حديقة ماجوريل.. تحفة خضراء تزين المدينة الحمراء

إيف سان لوران صانها في حياته.. وأنعشها في مماته

يتجول زوار حديقة «ماجوريل» بين الظلال والخضرة، في الوقت الذي يلتقطون فيه صوراً تذكارية، متبادلين عبارات الإعجاب («الشرق الأوسط»)
TT

رفع رحيل المصمم العالمي إيف سان لوران من أعداد زوار حديقة ماجوريل بمراكش، خصوصاً بعد الأخبار التي تحدثت عن وصية حرق جثمان أمير الموضة الراحل ونثر رماده بين خضرة وظلال الحديقة الشهيرة.

وزارت «الشرق الأوسط» الحديقة، حيث عاينت أفواجاً من السياح يتجولون بين الظلال والخضرة، في الوقت الذي كانوا يلتقطون فيه صوراً تذكارية، متبادلين عبارات الإعجاب بالفرنسية والإسبانية والإنجليزية.

وقال الإعلامي طارق السعدي، الذي يـُـدير الموقع الإلكتروني لحديقة ماجوريل، في حديث لـ«الشرق الأوسط»:«ان عدد زوار الموقع انتقل، بعد الإعلان عن خبر موت إيف سان لوران، من بضع مئات إلى عشرات الآلاف».

وتعتبر ماجوريل، بنباتاتها وألوانها وطيورها، إحدى أشهر الحدائق في مراكش. وإذا كانت حدائق المنارة وأكدال ومولاي عبد السلام والبيلك، مثلاً، مفضوحة ومفتوحة أمام المارة والزوار، فإن حديقة ماجوريل تنكفئ على خضرتها داخل أسوارها، وخلف أبواب تتطلب مقابلاً وساعات محددة ومضبوطة للفتح والإغلاق.

ولعل ما يثير الانتباه، بصدد سعر وساعات الزيارة، أن سعر تذكرة الولوج إلى حديقة ماجوريل يبلغ 30 درهما (4 دولارات)  وهو أغلى من سعر تذكرة الولوج إلى سينما كوليزي (25 درهما)، بمراكش، حيث تعرض آخر انتاجات السينما المغربية والعالمية.

ويفرض السعر الذي يتطلبه الاستمتاع بخضرة الطبيعة الفاتنة، والساعات المحددة لزيارة الحديقة، عبر فصول السنة، واجب الاحترام والتقدير للجمال الطبيعي المقترح، في زمن متسارع في تحولاته، التي طالت البشر والحجر.

ويرى البعض أن اسم جاك ماجوريل، كـ«عنوان فني» للحديقة، التي توجد بزقاق يتوسط شارعي جـليز وعلال الفاسي، ظل يحيل على شكل من «الطابع النخبوي» للزيارة، وهو الطابع الذي سيتأكد مع إيف سان لوران وبيير بيرجيه، لاحقاً. ويقول السعدي إنه «ما بين جاك ماجوريل وإيف سان لوران وبيير بيرجيه، حافظت الحديقة على طابعها الخاص، حيث ظل معظم زوارها من الأجانب، أما المغاربة، بشكل عام، والمراكشيون، بشكل خاص، فنادراً ما يزورونها».

وأرجع الكاتب والصحافي محمد القنور، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، تدني نسبة المغاربة الذين يزورون الحديقة إلى «غلاء سعر تذكرة الدخول، وإلى الكتابة عن الحديقة في مجلات متخصصة وبلغات أخرى، غير العربية، في الغالب، الشيء الذي جعل معظم المراكشيين يشعرون كما لو أن هذه الكتابات لا تعنيهم في شيء»، قبل أن يتابع قائلا «إن حديقة ماجوريل تمثل قيمة مضافة لمراكش، حيث ان السائح حين يأتي المدينة زائرًا لا يمكنه إلا أن يفكر في زيارة هذه الحديقة، خصوصاً أنها عملة ذات وجهين، فهي حديقة لمتعة العين، كما أنها تخلد ذكرى رسام ترك صقيع أوروبا ليستقر تحت سماء مراكش الدافئة».

وتعتبر حديقة ماجوريل، اليوم، إحدى أهم معالم مراكش السياحية، وهي سميت كذلك نسبة إلى الرسام الفرنسي جاك ماجوريل، الذي ولد في مدينة نانسي الفرنسية عام 1886، قبل أن يحلّ بمراكش لأول مرة عام 1919، حيث وجد السحر اللازم والفضاء الملائم ليستقر وليواصل مهنته وهوايته كرسام. ويقول القنور إن «الماريشال ليوطي، المقيم العام الفرنسي أيام الحماية الفرنسية على المغرب، هو من نصح ماجوريل بالسفر إلى مراكش، المشهورة بمناخها الجاف، وذلك بعد أن وقف على حقيقة إصابته بمرض الربو».

واقتنى ماجوريل عام 1924 قطعة أرض، ليجعل منها حديقة ستشتهر لاحقاً باسم «حديقة ماجوريل»، عنواناً ووجهة سياحية، وهي الحديقة التي سيتم افتتاحها عام 1947.

ويبدو أن الاستفادة كانت متبادلة بين الرسام الفرنسي والمدينة المغربية، إذ في الوقت الذي استفاد فيه الأول من طقس المدينة الجاف، استفادت هذه الأخيرة من حديقة بمميزات التحفة الفنية، التي أعطتها قيمة مضافة وتنوعاً على مستوى تلبية انتظارات الزوار.

وبعد فترة من موت ماجوريل، إثر تعرضه لحادثة سير عام 1962، سيقوم إيف سان لوران وبيير بيرجيه بتملك الحديقة،حيث سيعملان على ضمان استمرارها فضاءً مفعماً بالحياة، أما المرسم، الذي بناه ماجوريل لنفسه عام 1931، فصار يحمل، اليوم، اسم متحف الفن الإسلامي، وهو يوجد داخل الحديقة، وتـُعرض فيه قطع فنية تلخص لجانب من الفن الإسلامي، وتشمل معروضات خزفية وأسلحة ومجوهرات ومنسوجات، وهي كلها من مقتنيات إيف سان لوران وبيير بيرجيه، كما تـُعرض بالمتحف بعض لوحات ماجوريل، وفاءً للراحل ومتعة للعين.

ويذكر الكاتب والباحث المغربي عبد الصمد الكباص «انه في سنة 1984 عرضت الحديقة للبيع، لكي تحول إلى فندق ومطعم. كان في القرار درجة قصوى من البشاعة لم يحتملها إيف سان لوران. ولأنه لم يكن، كما قال عنه الفنان عبد الرزاق بنشعبان، «مهووساً بالربح المادي»، تدخل واقتنى الحديقة للحيلولة دون خطر إعدامها الذي بدا حينها وشيكاً، فحافظ عليها وطورها لتأخذ موقعها في قلب نسيج المعالم التي تشكل نقطة جذب السياح وعشاق الحدائق من مختلف أنحاء المعمورة».

وهكذا، وعلى عكس بعض الحدائق التي ذهبت ضحية هجوم الإسمنت، كان من حسن حظ هذه الحديقة أن يتعهدها بالرعاية فنانان، الأول، جاك ماجوريل، الذي جاء الفن من دنيا الرسم والثاني، إيف سان لوران، الذي جاء الفن من عالم وأضواء الموضة.

وأسس بيار بيرجيه وإيف سان لوران، في عام 2004، «جمعية حماية وإشعاع حديقة ماجوريل»، التي تتولى إدارة الحديقة والمرسم، كما توجد بجوار الحديقة «فيلا ماجوريل». ويتحدث القنور عن علاقة إيف سان لوران بمراكش، فيقول «إنه كانت تربطه علاقات طيبة بالبسطاء الذين كانوا يوجدون بمحيط الحديقة والإقامة، وكان مراكشي الطبع، كما أنه، وإن كان مشهوراً عبر العالم، فإنه حين كان ينزل بمراكش كان يتخلى عن زي الشهرة ليلبس زي البساطة والتواضع، قلباً وقالباً».

ولأن هدوء حديقة ماجوريل يحتاج إلى أصوات تلائمه، طبيعة وفضاءً، فإن الزائر يجد نفسه مأخوذاً بزقزقة طيور ترافق فتنة الحديقة وطبيعتها الخلابة والاستثنائية.

وتعتبر حديقة ماجوريل، برأي الكثيرين، من أكثر حدائق مراكش سحراً، حيث يجد فيها الزوار مكاناً للتعبير الفريد والقوة الروحية الخلاقة، من جهة أنها تزخر بثروة هائلة من نباتات تم تجميعها من القارات الخمس، تتجاور فيها أشجار النخيل والصبار والخيزران ونباتات نادرة أخرى تختصر العالم في حديقة.

ويذهب بعض المراكشيين بعيداً وهم يبحثون عن خيط رابط بين نباتات القارات الخمس، التي تؤثث لخضرة وألوان الحديقة، والتوجه الذي اتخذته المدينة الحمراء، وهي تؤكد طابعها العالمي، خصوصاً بعد أن تحولت إلى وجهة مفضلة لزوار وسياح من مختلف قارات العالم.

ويرى القنور أن «ماجوريل ليست مجرد حديقة للنزهة والفرجة، بل إنها تحفة خضراء تختزل التاريخ البيئي للمدينة الحمراء».

وتوفر الحديقة تشكيلة متنوعة من المسالك المفتوحة على مشاهدات رائعة، حيث الزنبق المائي واللوتس والبردي وغيرها من النباتات المائية، تنمو في أحواض الماء الصافي، فيما الكراسي تؤثث للمكان، وذلك بما يضمن راحة الجلوس والاستمتاع الكامل بجمالية المكان وروعة اللحظة.

وليست النباتات وحدها ما يميز الحديقة، فهناك الألوان التي تتناسق في ما بينها مقدمة تنويعاً جميلا يسر الناظرين. وكان ماجوريل قد قام، في نهاية عقد الثلاثينات من القرن الماضي، بصباغة مباني الحديقة بلون أزرق ناصع، سيشتهر لاحقا بأزرق ماجوريل. لكن أزرق ماجوريل ليس اللون الوحيد الذي تتلون وتتميز به الحديقة، فهناك ألوان أخرى تتناسق وتتجاور ما بين الأصفر والأخضر والبرتقالي وغيرها، غير أنها تتميز بكونها ألواناً تخص الحديقة وتتميز بها، حتى أننا يمكن أن نطلق على هذه الألوان أصفر ماجوريل وأخضر ماجوريل، مثلاً، زيادة في التأكيد على استثنائية وجمالية الألوان التي تزين الحديقة وتؤثث جنباتها.

وتوفر الحديقة محلاً لعرض وبيع المصنوعات التقليدية، التي تأخذ طابعاً وشكلاً ولوناً يؤرخ لزيارة حديقة استقبلت نباتات العالم، فمكنت مراكش، التي تشتهر بأنها واحة النخيل، وحاضرة الحدائق، من هامش آخر لإمتاع زوار صاروا يتوافدون عليها من مختلف الجغرافيات واللغات والديانات والأعراق ليستمتعوا بشمسها، وبحدائقها أيضا.