مصر: فندق مينا هاوس أوبروي.. فخامة القصور الملكية

في جنباته حداثة التصميم وعراقة التاريخ

ارقى انواع الخدمة الفندقية في قالب من التاريخ العتيق («الشرق الأوسط»)
TT

إنه حالة خاصة بين فنادق العاصمة المصرية، لا لكونه يمنحك تميز الإقامة الفندقية وحسب، لكنه يعطيك الفرصة للتأمل في حضارة لم تزل تبهر العالم في صمت من دون حديث أو ضجيج، فصباحك ومساؤك في فندق مينا هاوس أوبروي يهديك الاطلالة على هضبة الأهرامات الشهيرة وحارسها أبو الهول، فيما تتمتع بفخامة الخدمة التي تمنح لك. ولهذا فإن الوجود فيه ليس مجرد إقامة في أحد فنادق الخمس نجوم، لكنه قصة أخرى تحتوي على العديد من عناصر التشويق والإثارة الممزوجتين بروح التاريخ القديم والمعاصر والتي تجعل من النزول في هذا الفندق متعة ما بعدها متعة. بدءاً من اسمه الذي تخطى عمره المائة عام، وقصة إنشائه وبدايته كاستراحة لأحد ملوك مصر الذي حوله بدوره لمقر استقبال لواحدة من أشهر ملكات العالم، مروراً ببيعه لأحد محبي الآثار والفخامة الانجليز، ثم قصة تحوله من قصر إلى فندق، انتهاء بتبعيته لسلسلة فنادق أوبروي العالمية التي تمتلك العديد من الفنادق المميزة في شتى بقاع الأرض من بينها ثلاثة فنادق في المنطقة العربية وهي المدينة أوبروي، وأوبروي سهل حشيش بالبحر الاحمر، وأخيراً فندق مينا هاوس. البداية مع فندق مينا هاوس كانت في ستينات القرن التاسع عشر، حينما أراد الخديوي إسماعيل عاشق الجمال ومهديه حتى يومنا هذا للقاهرة، أن يبني لنفسه وعائلته استراحة مميزة عند هضبة الاهرامات بالقرب من صحراء أبو رواش، لا لأنه يحب الاهرامات ورؤية أبو الهول فقط، لكنه أراد أن يبني مكاناً يستريح فيه عندما يقرر القيام برحلات الصيد في الصحراء. فبنى قصراً على مساحة 40 فدانا وأحاطه بحدائق رائعة كانت كواحة في قلب الصحراء، وظل القصر كذلك مجرد استراحة للخديوي وأصدقائه، حتى كان عام 1869 الذي شهد احتفال مصر بافتتاح قناة السويس، ذلك الحفل الذي دعا له الخديوي إسماعيل ملوك وكبار الشخصيات في أوروبا وكانت على رأسهم الملكة أوجيني، التي لا يخفى اهتمام الخديوي بها الى الحد الذي جعله يعد من استراحة هضبة الهرم الخاصة به، قصراً تنزل به ملكة فرنسا إذا ما أرادت زيارة الاهرامات، خوفاً عليها من مشقة العودة الى قصرها الذي كان قد اعده لإقامتها بالقاهرة الذي تحول هو الآخر لفندق عريق هو فندق الماريوت القائم بحي الزمالك. ومن الطرائف التي تحكى عن الخديوي إسماعيل أنه أمر بتمهيد الطريق المؤدي الى الأهرامات من الفندق وبه نوع من الميل، حتى إذا ما سارت العربة التي تجرها الخيول وبها الخديوي وبجواره الملكة أوجيني مالت الأخيرة على الخديوي، لتجد نفسها ومن دون قصد منه، مستندة على كتفيه! وعلى الرغم من فخامة تأسيس القصر، وملكيته لأحد حكامها، إلا أنه وفي سابقة لم تتكرر مع قصر من قصور العائلة العلوية في مصر، بيع القصر في عام 1883 بعد أربع سنوات من عزل الخديوي إسماعيل عن حكم مصر وتولية الخديوي توفيق. كان المشتري أحد الاثرياء الانجليز وكان يدعى السير فريدريك هيد، الذي أعجب بالقصر وموقعه عندما زار المنطقة هو وزوجته، وجذبهما له ما يحيط به من آثار هي قبلة العالم حتى الآن، بالإضافة الى كونه أحد أملاك الخديوي إسماعيل الذي كان مشهوراً لدى الأوروبيين وقتها، بحث الزوجان عن اسم للقصر الجديد، وكانا في حيرة من أمرهما حتى أشار عليهما أحد أصدقائهما باستحضار روح التاريخ فيما يطلقانه عليه من أسماء، فاقترح عليهما أن يطلقا على المنزل اسم «الملك مينا موحد القطرين في مصر الفرعونية، وهكذا صار القصر يدعى «مينا هاوس» أي منزل مينا. وليظل الاسم مرتبطاً بالقصر حتى بعد تحوله لفندق عريق. لم يكن الاسم هو الإضافة الوحيدة للسير فريدريك في قصر الخديوي السابق، بل أضاف له طابقا ثانيا واهتم بحديقته وزرع بها العديد من انواع الأشجار التي زادت من سحر المكان ورونقه في قلب صحراء هضبة الأهرامات. ورغم ذلك كان قرار السير فريدريك ببيع القصر في عام 1885 بعد تضاعف سعره، حيث باعه لعائلة بريطانية أيضاً كانت تشتهر بعشقها للآثار المصرية القديمة وهي عائلة «لوكيه كينغ»، التي اتخذت قرارها بتحويل القصر إلى فندق استغلالا لشهرته وذيوع صيته، كان الشغل الشاغل لعائلة لوكيه هو تطوير القصر على الطراز الأوروبي الحديث من خلال وضع بعض اللمسات المميزة للديكور والعمارة البريطانية، إلى جانب ترميم ما به من تحف كانت من مقتنيات الخديوي إسماعيل وتوزيعها على غرفه مع الحفاظ على روح الطراز الشرقي الذي بني عليه القصر، وفي مقدمة تلك التحف نجفة كبيرة قاما بوضعها في بهو الفندق، بالإضافة إلى ترميم نوافذه التي تميزت بمشربيات عربية رائعة، وموزاييك وتحف ومنحوتات خشبية مع الحفاظ على اسمه الذي عرف به، وليستقبل الفندق زائريه في عام 1887. حمام السباحة الخاص بالفندق بني في عام 1890، بينما تمت إقامة ملعب الغولف الخاص به على الرمال في عام 1899 وقد ظل على حاله حتى تم تحويله الى ملاعب خضراء بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وهو ملعب مجهز بكافة الوسائل التي تجعل من ممارسة تلك اللعبة متعة فيما تطل العين على أهرامات الفراعنة. علاقة فندق مينا هاوس بالتاريخ لا تنقطع عند تلك الاحداث، لكنها تمتد إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، ففي الحرب الاولى 1914 ـ 1918 ومع انقطاع سبل النقل والمواصلات، تحول الفندق لمقر إقامة جنود استراليا، أما في الحرب العالمية الثانية فقد شهد الفندق اجتماعات عدد من قادة قوات الحلفاء، مثل الاجتماع الذي تم بين ونستون تشرشل والرئيس الأميركي روزفلت لمناقشة خطط الحرب في عام 1943، كما ذكر تشرشل في مذكراته، ونزل به القائد الانجليزي مونتغمري الذي ما زال الجناح الذي أقام به يحمل اسمه حتى الآن، ويتميز بتراسه المطل على هضبة الأهرامات وهو ما يجعل تناول العشاء فيه شيئاً مميزاً، ليس هذا فقط، بل ان مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل التي رعتها الولايات المتحدة الاميركية في نهاية السبعينات تمت في هذا الفندق الشهير، ومن بين كبار الشخصيات التي زارت مينا هاوس وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر الذي كان قد حضر لمصر عام 1974 لبحث إنهاء الأزمة العربية الإسرائيلية. وعقب انتهاء محادثات اليوم الأول، أراد كيسنجر الحصول على قسط من الراحة في المساء، فأقامت الخارجية المصرية حفلة عشاء بالقاعة الرئيسية لفندق مينا هاوس على شرف كيسنجر أحيتها الراقصة نجوى فؤاد التي كانت الاشهر بين راقصات مصر وقتها حتى أن كيسنجر اعجب بأدائها فصعد للمسرح، كما ذكرت في حوار سابق لها، ورقص معها وهو يقول بالانجليزية «بيوتيفول» أي رائع بالعربية. حتى أن نجوى فؤاد أعلنت في العام الماضي عن تبرعها بالبدلة التي رقصت بها أمام كيسنجر، للفائزة الأولى في مهرجان الرقص الشرقي السابع الذي أقيم في فندق مينا هاوس أيضاً. يبعد فندق مينا هاوس عن مطار القاهرة بنحو 45 دقيقة بالسيارة، إلا أن الإقامة به تمنح القاطن به فرصة للاستمتاع بعالم من التاريخ والهدوء معاً، حيث يتكون المبني التاريخي من أربعة طوابق تميزها سلالم الرخام الابيض الذي يتماشى مع طراز العمارة الإسلامية التي شيد بها القصر، كما تتنوع مستويات غرف الفندق البالغ عددها 486 غرفة، من بينها 96 غرفة في القصر الرئيسي للفندق و390 غرفة في الحديقة الخاصة به وجميعها تم تجهيزها على أحدث الطرز في عالم الديكور، ويتوسط غرف الفندق جميعا أكبر حمام سباحة في القاهرة، وملعب الغولف الذي يتميز بحفره الثماني عشرة وملاعب التنس. كما يوجد بالفندق أكثر من قاعة لإقامة الحفلات والمؤتمرات تتدرج سعة كل منها حسب الحاجة وتبدأ بقاعة تستوعب خمسين فردا إلى أخرى يمكنها استيعاب ألف شخص ومزودة بجميع التسهيلات الخاصة بالحفلات والمؤتمرات. أما المطعم الرئيسي للفندق فقد كان مدخل الاستراحة الخديوية في ما مضي من أزمنة، وقد نجح فندق مينا هاوس في تطوير أبنيته وبهوه المزين بالرخام مع الاحتفاظ بمعالم البناء والمعمار القديم وفي مقدمتها الأرابيسك الذي يميز الفندق، سواء في بعض الأثاث أو الحوائط الخشبية التي استخدمت كفواصل بين القاعات أو طرقات الفندق التي جرت لها العديد من التوسعات منذ عام 1971 حين تولت شركة أوبروي إدارة الفندق ونفذت به الكثير من التوسعات حتى أصبح واحداً من الفنادق المهمة والمميزة في العالم. ومن بين ما يميز فندق مينا هاوس اطلاقه أسماء الشخصيات المهمة التي أقامت به واطلاقها على الغرف والاجنحة مثل جناح تشرشل، ومونتغمري.

وإذا كان العاملون في الفندق يحكون لنزلائه طرفة تبدأ بتساؤل يقول: أين كان يقيم الفراعنة وقت بناء الاهرامات؟ والإجابة: بالطبع في مينا هاوس أوبروي، فإن عليك ان تختار في أي العهود تريد العيش، العصر الفرعوني الذي يطل الفندق عليه ويحمل اسمه، أم عصر الخديوي إسماعيل والامبراطورة أوجيني، أم العصر الحديث بما فيه من حكايات الحروب ومعاهدات السلام؟ وأياً كان اختيارك، ففي كل الاحوال تبقى الإقامة في مينا هاوس متعة تعيش في الذاكرة.