الخرج.. فيها تكتمل صورة الطبيعة

آثارها وعيونها وضعتاها في قلب المعادلة

الخرج تجتذب السياح لغناها بعيون الماء الطبيعية («الشرق الأوسط»)
TT

لم تعد الخرج، 80 كم جنوب شرقي العاصمة الرياض، تلك المحافظة التي اشتهرت بالزراعة من خلال احتضانها لمزارع الشركات الزراعية الكبرى، ووجود عدد من مشاريع الألبان والمشاريع الزراعية والحيوانية ومشاتل البلدية، بل إنها تمر حالياً بمرحلة تحول تستثمر فيها ما يتوافر على أرضها من آثار تاريخية، وعيون قديمة، ومعطيات طبيعية ساحرة، لأن تحتل موقعاً مميزاً على خريطة السياحة السعودية. محافظة الخرج ترتفع 1360قدماً عن سطح البحر، وتعتبر من المواطن القديمة حيث كشف عن شواهد أثرية في المحافظة دلت على استيطان الإنسان بها منذ العصور الحجرية وتدل المادة الأثرية التي عثر عليها على قدم الاستقرار البشري في المنطقة، فقد وجد فيها ما يدل على أنها سكنت منذ القدم حيث وجدت آثار هذا الاستقرار في أماكن متفرقة في محافظة الخرج تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد حين كانت هذه البلاد مرتعاً وفيافي حيث تعتبر منطقة الخرج من أخصب أقاليم اليمامة وأوسعها رقعة وأكثرها ماء، وهذه المقومات هي من أهم أسس التوطن والاستقرار الحضاري.

وتعتبر محافظة الخرج من المحافظات المهمة على الخريطة السياسية والاقتصادية حيث أنعم الله عليها بالأرض الخصبة والصالحة للزراعة المتعددة، وتشتهر الخرج بصناعاتها اليدوية القديمة وفنها التراثي الذي تزخر به مناطقها، فعلى أرضها يقع قصر الملك عبد العزيز، رحمه الله، فهو كما وصفه المؤرخون البوابة التاريخية لهذه المحافظة وهو يعتبر من معالم الخرج وقد تم بناؤه سنة 1359هـ حيث تم ترميمه لاستقبال الزوار ويعتبر هذا القصر تحفة معمارية سبقت عصرها، وتزخر محافظة الخرج منذ القدم بالعيون الجارية التي كانت الساعد الرئيسي لانتشار الزراعة على أرضها وتقع عيون الخرج في الجنوب الغربي من السيح. الخرج محافظة جاذبة للسياحة وهذا بفضل الجهود التي يقوم بها المسؤولون نحو ذلك، ويزور الخرج سنويا العديد من السياح الذين يأتونها من مختلف بقاع السعودية، إذ يحرصون على زيارة المواقع الأثرية وللتعرف على تراث المنطقة ومشاريع الألبان والمشاريع الزراعية والحيوانية والمعالم السياحية مثل برج الخرج والعيون ومشاتل البلدية، وذلك لتمضية الإجازة الصيفية والاستمتاع بالفعاليات التي تنظمها الجهات المختصة.

وتشتهر الخرج بسحر أرضها وروعتها عندما تهطل الأمطار ولا يشعر الإنسان بسحر المكان حتى تتسنى له معايشته بنفسه وتمازج تلك الصور أعماق خياله، أروع وأبلغ عندما تهطل حبات المطر فيطرب مسمعك الماء عبر الجداول والشعاب فيتمتع الجالس فيه بنزهة برية رائعة خاصة إذا سرح ناظراه شمالا ليشاهد الخضرة وشفافية المنظر، وإن التفت يمينا فسيرى واحات مزارع ونخيلا وقد تزيّنت بألوان بلحها المختلف لتعكس أشعة شمس الأصيل على ناظريه ألوانا عسجدية باهرة، كما تظهر الطبيعة الإلهية. لقد احتضنت الخرج تاريخاً لا ينضب طوال السنوات الماضية لتحتل بذلك الصدارة الاقتصادية والسياحية فهي سلة الغذاء للعاصمة السعودية (الرياض) وهي الآن في طور النمو المستمر على جميع الأصعدة، وذلك بفضل وجود أكبر المشاريع المقامة على أرضها والتي تشتهر بها. قصر مشرف البوابة التاريخية لمحافظة الخرج: يتكون القصر من قسمين أو قصرين (شرقي وغربي)، وكان القصر الشرقي لأسرة الملك، والغربي لاستقبال الزوار يفصل بينهما شارع ولكنهما مرتبطان بواسطة الممر الصاعد الخاص بسيارة الملك الذي يبدأ من أمام القصر الغربي ويصل إلى الدور الثاني من القصرين الغربي والشرقي ويؤدي إلى السطح بالقصر الشرقي ويحيط بكل قصر سور خارجي من الطوب اللبن، القصر مربع الشكل بمساحة تبلغ 1494م2 يتألف من دورين ويقع مدخله في الجهة الشمالية منه مقابل مدخل السور الخارجي، يحتوي القصر الغربي على فناء داخلي مكشوف مربع الشكل تقريبا وبارتفاع طابقي القصر تحيط به غرف القصر من خلال رواق من الجهات الأربع تحمله أعمدة دائرية وعقود مخموسة (مدببة)، والقصر مستطيل الشكل يتكون من دورين (أرضي وأول بالإضافة للسطح) ويغلب على تصميمه طراز العمارة العربية الذي تكثر فيه الأعمدة ذات التيجان والعقود أنصاف الدوائر، والذي يستخدم بكثرة في الجزيرة العربية.

ويقع المدخل في منتصف الواجهة الشمالية ويواجه مدخل السور الخارجي، وهو مبني بالحجر المغطى بطبقة من الجص، وهو عنصر بارز في القصر بشكل نصف دائري مقسم إلى ثلاثة أقسام، بنيت هذه الأبراج بطريقة هندسية جميلة وتبرز عن واجهة القصر بشكل نصف دائري في الركن الشمالي الشرقي، وفي الركن الشمالي الغربي، وفي منتصف الواجهة الغربية، ويتكون القصر الشرقي من أربعة أجنحة كل جناح يحوي عدداً من الغرف، ويتكون الجناح الثاني للقصر من ممر على جانبيه الشمالي والجنوبي وعدد ست غرف في الجانب الشمالي ومدخل واسع لسلم في الجانب الجنوبي، وهو بناء دائري الشكل يتوسط نافورة مبنية من الاسمنت بقطر4،55م يحمل سقف النافورة الدائري ستة أعمدة تتخللها عقود بشكل القوس ويصل بين هذه العقود وصرة السقف(مركزه) ستة سواقف لونت هذه السواقف بثلاثة ألوان، ويبدأ ممر سيارة الملك من أمام القصر الغربي وينعطف صاعداً حتى الدور الأول منه ثم يتجه شرقاً عبر بوابتين كبيرتين إلى القصر الشرقي وهو بعرض 4،85م ويحد جانبيه سور من الطوب اللبن بارتفاع 90سم من الداخل وسمك 50سم. زينت شرفات القصر وحدات زخرفية متنوعة أغلبها من الجص مستوحاة من الزخرفة النباتية في إطار هندسي، أما الدروة المشهورة في القصر الشرقي فتأخذ الطابع العربي وهي عبارة عن جدار مدعم بأعمدة بارزة عن سمته.

الخرج سلة الغذاء ومهدُ العيون الجارية: تشتهر محافظة الخرج منذ القدم بالعيون التي أصبحت معلماً من معالم المحافظة البارزة التي تشد انتباه السياح من المناطق الأخرى، حيث استخدمها السكان في ري المزارع الموجودة في تلك المنطقة ومن أهم العيون عينان تقعان في الجزء المتوسط بين الدلم والسيح في شمال غربي جبل (الدلم) وهما (الضلع (و(سمحة) وهاتان العينان متجاورتان، وكان الماء يصل فيهما إلى سطح الأرض، وتقع عيون الخرج في الجنوب الغربي من السيح، ومن الشمال الشرقي، وتبعد عن السيح بنحو 5 كيلومترات. وتتكون عيون الخرج من الكهوف الكارستية المنخفضة المليئة بالمياه، وقد وصف عبد الله بن خميس عيون الخرج بقوله: (..وهذه العيون كأنها بحيرات لا يدرك لها قعر ولا يغيض لها معين إذا توسطت الشمس كبد السماء وألقت أشعتها على هذه العيون الساجية، شاهدت تحت الماء منظراً عجباً من أنوف جبال بارزة إلى مغارات موحشة وسراديب مظلمة وعمق غير منتهٍ، تنكسر أشعة الشمس دون مداه، فسبحان من له الخلق والأمر، ومن أشهر عيون الخرج عين ضلع، وعين سمحة وعين أم خيسة، والمسافة بين عين ضلع وعين سمحة قريبة جداً نحو 40 قدماً. ويقدر عمق الماء فيها بنحو 450 قدماً، أي أنهما يتصلان بالمياه الباطنية، ويبعد الماء عن شفا العين بنحو 40 قدماً. وهاتان العينان ملتصقتان بعضهما بعضا بدليل أن الماء إذا ضخ من إحداهما انخفض مستواه في الأخرى، أما تسميتها بعين العبيد فترجع إلى أنها كانت مستغلة من قبل المماليك. أما عين سمحة فتقع شمال عين الضلع، وسميت (سمحة) لسماحتها وسهولتها في الري والانسحاب، وتكون هذه العيون الثلاث مثلثاً كبيراً قاعدته عينا الضلع وسمحة، وتعد عين الضلع الواقعة في الجنوب الغربي من أكبر العيون في السعودية.

وذكر ابن خميس في كتابه معجم بلاد اليمامة (ص246) «إن عين فرزان تقبل من غربي الخرج مما يلي أسفل وادي نساح من جبل منقاد آدم الذي يشرف على غربي الخرج وتذهب موجهة مهب الصبا بمسافة حوالي(20كم) ، وكانت العين تفضي إلى منطقة زراعية واسعة خصص إنتاجها من الأعلاف لخيل الملك عبد العزيز ، رحمه الله، وتوجد على المجرى قناطر ترتفع عن الأرض (1.5م) وتتكون هذه القناطر من سقف جمالوني، ولغزارة المياه في بداية المجرى فإن فتحات القناطر واسعة في بدايته وعميقة ثم تضيق في نهايته، ويرجع تاريخ هذا الموقع الى العصر الإسلامي المبكر حيث تم التقاط فخار من النوع الإسلامي عبارة عن جرار وكسر ذات لون (سمني، اسود، رمادي واحمر)، وأوضح أحد المواطنين الذي عاش في ذلك الوقت أنها كانت مكانا مناسبا لتعلم السباحة. وكانت مياهها في الشتاء دافئة وفي الصيف باردة، ثم أقيم عليها مشروع تطوير، وبنيت بالخرسانة لتسقي المشروع الزراعي الذي أمر الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه، بإنشائه عام 1354هـ في السهباء، إيماناً منه بما وهب الله هذه المنطقة من خصوبة في التربة ووفرة في المياه وكثرة العيون، وكانت مزارع السهباء تسقى من مياه العيون، وهو ما يعد مفخرة زراعية متكاملة لإنتاج المحاصيل الزراعية المختلفة وكذلك إنتاج الألبان، حيث كانت فكرة قيام المشروع لجلالة الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه.

وحول المكانة التي بدأت تحتلها الخرج كمحافظة سياحية يقول الأمير عبد الرحمن بن ناصر بن عبد العزيز، محافظ الخرج لـ«الشرق الأوسط»: «إن محافظة الخرج تزخر بالعديد من المواقع الأثرية والتاريخية والسياحية، كقصر الملك عبد العزيز (قصر مشرف) الذي يعتبر أحد المعالم الأثرية ونواة للسياحة الحديثة للمنطقة، وكان وراء اختيار الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه، الخرج كإحدى مناطق الاستجمام والراحة الشخصية لمقامه الكريم وأبنائه وحاشيته».

من جانبه قال فهد الحمدان، مدير وحدة الآثار بمحافظة الخرج إنه بعد ضم وكالة الآثار والمتاحف إلى الهيئة العليا للسياحة سوف تتحول هذه المواقع إلى أماكن جذب سياحي في المنطقة، مثل قصر الملك عبد العزيز الذي أقيمت فيه العديد من الفعاليات الصيفية كالفنون الشعبية ومعارض الفنون التشكيلية. وذكر الشيخ عبد الله بن خميس في كتابه (معجم اليمامة) أن سبب تسميته بهذا الاسم «هو وجود رأس بجانبه الشمالي كأنه ولد يحتضنه، ومما يزيد أهمية هذا الجبل وجود غار عظيم في عرض الجبل الأب من الجهة الشمالية يرتفع عن سطح الأرض بأكثر من أربعين قدما هذا الغار يكون مواجها للرياح الشمالية مما يجعله يتميز ببرودة هوائه صيفا»، ليمثل معلماً من معالم محافظة الخرج منذ القدم فقد ارتبطت به حياة الناس فكانوا يتناقلون قصة قديمة تتمحور في أن إحدى البنات نفرت من زوجها وطلبت منه الطلاق فعلق ذلك برحيل ابو ولد فمرت السنون ولم يتزحزح فهاجت قريحتها بقصيدة شعبية، عاشت قصة جبل أبو ولد في عقول وقلوب أهالي الخرج سنوات طوالاً وهم يتناقلونها، فما أن تقبل على موقع الجبل حتى ترى العجب والغرابة؛ مساحة شاسعة تحيط بهذا الجبل المتناثرة أشلاؤه وكأن شيئاً ما ضربه من الأعلى حتى تطايرت منه هذه الحجارة العظيمة، فعلى يمين الجبل تقبع حجارة ضخمة غيّرتها ونسفتها عوامل التعرية وبصمات الزمن وكأنها رجلٌ مسن لا يقوى على الحركة، وهي عبارة عن حجارة دائرية الشكل قيل انها سقطت من أعلى الجبل المتناثرة حجارته، وقيل انها جاءت من مكان بعيد، وأن الجبل ضربته صاعقة قوية فانهار وسقطت منه هذه الحجارة الكبيرة. وذكر عدد من سكان منطقة الخرج أنهم سمعوا بقصة جبل أبو ولد منذ أن كانوا أطفالا، فقد كانوا يذهبون إليه هم وأصدقاؤهم للعب وتمضية الوقت في النهار فقط ، وذلك بسبب القصص التي كانت تروى لهم بأن هذا الجبل تسكنه الأشباح فكانوا يخافون أن يأتوه ليلاً، إلى أن كبروا وعرفوا القصة، ويضيف أحدهم: بأن الشكل العام لجبل أبو ولد حيّر الكثيرين ممن زاروه، وأنا أحدهم، فقد زرت هذا الجبل مرة أو مرتين، حيث أذهلني حجمه الغريب والصخرة التي بجانبه وقد انشقت نصفين، وكنت أجد المتعة عندما أصعد صخوره المتعرجة والصعبة شيئاً ما حتى أصل إلى الصخرة الكبيرة التي تظهر عظمة الخالق.