فندق إمبريال النمساوي.. راحة لك وللطبيعة

هدفه المحافظة على البيئة والحد من التغير المناخي

الصالون الغربي في فندق أمبريال.. علامة فارقة يميزه عن باقي الفنادق («الشرق الأوسط»)
TT

في هذا الموقع بالضبط، كان الديوك فورتمبرغ يقف في قمة هذا الدرج لاستقبال ضيوفه. وفي هذا الجناح تمت استضافة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله اثناء زيارة رسمية قام بها للنمسا عندما كان وليا للعهد عام 2004. أما هذا فتوقيع خلفه واحد من الجنود الروس الذين دخلوا فيينا بعد هزيمة النازية، وكانت القوات الروسية قد اختارت هذا الفندق كمقر لها ما بين 1945 الى 1955.

تلك معالم ركز عليها مرشدي في جولة لـ «الشرق الأوسط» بفندق امبريال فيينا، وهو يحكي عن تاريخ الفندق الذي تم تشييده عام 1863، كقصر خاص للديوك فوتمبرغ، والذي تم تحويله الى فندق عام 1873. ليصبح اليوم واحدا من افخم الفنادق بالعاصمة النمساوية، يستقبل كبار الملوك والرؤساء وضيوف الدولة، والاثرياء جدا من زوار البلد. بالاضافة لكونه يقود ثورة بيئية خضراء تعتري الفنادق النمساوية، لتصبح اكثر وئاما مع الطبيعة، واقل تأثيرا في التغيير المناخي الذي يثير القلق في العالم.

وفي لفتة ترحيب خاص بالمسلمين من النزلاء، يضيف الفندق لبرنامجه الاخضر، برنامجا خاصا يسمونه «أهلا وسهلا» من ذلك مثلا أن تضم الاجنحة، مصحفا وسجادة للصلاة وبوصلة، بالاضافة لصحن مليء بتمر من أجود الانواع. أما ان كان الضيف في مكانة جلالة خادم الحرمين الشريفين فان ادارة الفندق تحرص على (تغطية وستر) تمثال رائع يصل ارتفاعه الى 170 سنتميترا، يزن 200 كيلوغرام من المرمر، لسيدة شديدة الجمال تقف عارية في منتصف قمة الدرج الذي يقود من المدخل للطوابق العليا. هذا وقد اضحى هذا التمثال أخيرا معلما من معالم الفندق، فيما رمز في الزمان الماضي لخيرات نهر الدانوب من طعام بحري، خاصة الاسماك. زيارتي لفندق امبريال كانت بقصد الاطلاع على برامج الفندق لمواكبة سياسة «الاخضرار» والتعايش مع الطبيعة، والحفاظ على البيئة التي تعيشها النمسا، لاسيما وان الامبريال نال الجائزة السياحية للحفاظ على البيئة. Eco Quality label for Tourism بحصوله على المركز الاول من بين اكبر 12 فندقاً نمساوياً، بالاضافة لعدد آخر من المؤسسات.

ورغم ان النزيل لن يلاحظ اية تغييرات في اسلوب التعامل، ونمط الضيافة الذي يتبعه الفندق منذ القرن الثامن عشر، الا ان الفندق اصبح يواكب باطراد متطلبات العصر من تغييرات بيئية ضرورية تضفي لمسة عصرية صحية، في ظل الحفاظ على الاجواء الارستقراطية، والطابع التقليدي الكلاسيكي الهادئ الذي يميزه.

هذا ومن شروط الحصول على الجائزة السياحية الخضراء، الانضباط بيئيا في امور بعينها. من ذلك مثلا: ان يتمكن القائمون بأمر المؤسسة او الفندق من تقدير ما يحتاجون استهلاكه من طاقة كهربية ومياه، وما يتم انتاجه من فضلات شهريا وسنويا، بدرجة عالية من الدقة. وان يكون في مقدروهم توفير احتياجاتهم بصورة لا يلجأون معها للتخزين.

ان يقتصر شراء المشروبات كافة، على قنان زجاجية مصنوعة من زجاج يعاد تدويره. ويتم اسخدام بيض من دجاج تنتجه مزارع صناعية. وكل الماكينات المستخدمة للغسيل آليا، سواء للملابس او الاواني، حديثة من النوع الذي يحافظ على الطاقة والذي يتحكم في كميات الصابون المستهلك. لا يتم عرض حيوانات او طيور او ضفادع، من النوعيات المهددة بالانقراض بغرض الزينة والديكور.

وتحسبا للالتزام بالحد من استهلاك الطاقة، ينتهج فندق الامبريال سلوكاً هندسياً يقلل ما امكن من الطاقة الكهربية غير اللازمة، من ذلك اتباع نظام اضاءة تنطفئ بموجبه نصف الاضاءة بالفندق اتوماتيكيا، بعد الساعة 11 ليلا، كما تم استبدال ما امكن من اللمبات من نوع خاص يستهلك طاقة كهربية اقل.

أما الثورة الكبرى للحفاظ على الطاقة فقد تمت في تغيير انظمة التبريد والتدفئة. بدءا من استبدال زجاج النوافذ بانواع ذات خواص معينة، تساعد في ذات الوقت على حجب الصوت بحيث يعيش النزلاء في هدوء تام رغم ان الفندق يقع في قلب البلد محاطا من جوانب ثلاثة بشوارع رئيسية، اكبرها شارع الرنق او الدائرة، الذي يلف قلب المدينة القديم. من جانب آخر، اكتمل العمل على اعادة تدوير الهواء الساخن الذي تلفظه اجهزة التنقية، واستخدامه في التدفئة مما ساعد على الحفاظ على 70 ألف كيلووات / ساعة في العام. ما يقدر باستهلاك 10 آلاف منزل نمساوي من الكهرباء طيلة عام كامل.

هذا ولم تتجاهل الثورة الخضراء ما يتميز به الفندق من الثريات المصنوعة من الكريستال الخالص، التي تعتبر جزءا من مكملات الفخامة بالفندق، بل طرأ تغيير كبير على اسلوب نظافتها، وذلك باتباع نظام تنظيف يعتمد على «البخ» باستخدام مرشات، ما قلل من كميات المياه التي كانت تروح هدرا في غسلها، ما ساعد بدوره مع الحرص على ضبط الاستهلاك المائي في الفندق، على توفير ما يقدر بـ 400 مليون ليتر من الماء سنويا. وفي ذات السياق تم الاجماع على ضرورة التركيز على اختيار انواع المنظفات والصابون، اللازم لغسل الاغطية، على تلك الانواع التي لا تضر بالبيئة.

ليس ذلك فحسب بل تقوم الادارة، كما اوضح لـ «الشرق الأوسط» المسؤول مارتن هايندل، بمتابعة بحوث وتجارب تدرس امكانية استخدام انواع من قطع التنظيف يتم تصنيعها من أنسجة خاصة لا تحتاج لاضافة مواد منظفة، مكتفية بشيء من البلل بالماء العادي. هذا وقد اجتاحت السياسة الخضراء مطابخ فندق امبريال، وشقيقه الاصغر فندق بريستول الذي تم افتتاحه عام 1892 بالاضافة لفنادق نمساوية اخرى، فأصبحت تعتمد اعتمادا شبه كلي على المنتجات الغذائية المحلية، مساهمة في الحد من الرحلات الجوية غير اللازمة، وما تتسبب به من تلوث مناخي. مع تركيز شديد على المنتجات الزراعية التي يتم انتاجها طبيعيا، بدلا عن تلك التي تعتمد على الاسمدة الصناعية. هذا بالاضافة للحرص التام على فرز النفايات للفصل ما بين الفضلات البلاستيكية والمعدنية والاوراق والمواد الغذائية، كجزء من السلوك اليومي اللازم، للحفاظ على بيئة صحية جميلة. دع عنك كونه شرطا من شروط المنافسة لنيل الجائزة السياحية لبيئة خضراء.