سانتوريني.. من أخطر بركان في العالم إلى طبيعة خلابة

الفينيقيون منحوها الأبجدية.. والمينويون حولوها إلى جزء من حضارة «أطلنتس» المفقودة

سانتوريني الساحرة من أجمل جزر اليونان الجنوبية («الشرق الأوسط»)
TT

إنها اروع واكثر الجزر اليونانية اثارة، هذا عادة جزء من التعريف الذي تستخدمه الكتيبات السياحية حول العالم لجزيرة سانتوريني الشهيرة التي تستقطب آلاف السياح يوميا منذ سنوات طويلة ومن جميع الجنسيات، ولاسباب كثيرة بالطبع. فالجزيرة تجذب الكثيرين لاسباب تاريخية احيانا واحيانا لاسباب اثرية واحيانا اخرى لاسباب جمالية اخرى او احيانا لهذه الاسباب مجتمعة. ولكن هذا لا يعني انه لا يمكن للسائح التمتع بالموقع والطبيعة الخلابتين دون الاخذ بعين الاعتبار الابعاد الجغرافية والحضارية للجزيرة، إذ ان الجزيرة اشبه بحدوة الحصان او بحصان البحر شكلا، وهي عالية جدا عن سطح البحر، مما يمكن الزائر او السائح من مراقبة غروب الشمس ومراقبة شروقها وما الى ذلك من الالوان الرائعة التي تنتشر في الجزيرة ومياه المتوسط الجلية من حولها من جميع انواع الازرق الى الفضي والرمادي والاصفر والاحمر والبرتقالي وهلم جرا. كما يمكن التمتع بما تقدمه الجزيرة والعاصمة فيرا، على هذا الارتفاع، من مطاعم ومقاه ومحلات مجوهرات وازقة ضيقة وصغيرة ومثيرة، تتخللها المنازل والكنائس الصغيرة المطلية كلها باللونين الابيض والازرق. كما يمكن للبعض التمتع بالسباحة وعالمها ورياضاتها او السير على الاقدام والتمتع بأشعة الشمس. ولمحبي عالم الفلك والنجوم تعتبر الجزيرة فرصة نادرة لرؤية ما يستحيل رؤيته في شمال المعمورة. وإذا كان هناك وصف للسماء احيانا في فصل الصيف فإنها خصبة وحبلى بالمجرات والمجموعات والشموس والكواكب والاقمار. كما يمكن احيانا رؤية مجرتنا أي مجرة «درب اللبانة» بالعين المجردة في الليالي الصافية. يصعب الا يندهش الزائر لمشهد الجزيرة الصغيرة التي بنيت وعمرت على اطراف منهارة من فوهة البركان الذي يعتبر انفجاره عام 1450 قبل الميلاد، اكبر انفجار بركاني عرفته البشرية حتى الآن. كما ان الجزيرة تعتبر، ونتيجة لآخر التطورات على الصعيد الاثري او الاركيولوجي خلال السنوات القليلة الماضية في «اكروتيري» (Akrotiri) بالنسبة للكثير من الكتاب والمؤرخين والناس بشكل عام، جزءا مما يطلق عليه مدينة أطلنتس المفقودة التي كانت تتمتع بحضارة راقية ومتقدمة تقدما كبيرا قبل اكثر من 11 الف سنة. وتشير الحفريات والزخارف، الى ان الجزيرة كانت جزءا من الحضارة المينوية (نسبة الى مؤسسها مينوس) التي تمتعت بها جزيرة كريت المعروفة قبل 3 آلاف سنة قبل الميلاد. ويعتقد البعض انها هذه الحضارة وان كريت هي الجزيرة التي اشار اليها الفيلسوف اليوناني افلاطون عند ذكر اطلنتس . ويحاول الكثير من الملهمين والمهتمين والمؤرخين والاثريين معرفة موقع المدينة وما إذا كانت مجرد خرافة، منذ ان ذكرها هذا الفيلسوف الموثوق في مؤلفاته التاريخية. وحسب أفلاطون فإن أطلنتس تقع في مواجهة أعمدة هرقل، التي يعتقد أنها مضيق جبل طارق، ولذا ركز بعض المستكشفين في السابق، على المحيط الأطلسي والجزر البرتغالية وايرلندا. بالطبع هناك الكثير من النظريات والخلافات حول موقع المدينة وهذه الحضارة، بسبب ذلك اللغط، وكانت آخر الاجتهادات الاميركية (الباحث الأميركي سارماست) في عام 2004 تشير الى جزيرة قبرص بعد اكتشاف احياء كاملة تحت الماء. وهناك الكثير من النظريات التي ايضا تحاول تفسير اختفاء حضارة أطلنتس، بدءا من تعرضها لكارثة طبيعية وانتهاء بالاسطورة الاغريقية التي تقول بأن الجشع والسلطة افسداها إلى حد أن دمرتها الآلهة. ويقول سارماس: إن محاورات أفلاطون هي التي قادته إلى قبرص. وأنه لابد من امتلاك معرفة جيدة بالتاريخ القديم والإشارات التي وردت في التوراة والحضارة السومرية وألواحها لفهم لغز أطلنتس.

وفيما تشير الحفريات الى ان انفجار بركان سانتوريني قد قضى على الحضارة المانوية وما يطلق عليه ايضا بحضارة اطلنتس، فإن البعض يربط بين الانفجار الرهيب الذي حصل قبل 3500 سنة (اقوى من انفجار بركان كراكاتاو عام 1883 باربع مرات) وعصا موسى وشق البحر.

وكانت قناة الـ«بي بي سي» قد افردت برنامجا خاصا لهذا الموضوع شارك فيه كل من الاميركي هوف ماير والبريطاني ديفيد رول وهما خبيران في تاريخ الفراعنة، ويقول الكاتب احمد عثمان (معارض للبرنامج) في هذا الإطار: واستنادا الى قصة في «سفر الخروج» تقول ان مصر تعرضت لعدة كوارث طبيعية عندما رفض فرعون اطلاق سراح بني اسرائيل، وحدد الباحثون تاريخ الخروج بوقت ثوران بركان سانتوريني في اليونان.

تقول القصة التوراتية ان الرب عاقب المصريين فهبت على بلادهم عاصفة من الضفادع والذباب والبعوض والغبار بسبب رفضهم السماح لبني اسرائيل، بمغادرة مصر. كما غطت السماء سحابة داكنة حجبت اشعة الشمس واظلمت البلاد، وقد فسر البرنامج هذه الظواهر باعتبارها نتيجة لثوران بركان عظيم في جزيرة سانتوريني على بعد حوالي 700 كيلو متر الى الشمال الغربي من الساحل المصري. ورغم بعد المسافة رجح البرنامج وجود علاقة بين هذه الاحداث. ولما كان ثوران البركان حدث عام 1500 قبل الميلاد تم تحديد وقت عقاب المصريين في نفس هذا التاريخ.

حاول برنامج الـ«بي بي سي» اعطاء تفسير علمي لمعجزة شق البحر، عندما تبع فرعون وجنوده بني اسرائيل الذين تمكنوا من الهرب وغرق المصريون. وهنا كذلك لجأ خبراء البرنامج الى البركان اليوناني لتفسير المعجزة. فقد تم العثور في سيناء على بقايا حمم ومخلفات بركانية بطول الساحل الشمالي، تبين بعد تحليلها انها تنتمي جيولوجيا الى جزيرة سانتوريني، وهي مخلفات تعود الى 3 آلاف و500 سنة مضت. ولما كان من المعروف ان البركان ظل ثائرا قرابة ثلاثين سنة وكانت له تأثيرات على حركة المد والجزر في البحر المتوسط، رجح البرنامج انه تسبب في انحسار الماء في البحيرات الممتدة بين خليج السويس والبحر المتوسط تزامن مع خروج بني اسرائيل من مصر. ومما قيل ان المنحنى الواقع بين سيناء وغزة اصبح تجمعا للضغط الناجم عن الامواج ادى الى انحسار المياه اثناء الجزر مما مكن موسى واتباعه من المرور منه بسلام، ثم تبع ذلك حركة مد عظيمة مساوية لقوة الجزر اطاحت بفرعون وجيشه عند مرورهم من ذات النقطة.

البركان لا يزال نشطا بالطبع، وكانت آخر ثوراته المهمة عام 1956، حيث ادت هزة ارضية الى تدمير الكثير من المنازل وتهجير عدد كبير من السكان المحليين (خصوصا كاماري) الى الجزر المجاورة والعاصمة اثينا. الاسم: يقال إن أهل البندقية الذين احتلوا الجزيرة في القرن الثالث عشر اطلقوا على الجزيرة اسم «سانت ايرني» (Saint Irene) التي تعني جزيرة «القديس ايرني» او قديس السلام، إذ ان كلمة ايرني في اليونانية تعني السلام. وقد تحول الاسم مع مرور الزمن لاحقا الى سانتوريني. الا ان الجزيرة حملت اسماء كثيرة قبل ذلك، ومنها اسم «سترونغايل» (Stronghyle) او «سترونغيلي» (Strongili) الذي يعني الدائرة او مدور ايام اندماج الجزيرة مع الينويين في كريت قبل 3 آلاف سنة. وذلك لوصف الجزيرة التي كانت دائرية قبل انفجار البركان الشهير. كما كان يطلق عليه الفينيقيون آنذاك اسم «كاليستي» (Kalliste) الذي يعني «الجميلة». الا ان الجزيرة عرفت وقبل ذلك ولفترات طويلة باسم «ثيرا» (Thera) خصوصا ايام الداريين وهم (يونانيون من الشمال غزوا المناطق الجنوبية ومنها الجزر). وعلى الارجح ان اسم العاصمة «فيرا» مستوحى من نفس الاسم.

وقد ورث الاتراك الجزيرة من اهل البندقية الطليان في القرن السادس عشر، حيث حافظت على اسمها الذي نعرفه حتى الآن.

ويقال ايضا ان الفينيقيين احتلوا الجزيرة ايام كانت تسمى «ثيرا» في القرن التاسع قبل الميلاد، ونشروا الابجدية هناك وفي جزيرتي ميلوس وكريت ايضا، ومن هناك اتخذت اللغة اليونانية جذورها.. ويعود اصل اسم ثيرا الى «ثيراس» الذي كان احد ابناء ابطال طيبة في مصر الفرعونية الذي كان يعتبر من احفاد قدموس. وكان «ثيراس» ايضا نائب حاكم اسبارطة قبل ان يهجرها ويستقر في سانتوريني التي حملت اسمه لاحقا لسنوات طويلة. ويقال ايضا ان الجزيرة اصبحت قاعدة عسكرية بحرية في القرن الثاني قبل الميلاد يلجأ اليها الحكام والقادة للسيطرة على مناطق بحر ايجيه، بعد رحيل الاسكندر المقدوني. كما ان الرومان استخدموها كمنفى للقادة والمشاغبين والمطلوبين للامبراطورية الرومانية قديما.

البلدات والشواطئ: في شمال الجزيرة هناك «اكروتيري» (Akrotiri) و«ايمبوريو» و«بيريسا» و«اغيوس جورجيوس» و«بريفولوس» و«ميغالوهوري» وفي الوسط «كاماري» (Kamari)، و«ميساريا» و«كيرتيرادو» و«مونوليثوس» و«فيروستيفاني» والعاصمة «فيرا»(Fira) . اما في الشمال فهناك «امروفيغلي» و«فورفولوس» و«ايوا» و«امودي» و«باكساديس». اما في الجزيرة المقابلة «ثيراسيا» (Thirasia) فهناك بلدتان هما «اغريليا» و«بوتاموس». المطار والمرفأ: يقع مطار سانتوريني بالقرب من شواطئ مونوليثوس 8 كيلومترات جنوب شرقي العاصمة فيرا، أي 20 دقيقة عبر الحافلة (الباص) ويمكن الوصول الى المطار عبر الكثير من المدن الاوروبية، خصوصا لندن وغلاسكو ومانشستر بالإضافة الى مطار العاصمة اليونانية اثينا (الرحلة تستغرق ساعة او اكثر). ويمكن الوصول الى الجزيرة بحرا من مرفأي بيراياس ورافينا في اثينا وتستغرق الرحلة بين 5 و7 ساعات عادة، الا إذ لجأ الفرد الى استخدام القوارب السريعة والحديثة التي قد تستغرق الرحلة معها بين ساعتين او ثلاث. هناك العديد من المرافئ في سانتوريني لكن اهمها، مرفأ اثينيوس (Athinios). كما يمكن الوصول الى الجزيرة، خلال ساعات قليلة، من الجزر التابعة لمجموعة كيكلاديس المعروفة التي تنتمي اليها سانتوريني في البحر الايجي: ناكسوس وباروس وايوس ورودوس وامورغوس وكريت وميكانوس.

* العلاقة الحضارية بين سانتوريني وكريت

* تقول المعلومات المتوفرة إن المينويين، خصوصا في كريت والجزر القريبة مثل سانتوريني، برعوا في قطاعات كثيرة منها التعدين واستخراج المعادن، وكانوا يستوردون المعادن من قبرص ومناطق بعيدة اخرى. وقد عملوا في الملاحة البحرية وكانوا تجارا من الدرجة الاولى مع الخارج، خصوصا مع مصر والمناطق المحيطة بها. وتشير الموسوعة الحرة، الى انه برزت لاحقا حضارة أو سلالة جديدة وحينها عاصرت المدن موجة من الازدهار ورفاه العيش، حيث شيدت القصور الفخمة والمعابد. وعند بداية القرن الـ 17 قبل الميلاد، توالت الغزوات والحروب من الخارج، والكوارث الطبيعية (انفجار بركان سانتوريني الذي ادى الى تشكيل امواج عالية جدا (تسونامي) في البحر الابيض المتوسط) والهزات الأرضية التي أحدثت في العمران الرائع خرابا وتدميرا، ثم أعقبت ذلك فترة ازدهار متجدد وعمران واسع فكان في العصر المينوي المتأخر، حيث شيدت القصور والأسوار والأبراج، وفرضت كنوسوس سيطرتها على القسم الأعظم من جزيرة كريت. وكانت شبكة تجارة المينويين تمتد إلى العديد من الحضارات المهمة والقريبة، وتوجد شواهد على ذلك في كل من قبرص واليونان ومصر والعراق وسوريا وتركيا. ويرجع بعض اختفاء الحضارة المينوسية إلى عدة أسباب، من أبرزها الغزوات والهجمات المتتالية من قبل الحضارات المجاورة، ومن المينويين بالتحديد وأيضا اخفاقها التجاري وذلك يعود إلى تحطم الأسطول المينوسي أثناء الهجمات مما جعل التجارة وجلب المواد الأساسية صعبا إلى الجزيرة. وتشير الحفريات التي حصلت في أكروتيري في سانتوريني، ان سكان الجزيرة كانوا خليطا من المينويين والسكان الاصليين من جزر كيكلاديز، وان الحضارة المينوية كانت سائدة هناك. وتبرز الحفريات، وجود عمارات متقنة البنيات مؤلفة من ثلاث طبقات، ووجود شوارع منظمة وساحات. وعثر علماء الآثار، على سلالم حجرية.. وأدوات منزلية مصنوعة من السيراميك ومغازل وأدوات مطبخية ومنحوتات ذهبية متقنة، ولوحات فنية رائعة ومتقدمة نسبة الى عصرها. كما اكتشف في البلدة، نظام قديم ومتطور للمنافع العامة، ولتوزيع المياه. ويبدو ان البلدة الغنية آنذاك كانت تتمتع بالمياه الباردة والساخنة كما هو الحال الآن. كما ان نمط العمران بشكل عام يعتبر متطورا جدا ومطابقا لتوصيفات افلاطون.