان صنفتها وكالة اليونيسكو على انها من المواقع والمحميات التي تعتبر جزءا من التراث الإنساني.

ولأن المناجم كانت جزءا من حياة الناس في العصور الغابرة، كما كان الحال في شمال انجلترا واسكوتلندا وويلز فإن الهجرة من المنطقة تركزت منذ القرن السابع عشر على استراليا ونيوزيلندا وكندا وجنوب افريقيا، حيث كان ينتعش قطاع المناجم وينمو. وقد اتبعوا نفس الطريق الذي اتبعه اخوانهم من السلتيين كالاسكوتلنديين والايرلنديين وغيرهم.

يعتبر اهل المنطقة انفسهم مختلفين ومستقلين عن بقية المناطق البريطانية، إذ ان لهم تاريخهم ولغتهم الفريدة المستمدة من التراث السلتي ولهم علمهم الشهير الذي يعود تاريخه الى الحروب الصليبية. والعلم عبارة عن خمس عشرة كرة ذهبية على خلفية سوداء، وتعبر الكرات عن الفدية التي دفعها اهل المنطقة للغساسنة أثناء الحروب الصليبية مقابل اطلاق سراح زعيمهم دوق كورنوول الذي اسر اثناء معارك غزة وعسقلان. وفيما كان سكان كورنوول مستقلين قبل الغزو الروماني وخلال استقرار الرومان (سموا المنطقة باسمها) في الجزيرة الخضراء اخضعوا لاحقا لحكم الإنكليز (الانغلو ساكسانز). لكن جزءا كبيرا من السكان (600 الف) لا يزالون يحلمون بالاستقلال عن لندن كما هو الحال في اسكوتلندا. ويشير بعض روايات المؤرخ اليوناني ديودوروس ساكيلوس الى ان اهل كورنوول كانوا منفتحين على العالم وتعاملوا مع الفينيقيين منذ قديم الزمان.