فندق شبرد.. ذاكرة التاريخ المصري وشاهد على العصر

 الملك فيصل وتشرشل وروزفلت أشهر نزلائه...

فندق شبرد.. لكل زاوية فيه قصة وحكاية («الشرق الأوسط»)
TT

«أتشكك كثيراً إذا ما كان يوجد في إحدى العواصم الأوروبية فندق تتوافر به وسائل الراحة والتسلية، كتلك التي وجدتها في فندق شبرد» تلك كانت كلمات سفير بلجيكا في برلين البارون «دونوتونيا» الذي زار مصر في نهاية القرن التاسع عشر، والتي ذكرها في معرض حديثه عن مستوى الخدمة التي يتميز بها ذلك الفندق العريق الذي استقر به مقامه أثناء وجوده بمصر، والمطل على نيل القاهرة بالقرب من ميدان التحرير أشهر ميادين العاصمة المصرية. وعلى الرغم من تميز الفندق على مدار تاريخه بنزول العديد من الشخصيات العالمية به أثناء زيارتهم لمصر، التي ارتبطت في الغالب بأحداث مهمة، إلا أن تلك لا تعد الميزة الوحيدة للفندق التي تمنحه كل تلك العراقة في عالم الفنادق، حيث يمتاز إلى جانب كونه في مرحلة من التاريخ مقراً لأشهر الشخصيات، بأصالة تصميم البناء الخارجي والداخلي أيضاً. الفندق الذي يطل على نيل القاهرة الآن مزهواً بتاريخه العريق، تعود ملكيته لمستر «صموئيل شبرد» الإنجليزي صاحب شركة شبرد ذات السمعة الواسعة في عالم الفندقة والتي كان مقرها لندن. وعلى الرغم من عدم وجود علاقة بين «شبرد» الحالي، و«شبرد» التاريخي اللهم إلا في وراثة الاسم فقط، إلا أن القائمين على الفندق حاليا يحاولون قدر جهدهم تذكير النزلاء بالماضي العريق لفندقهم من خلال استقبالهم عند دخول الفندق بـ «الكتاب الذهبي» الذي يحمل انطباعات الضيوف والنزلاء الذين أقاموا فيه خلال القرن التاسع عشر.

تعود قصة بناء المبنى الأول للفندق، عند حضور مستر صموئيل شبرد للقاهرة للبحث عن قطعة أرض يقيم عليها فندقه الجديد في عام 1941، فوقع اختياره على موقع الفندق القديم المطل على بحيرة الأزبكية بالقاهرة، وكان به قصر قديم ومهدم استخدمته الحملة الفرنسية خلال وجودها في مصر في الفترة من 1798 -1801 حيث جعل منه الجنرال كليبر الذي حل مكان نابليون في قيادة القوات الفرنسية عقب عودة الأخير الى فرنسا، مركزا للقيادة العامة، واستمر كذلك حتى قام سليمان الحلبي بقتل كليبر داخل حديقة القصر. وقد تم افتتاح الفندق في نهاية عام 1841 وعرف وقتها باسم «الفندق الإنجليزي الجديد» واستمر يحمل هذا الاسم حتى عام 1845 حين أطلق عليه «فندق شبرد» وقد شهدت مرحلة إنشاء الفندق حالة من الرواج السياحي والتجاري لمصر، وهو ما شجع الكثير من الوفود الأوروبية على المجيء لمصر والإقامة فيه.

كان عام 1869 نقطة تحول مهمة في تاريخ هذا الفندق، ففي هذا العام نزل به العديد من الشخصيات العالمية التي جاءت لمصر لحضور حفل افتتاح قناة السويس بدعوة من الخديوي إسماعيل. وكان على رأس الزوار الملكة الفرنسية «أوجيني» التي استقبلها الخديوي إسماعيل في فندق «شبرد» وأقام لها حفلا أسطوريا به، وهو ما جعله قبلة مشاهير العالم من الذين زاروا مصر. وعلى مدار أعوام عديدة حرصت إدارة الفندق على ان يحتوي الكتاب الذهبي الخاص بالفندق على توقيعات العديد من الضيوف والمشاهير والشخصيات العالمية مثل الملك «فيصل» ملك العراق الراحل، وأغاخان، ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق السير وينستون شرشل، والرئيس الأميركي الأسبق تيودور روزفلت. لم يقتصر نزلاء الفندق على الشخصيات العالمية ولكنه صار أيضا المكان المفضل للطبقة الأرستقراطية في مصر في مطلع القرن العشرين، وكان تراس الفندق بمثابة الملتقى المفضل لدى كبار العائلات لاحتساء الشاي في فترة بعد الظهيرة، وكان الملك فؤاد الأول ومن بعده ابنه الملك فاروق والزعيمان الوفديان سعد زغلول، وخليفته مصطفى النحاس من بين زوار الفندق الراغبين في الاستمتاع بالجلوس فيه. وظل موقع فندق «شبرد» يحتل مركز الصدارة في الكثير من الأحداث والمناسبات التي وقعت في القرن الماضي ومن بينها انه اتخذ كأحد مراكز قيادة الحلفاء في الحربين العالميتين الأولى 1914-1918، والثانية 1939-1945. كما استضافت غرفه الوفود العربية التي حضرت الى مصر لإعلان إنشاء جامعة الدول العربية عام 1946.

في السادس والعشرين من يناير عام 1952 شب حريق القاهرة الذي دمر العديد من المباني والمحال المهمة في وسط القاهرة وكان من بينها فندق شبرد، حيث أتى الحريق على المبنى تماما تاركاً إياه جثة هامدة، والمفارقة الغريبة أنها لم تكن المرة الأولى التي يتعرض فيها مبنى الفندق للحريق حيث سبق أن تعرض لحريق هائل دمره بالكامل بعد سنوات من إنشائه، ولكن أعيد بناؤه وقتها من جديد في نفس المكان .وقد ظل مبنى فندق شبرد على حاله دون تغيير بعد حريق القاهرة، حتى قامت ثورة 23 يوليو عام 1952، وتولت شركة «الفنادق المصرية» نقل مبنى الفندق الى أكثر أحياء مصر رقيا في ذلك الوقت وهو حي «جاردن سيتي»، حيث اختارت الضفة الشرقية لنيل القاهرة بجوار فندق سميراميس، كموقع للفندق وقامت بتشييده من جديد. وهو المكان الذي ظل به حتى الآن.

وإذا كانت شركة «الفنادق المصرية» قد أعادت اسم «شبرد» إلى عالم الفنادق في مصر مجددا، إلا أنها لم تنجح في إدارته بالشكل المناسب، والفشل نفسه تكرر مع بقية الفنادق التي امتلكتها الشركة وهو ما دفع لظهور اتجاه بمنح حق الإدارة لشركات عالمية تملك الخبرة الكافية في هذا المجال الذي أثبت القطاع العام فشله فيه منذ وقت مبكر، وكانت إدارة «شبرد» من نصيب شركة «هلنان» العالمية، حيث تسلمته عام 1987، وأخذ «شبرد» يستعيد جزءاً من ماضيه، ولكن بقاء الحال من المحال فقد وصل الفندق التاريخي خلال حقبة التسعينات إلى حالة من تردي الخدمة نتيجة إهمال شركة «هلنان» في الإدارة، وازداد الأمر سوءاً بعد أن فقد الفندق إحدى نجومه ليصبح «أربع نجوم» فقط بناء على قرار من وزارة السياحة المصرية عقابا على تدني مستوى الخدمة المقدمة، ولم يكن أمام الشركة المصرية القابضة لإدارة الفنادق التي تملك النسبة الأكبر في الفندق سوى إقامة دعوى قضائية ضد شركة «هلنان» التي تملك حق الإدارة لتحصل على حكم قضائي لاسترداد الحق في الإدارة وذلك عام 2004، ومنذ ذلك التاريخ يحاول الفندق استعادة ماضيه العريق من خلال رفع مستوى الخدمة المقدمة وتحسين الصورة التي تعرضت لهزة خلال الفترة التي تولت فيها شركة «هلنان» إدارته، حيث زاد من أعداد حجراته لتصل الى 302 غرفة يطل معظمها على نهر النيل في مشهد بديع، إضافة إلى وجود عدد من الأجنحة المميزة التي تجمع بين الفخامة والهدوء الساحر، وهناك أيضا جناح خاص بالشخصيات المهمة التي تتردد على الفندق. ويوفر الفندق كافة وسائل الراحة والترفيه لنزلائه بدرجة تجعل من الصعب على النزيل مغادرته بحثا عن متعته في مكان آخر، حيث يجد بداخله كافة وسائل الاستمتاع، بدءاً بمطاعمه الستة المتنوعة بين الطعام الشرقي والغربي وما توفره لزائريها من منظر رائع لنيل القاهرة في مشهد، قلما يوجد مثله بالنسبة للفنادق المجاورة المطلة على النيل أيضا. ويتميز «شبرد» أيضا بوجود 8 قاعات بمساحات مختلفة جميعها مجهزة بأحدث أساليب الإضاءة وأجهزة الصوت والمعدات اللازمة لإقامة الحفلات والمؤتمرات، وتعتبر قاعة «نفرتيتي» أكثر قاعات الفندق تميزاً لكونها الوحيدة بين الفنادق المحيطة التي تتمتع بالمنظر الفريد لأجمل بانوراما للنيل الساحر من موقعها بالطابق العاشر بالفندق، خاصة بعد أن تم تجديدها وتجهيزها كليا منذ أشهر قليلة لإقامة الحفلات والمؤتمرات بالمستوى الذي يليق بتاريخ الفندق.