الرقة.. تتلألأ في الربيع وتنعش زوارها بنسيمها

جارة نهر الفرات وشبيهة بغداد

قلاع وجدران اثرية.. لا تزال واقفة متحدية الزمن («الشرق الأوسط»)
TT

تقول الحكاية التاريخية إن الخليفة العباسي هارون الرشيد كان يسافر مع موكبه من مقر حكمه في بغداد إلى مدينته المفضلة (الرقة) السورية في طريق طويل تحيط به الأشجار من كل ناحية وصوب، فلا يشعر بحر الصيف وحرارة شمسه اللاهبة.. وهذه الحكاية التي سمعناها كثيراً ونحن نجوب مدينة الرقة من قبل أهلها ومسؤوليها. ليؤكدوا لنا كم كانت هذه المدينة مزدهرة في العهد العباسي والتي اعتبرها هارون الرشيد العاصمة الثانية للدولة العباسية فترك بها آثاراً هامة كبقايا قصوره والأسوار والمساجد والخزف الرقي الشهير.. وحيث أصبح طريق هارون الرشيد إلى الرقة صحراوياً ولم يتبق منه إلاّ بعض الأشجار وسهوباً وسهولاً خضراء يستمتع بها القادم من الطريق الواصل ما بين مدينة دير الزور والرقة والذي يبلغ طوله حوالي 130كلم، فإن الرقة تبقى جارة نهر الفرات الأبدية وملهمته حيث يقدم لها وعلى ضفافه أجمل الغابات الخضراء الخلابة في فصل الربيع تستعيد من خلاله ألقها وجمالها فتنتظر قدوم زوارها لتقدم لهم فنجان قهوة عربية مع جولات حالمة على ضفاف نهر الفرات وفي مياهه الرقراقة وبين هوائها وغاباتها المائية المنتشرة بين ثنايا وخبايا النهر الرائع. كيف يمكن للسائح أن يصل الرقة؟

تقع مدينة الرقة على ضفة نهر الفرات اليسرى في قلب الجزيرة الفراتية وبادية الشام وهي تتوضع شمال شرق العاصمة دمشق وتبعد عنها مئات الكيلومترات ويمكن للسائح أن يصل إليها عبر طريقين: الأول وهو الأقدم والأطول حيث يمر بالطريق الدولي من دمشق إلى حمص فمدينة حلب ثم الرقة ويحتاج السائح لحوالي ست ساعات ليصل الرقة حيث يبلغ طوله 550 كلم أو بإمكانه أخذ الطريق المختصر الجديد حيث ينطلق من دمشق إلى حمص ومن هنا يتجه شرقاً عبر طريق السلمية، فالطريق الجديد إلى الرقة، حيث يختصر الوقت إلى 4 ساعات والمسافة إلى 350 كلم وإذا ما اختار السائح الطريق الأول فيمكنه زيارة مدن رئيسية كحمص وحماه ومعرة النعمان، في حين إذا اختار الطريق الثاني فيمكنه الاستمتاع بأجواء البادية السورية من جهتها الغربية حيث يعبر أماكن هامة فيها مثل أسرية التي تضم أقدم قصر أثري سوري وهو (سريانا) والتي يقال انها أم سوريا القديمة كما يمكنه الاستمتاع بأوابد الرصافة وقلعة جعبر قبل أن يصل إلى الرقة. وكيف يمكن للزائر أن يقضي وقته في الرقة وماذا سيزور؟

الرقة مدينة تاريخية بنيت قبل آلاف السنين واستفادت من نهر الفرات كطريق مائي لمرور البضائع والسلع من بلاد الرافدين إلى البحر المتوسط فكانت محطة تجارية واقتصادية هامة ولكن الازدهار الكبير لها كان في فترة حكم هارون الرشيد الذي أحبها حباً كبيراً وجعلها مدينة مركزية في بلاد الشام وعاصمته الثانية بعد بغداد... والرقة حاليا مركز محافظة تضم العديد من مراكز الخدمات ويشتهر سكانها بمحافظتهم على العادات العربية الأصيلة حيث الكرم والجود ومساعدة الزوار واستقبال السياح بالقهوة العربية والمناسف والخبز البلدي ويمكن للسائح أن يقضي يوماً كاملاً يتجول بين أوابدها المعمارية القديمة وفي حدائقها الجميلة وأن يتجول على ضفاف نهر الفرات وفي المحميات الرطبة المقامة بجانبه وأن يأخذ رحلة نهرية في قارب محلي يسير ببطء في مياه النهر يستمتع الراكب فيه وهو يسير بمناظر خلابة رائعة من سهول خضراء وأشجار الحور الفراتي وشجيرات عديدة وحيوانات برية في (حوائجها) الشهيرة والتي هي عبارة عن جزر طبيعية في نهر الفرات وأشهرها حويجة أبوقبيع وتبعد 10دقائق بالسيارة عن الرقة، وهناك حويجة السوافي مقابل مدينة الرقة مباشرة وحويجة طاوي رمان وغيرها. ويمكن للسائح أن يزور المواقع الأثرية فيها، حيث هناك سورها المرمم والذي يبلغ طوله (5) كلم، وهناك باب بغداد وهو الوحيد الذي تبقى من بوابات الرقة وهناك قصر البنات والمسجد الكبير، وجميع هذه الأوابد المعمارية المبنية بالآجر الوردي اللون تبرز فن العمارة في العصر العباسي. ويذكر مؤرخو الرقة أن هارون الرشيد بنى (قصر السلام) وسمي بالقصر الأبيض وكان خارج سور المدينة كما بنى رجال دولته قصوراً لهم بجواره وأمر الرشيد ببناء كل ما يلزم من وسائل الراحة والترف كميادين سباق الخيل وملاعب الصولجان وحقول الصيد وموانئ السفن والحراقات والحدائق المزدهرة على ضفتي الفرات. ويقول المؤرخون ان الخليفة العباسي المنصور هو الذي أمر ببناء الرقة العربية (الرافقة) إلى جانب الرقة البيزنطية، على طراز خطة بغداد حيث شابهت بغداد في بيوتاتها وأسوارها الداخلية والخارجية وأبوابها بعد أن ولي عليها لفترة، حيث أعجبه موقعها وطيب هوائها وعذوبة مائها. وبعد استلامه الخلافة أرسل ابنه المهدي ولي عهده إلى الرقة. ويمكن للسائح أن يزور متحف المدينة ليشاهد روائع فن الخزف الرقاوي حيث عرف (الرقاويون) بصناعة الخزف ذي البريق المعدني وذي الزخارف ومنها الزهريات والأباريق والسلاطين والكاسات، أما ألوان البريق المعدني الذي استخدمه الصناع المهرة فهو البني الداكن وهو من الألوان النادر استعمالها في مراكز صناعة الخزف الأخرى، وهناك خزف الرقة المزود بزخارف سوداء تحت طلاء أزرق فيروزي. وتنتشر بعض آثار الرقة في كثير من متاحف العالم كمتحف الميتروبوليتان في أمريكا حيث يضم جناحاً خاصاً عن زجاج الرقة وخزفها وكذلك في متحف فريرغاليري بواشنطن وفي متاحف باريس وألمانيا. وتنتظر مدينة الرقة إنجاز متحف ضخم وكبير تعمل مديرية الآثار السورية حالياً على وضع المخططات له بعد أن حددت الأرض التي سيقام عليها وسيكون بديلاً عن متحفها الصغير الحالي. ويمكن للسائح أن يزور حدائق المدينة الجميلة وأشهرها الحديقة العامة التي ينتصب فيها تمثال هارون الرشيد وأن يستمتع بحضور فعاليات مهرجان المدينة السياحي والثقافي والتراثي الذي يقام في ربيع كل عام، وتحديداً في شهر أبريل (نيسان) وكذلك يمكن أن يشاهد عروضاً لفرقتها الفنية الشهيرة (فرقة الرقة للفنون الشعبية) التي أسسها الفنان اسماعيل العجيلي والتي يعتز بها الرقاويون والتي وصلت شهرتها إلى مهرجانات عربية وعالمية كثيرة، كما يعتزون بأديب المدينة الشهير طبيب الرقة عبد السلام العجيلي، كذلك يمكنه وإذا كانت زيارته في فصل الخريف أن يستمتع برحلات بيئية يقوم بها مثقفون وتشكيليون ودعاة للحفاظ على البيئة من الرقة إلى دير الزور وتسمى رحلة من توتول إلى ماري، سائرين في نهر الفرات على خطى ملوك ورحالة من العهد الروماني يسيرون متنقلين في نهر الفرات بين المدن القديمة الشهيرة. أين يأكل وينام السائح؟

إذا كانت الرقة عانت في السنوات الماضية من ضعف الاستثمار السياحي فيها، ففي الأيام الحالية تشهد نهضة سياحية، حيث أبدى العديد من الشركات العربية والدولية العاملة في مجال الاستثمار السياحي رغبتها في إقامة المنتجعات والمجمعات السياحية الضخمة، وبالفعل بدأت إحدى الشركات الكويتية بإقامة منتجع سياحي على ضفاف بحيرة الأسد بجانب سد الفرات المجاور لمدينة الرقة. كما أن هناك عروضاً لإقامة فنادق من مختلف الفئات في الرقة، وما زال العديد من مواقع الرقة الطبيعية الخلابة تنتظر هذه الشركات ورجال الأعمال. وحالياً يمكن للسائح أن ينام في أحد فنادق الرقة القليلة نسبياً و كذلك مطاعمها حيث ان المدينة ما زالت تحافظ على عاداتها الأصيلة، حيث هناك المضافات لاستقبال ومنامة زوار المدينة و بشكل مجاني من قبل بعض الأسر الرقاوية الثرية والعريقة. وفي الرقة هناك فندقان يمكن للسائح أن ينام فيهما وهما (الكرنك السياحي) ثلاث نجوم هاتف (021232265) والسياحة (نجمة واحدة) هاتف (220725) وهناك (عمار) نظام الشقق المفروشة ـ هاتف (222612) أما مطاعم الرقة فهناك: الرشيد ثلاث نجوم هاتف (221919) ودرة الفرات ثلاث نجوم هاتف (225851) والأمير نجمتان هاتف (239070) والرابية (نجمتان هاتف ـ 230047 ـ والشرق (220502) و المسبح البلدي (233503) وسمير هاتف 222386 وغسان هاتف (223972) ونقابة المعلمين (220632) وجميع هذه المطاعم من فئة النجمتين، وهناك من فئة النجمة الواحدة مطعم الغوطة هاتف (224936 ) والفردوس هاتف (235161) كذلك يمكن للسائح أن يتناول فنجان قهوة تركي أو إيطالي أو فرنسي أو كأس شاي أو عصير في كافيتريات تنتشر في الرقة ومنها: الغدير وعين العروس والموعد هاتف ـ 221767 ـ والواحة ـ 221760 ـ وصحارى ـ 239488 ـ وجميعها من فئة النجمتين سياحياً.