نيل القاهرة مائدة عامرة بكل اللغات

شريان الحياة ونافذة المصريين الحية

رحلات نيلية ومطاعم عائمة تقدم جميع انواع المأكولات («الشرق الأوسط»)
TT

الأكل على النيل متعة لها تاريخ، فقد كان المصري القديم يقضي على ضفافه أجمل أوقاته لممارسة الألعاب والهوايات. وتحوي جدران المعابد الفرعونية الكثير من النقوش والرسوم تمثل المصري وهو جالس على النيل يأكل أو يصطاد أو يلعب. وبلغ ولع المصريين بالنيل حد القداسة، فعبدوه، وجعلوا له إلهاً أطلقوا عليه اسم «حابي».

وإلى يومنا هذا، يزداد تعلق المصريين بالنيل، فهو شريان الحياة، والمتنزه المفتوح لكل طبقات الشعب، ونافذتهم الحية، خاصة في المناسبات والأعياد.

ومن بين الدول العديدة التي تطل على النيل، يبقى لنيل القاهرة جاذبية فريدة خاصة في المساء، وعند فترة المغيب، مما جعله مقصد العديد من السياح العرب والأجانب. وعلى مائدة النيل تتنوع أنواع الطعام والشراب، تضفي عليها ضفتاه الساجيتان ورقرقات مياهه العذبة مذاقا خاصا.. أصناف تختلف في المذاق وأسلوب الإعداد وطريقة التقديم. وتحمل نكهة العديد من مطاعم البلدان العربية والأوروبية، ودول أميركا اللاتينية، والصين واليابان على وجه الخصوص. هذا التنوع في أصناف المأكولات يعطي للمصريين إحساسا بأنهم قادرون على تذوق طعام البلاد الأخرى من دون مغادرة القاهرة، لذلك تعمر ضفتا النيل في القاهرة بمئات المطاعم الموجودة في الفنادق، والبواخر الفخمة الراسية على جانبيه، أو المتحركة بين مواقع الرسو ومسارات الرحلات المبرمجة مسبقا.. لذلك فالأكل على ضفاف النيل بكل لغات العالم.

يتمتع حي الزمالك بموقع جغرافي فريد فهو عبارة عن جزيرة يحيط بها النيل من كل الجهات، وهو حي الطبقة الراقية، والمكان المفضل لأغلب سفارات العالم الموجودة بالقاهرة.

في أحد شوارعه المطلة على النيل يتراص عدد من السفن الثابتة «نايل مكسيم، امبريال، السرايا، الباشا، بلو نايل، ونايل سيتي»، وتختلف كل واحدة عن الأخرى في الشكل والحجم وتضم عددا من المطاعم العالمية والعربية، وتستقبلك ببسمة تشبه بسمة البلد الذي يقدم أشهر أكلاته.

في باخرة «النايل سيتي» يفاجئك المطعم الايطالي «جوني كاريونز» الموجود في الطابق الأسفل من الباخرة الذي ستشعر فور دخولك له انك انتقلت إلى ايطاليا في غمضة عين، وسيطيب لك مذاق الخبز الايطالي الذي سيقدمه النادل بعد أن يلقي عليك التحية بالعربية والإيطالية، وفي يده صحن صغير من زيت الزيتون وبعض البهارات، فهي من تقاليد الضيافة الايطالية، ولا تندهش من ثراء الوجبات التي تقدم لك، أو الكمية، فهذا هو المعروف عن المطعم الايطالي من تنوع ووفرة في الكمية، واعتمادهم على الباستا والمعجنات، مع القليل من الخضراوات والسلاطة في قائمة الطعام. والجو في المطعم الايطالي أكثر ملاءمة للتجمعات الأسرية.

وقد لا يحتاج الوقت أكثر من عدة دقائق لكي تنتقل إلى المطعم الفرنسي الكائن في قلب الباخرة «امبريال»، لتجد التناقض بين الأجواء. فالمطعم الفرنسي أكثر رومانسية وهدوءا، خاصة مع عزف البيانو والأكلات الخفيفة التي تعتمد بصورة اكبر على اللحوم والخضراوات وطريقة الطهو بالبخار. أجواء المطعم الفرنسي مناسبة لحديثي الزواج، كما تلائم أكلاته متبعي الحمية والمهتمين بالرشاقة. وان كنت من محبي تذوق خبز «التورتيلا الطازج» مع فاهيتا الدجاج والصلصة الحريفة، فننصحك بالتوجه فورا إلى باخرة «النايل مكسيم» فالمطعم المكسيكي يقدمه لك على نغمات مكسيكية خالصة، وأيضا فريق العمل سيشعرك بأنك في حفل أو كرنفال بسبب ما يرتدون من ملابس وإكسسوارات. وهناك عادة مكسيكية تعكس شهية الشعب المكسيكي المنفتحة على الطعام، ويحرص المطعم أن يقتدي بها، حيث يقوم من قدم لك الطعام بعرض خدمة إعادة ملء الصحن أو الكوب من جديد، إذا كنت ما زلت جائعا أو رغبت في المزيد من دون زيادة في سعر الوجبة الأساسية.

وفي مطعم «الموال» يطالعك المطبخ الشامي بروائحه النفاذة للشهية، حيث اعتمد الطهاة على تقديم الأكل على الطريقة التقليدية، لتستمتع بأطباقهم على نغمات العديد من المواويل الرائعة والشهيرة التي ستأخذك معها في رحلة إلى الزمن الجميل. يقول خالد عمار، أحد الطهاة في المطبخ الأردني، هناك بعض الأكلات الخاصة كالمنسف أو الكبة، نسأل الطالب هل تفضلها باللبن أم «الجميد»، وهو اللبن لكن بعد تخثيره وتجفيفه، وهي طريقة تقليدية تشتهر بها قرى الأردن ولا تقدم بكثرة في المطاعم.

وعلى بعد خطوات من «الموال»، حيث لا يفصل بينهما سوى جدار يقع المطعم المغربي «الماروكو». وقبل أن تتطلع إلى ديكوراته الجميلة المنتقاة بكل عناية التي ستشعر معها بالراحة وعدم التكلف لأنك تستطيع الجلوس، إما على الطاولة أو المساند، ستجد مَن يمد يده لك بصحن من كعب الغزال، وهي حلوى مغربية شعبية وآخر يمدها بكوب من الشاي كعربون ضيافة.

وفي «بكين» وهو مطعم صيني لا تتردد في تجربة الأكل بواسطة العصي «الياشا»، لأنها تجربة ممتعة، سواء نجحت في تحقيقها أم لا، ومنعا للإحراج والشعور بالفشل فالمطعم الصيني يقدم لك خيار تناول الطعام بالشوكة والسكين، لكن «فطيرة المانتو» لا يطيب لك تناولها إلا بالطريقة التقليدية.

وقد حرص المطعم على أن يكون هناك عدد من فريق العمل من الجنسية الصينية يرتدون الزي الصيني التقليدي ويتحدثون الانجليزية وبعض كلمات من العربية.

ليس هذا كل شيء، فزيادة في الرفاهية والخصوصية ننصحك بتناول «الشركسية» في مطعم باخرة «الباشا»، على نغمات البند الشرقي والاستمتاع بالرقصات المتنوعة.

وفي المطعم الخليجي يمكنك الاختيار ما بين الكبسة والبرياني «والصالونة»، لكن الأهم انه يمكنك تناول القهوة العربية الأصيلة من الدلة ممزوجة بحبات الهيل وبجانبها التمر المحشو بالمكسرات. ولا يمكن أن تكون على النيل ولا تتناول الطعام المصري الخالص، سواء كان شعبيا «كالكشري» و«الفول والطعمية»، وأيضا المشويات والمحشي على الطريقة المصرية، بالإضافة إلى الأسماك البحرية على الطريقة الإسكندرانية.

رحلة ممتعة حقا أن تتجول بين كل هذه المطاعم التي يضمها شارع واحد على نيل الزمالك بالقاهرة، ولا يتعدى طول هذا الشارع سوى الميل الواحد، حيث كل هذه السفن راسية بأناقة مغرية.