سنترا.. تعرف معنى المرح

مدينة برتغالية ألهمت الشعراء وأوقعتهم بحبها

مشهد لمدخل القلعة العربية القديمة في سنترا
TT

«وراء مقود الشيفروليه على طريق سنترا تحت ضوء قمر وحلم، على الطريق المهجورة، اسوق (اقود) وحدي، ببطء وعلى مهل، ويبدو لي بعض الشيء ـ او اقنع نفسي قليلا ـ بأنني اتبع طريقا آخر، حلما آخر، عالما آخر، اتابع رحلتي، دون ان اشعر بأن لشبونة ورائي او سنترا امامي، اتابع رحلتي، وهل هناك ما هو اهم من المتابعة الى الامام...

على طريق سنترا، حزينا تحت ضوء القمر، والليل والحقول ورائي، اقود الشيفروليه المستعارة، وتعيسا، افقد نفسي على طريق الاشياء القادمة، اتلاشى في المسافة التي اقطع».

بهذا المقطع يبدأ الشاعر البرتغالي المعروف فرناندو بسوا، قصيدته الخاصة بالصراع بين الذات والوجود والعالم الخارجي، وقد اختار بسوا طريق سنترا مسرحا لصراعه الشعري والفكري، عن سبق اصرار وتصميم، إذ ان هذه الطريق من اشهر واجمل الطرقات في البرتغال واوروبا بشكل عام، وهي صلة الوصل بين لشبونة وبلدة سنترا التاريخية الرائعة التي الهمت الكثير من الكتاب والشعراء عبر التاريخ قبل الطريق التي حملت اسمها. واذكر في بدايات نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، اننا كنا (ثلة من الاصدقاء)، نسلك الرحلة وللسبب ذاته، الا وهو التمتع فقط بالطريق الجبلية القديمة والمثيرة. واحيانا كنا نأخذ من ضرورة احتساء فنجان القهوة في سنترا حجة للوصول الى المنطقة للتمتع بالطريق التي تنتشر اشجار الصنوبر على الجانبين في الجزء العالي منها. وكثيرا ما كنا نلجأ الى نافورة ساحة القصر الوطني للغسيل والتبرد من حر الشمس ايام الصيف. وكنا نتمتع بمراقبة الساحة وحركتها من على حافة حيطان القصر الضخم القريب من السوق العام. مهما يكن فإن كل ما حول بلدة سنترا التي اعتبرتها منظمة اليونسكو عام 1995 جزءا من التراث الإنساني لأهميتها المعمارية التاريخية (عمران القرن التاسع عشر ذات النمط الرومانسي) وطبيعتها الخلابة، يأخذ منها ومن سمعتها وهي سمعة طيبة سواء أكانت من ناحية الموقع الجبلي الجميل والقريب من لشبونة شمالا ام من ناحية العمارة والاحوال الجوية الرائعة والمعتدلة ام من ناحية المآكل والتراث وعالم الفنون. وهي ايضا من اشهر واعلى بلدات البرتغال واجملها، ولذا تشكل نقطة جذب سياحية اساسية في البلاد، سواء سياحة داخلية من البرتغاليين انفسهم أو من السياح الاجانب ( سياح المستعمرات البرتغالية في ماكاو في الصين واميركا اللاتينية والولايات المتحدة والدول الاوروبية). لكن نقاط الجذب الاساسية في البلدة التي رفضت ان يطلق عليها اسم المدينة، رغم انها من اكبر التجمعات السكنية في البلاد ( 20 الفا وتبعد عن العاصمة لشبونة حوالي 40 كلم وتستغرق الرحلة نصف ساعة على اقصى حد)، تتركز في عدة مواقع، اهمها القصر الوطني (Palcio Nacional de Sintra) الذي يتوسط ساحة البلدة الرئيسية وتسهل رؤيته من مناطق بعيدة بسبب المدخنتين المخروطيتين الملونتين بالأبيض فوق المطبخ الرئيسي. ويعتبر هذا القصر الجميل (مصمم في معظمه على الطراز «القوطي» و«المانويلي» والطراز المغربي الاسلامي او خليط من الطرازين البرتغالي والمغربي الساحرين)، الذي بناه واستخدمه الحكام العرب والمسلمون في القرن العاشر حسب تأكيد الجغرافي البكر، اصبح لاحقا ولاسباب سياسية تاريخية، من اهم واقدم القصور الملكية البرتغالية وكان مقرا صيفيا للعائلة البرتغالية المالكة منذ القرن الخامس عشر. كما تضم البلدة واحدا من اجمل القصور في البرتغال واوروبا، وهو قصر «بنه» (Pena Palace) (ذو اجنحة من طرازات معمارية مختلفة كالهندية والعربية والاوروبية) الذي يعتبر الاعلى فيها، إذ يطل على كل مرافقها. والى جانب هذا القصر هناك القلعة العربية القديمة (Castelo dos Mouros) التي تتربع على قمة جبل البلدة ويتطلب الصعود اليها لياقة بدنية عالية. وقد قام العرب ببناء القلعة بين القرنين التاسع والعاشر لحماية البلدة وسكن الحكام، ونجح في تدمير جزء كبير منها الملك الفونسو هنريكيز عند احتلاله لشبونة والبلدة في القرن الثاني عشر (1147). بعد ان هجرها سكانها اليهود في القرن الخامس عشر، ظلت خرابا حتى امر الملك فيرديناند الثاني في القرن التاسع عشر (1830) ولاسباب رومانسية، باعادة ترميمها. ولهذا السبب فإن القلعة كما هي عليه الآن، نتيجة لترميمات ذلك الزمن.

ومن المواقع الرئيسية والمهمة في البلدة ايضا، قصر «مونسيرات» (Monserrate Palace )، الذي تم انشاؤه عام 1850 بالطراز الشرقي الذي كان شائعا في اوروبا في تلك السنوات. وللقصر حديقة جميلة جدا اسسها السير فرانسيس كوك. ويضم الحديقة التي تشبه الحدائق الاستوائية في غزارتها وكثافتها، 3500 نوع من انواع النباتات. وهي من اجمل المواقع التي يمكن ان يستخدمها ويلجأ اليها السائح للاسترخاء والقيلولة.

وبالإضافة الى سلسلة الجبال (كان يطلق عليها اسم جبال القمر ايام الرومان) القريبة التي تمتد لمسافة 10 اميال، هناك الحديقة العامة (Sintra-Cascais Natural Park ) التي تشمل اهم واجمل المواقع الطبيعية والجغرافية في البرتغال وهي نقطة «كافو دا روكا» (Cabo da Roca) البحرية (18 كلم عن سنترا) التي تعتبر ابعد نقطة في اوروبا غربا، إذ لا يفصل بينها وبين اميركا الا المحيط الاطلسي. وفيما كان يطلق عليه الرومان اسم «صخرة لشبونة»، عرفها الشاعر البرتغالي الكلاسيكي لويس دي كاموس قائلا انها «حيث تنتهي الارض ويبدأ البحر» (في قصيدته الملحمية الشهيرة Os Lusadas).

وتوجد فوق التلة العالية عن البحر (141 مترا) منارة كبيرة ومحل خاص بالتحف السياحية، لكن المنطقة شاسعة ووعرة وعادة ما تجذب الشباب والعشاق الراغبين بالخلوة وتأمل البحر او المحيط والتمتع بالطبيعة الجرداء الخلابة.

وبعيدا عن هذا كله، فإن سنترا مشهورة بمقاهيها وحلوياتها البرتغالية التقليدية (Queijadinha ـ بالجبن و Travesseiro ـ بالفاكهة)، كما انها تتمتع باحوال جوية ممتازة على مدار العام وقد الهمت اجواؤها القديمة والطبيعية الهادئة الشعراء والكتاب عبر العصور، كما ذكرنا، ووصفها الشاعر الإنجليزي اللورد بايرون بأنها «عدن الرائعة» في اشارة الى جنات عدن في قصيدة Childe Harold’s Pilgrimage ، ويقول احد مقاطع قصيدة للشاعر روبرت سوذيه: «اكثر نقطة مباركة على الارض»، فهي مكان مثالي للحالمين بالتمتع بأصوات العصافير والطبيعة الوافرة والخيرة. اما الكاتب هانس اندرسون فقد وصفها بانها «اجمل مكان في البرتغال». ويقال ان كريستوفر كولومبس لجأ اليها وأرسى قواربه على الشواطئ القريبة منها قبل وصوله للقاء ملك اسبانيا وبدء رحلة اميركا عام 1493. ويجدر الذكر هنا ان سنترا تتمتع بموقع جغرافي ممتاز، إذ انها قريبة جدا من العاصمة لشبونة التي تعتبر في نفس المقاطعة الضخمة التي تشمل البلدة وتضم مليوني نسمة. كما ان البلدة التي يسهل الوصول اليها من العاصمة عبر القطارات والحافلات والسيارات وعربات الخيل وكان العرب يسمونها «شنترا»، قريبة جدا من المناطق البرتغالية الساحلية في الجنوب الغربي مثل «اشتوريل» و«كاشكايش» (20 دقيقة بالقطار من لشبونة) التي تقدم خدمات سياحية جمة. وتعتبر هاتان المنطقتان من المناطق البرتغالية التقليدية التي يقصدها الاغنياء من الداخل والخارج. ويعتبر العمران في هذه المناطق ايضا من اجمل ما يمكن رؤيته في البرتغال، خاصة الخليط في الاساليب والمناشئ.

* من فنادق سنترا

* فندق Penha Longa Hotel ( 5 نجوم ) ـ ابتداء من 152 جنيها استرلينيا (290 دولارا): مبنى الفندق كان عبارة عن دير للرهبان في القرن السابع عشر، ولذا يتمتع بحديقة ضخمة ومتنوعة، وغرف من خشب السنديان، بالإضافة الى الشرفات المطلة على الحديقة. كما يتمتع الفندق بملعبين للغولف، ومركز للتدليك والعناية بالجسد.

* فندق Hotel Tivoli Palacio de Seteais ( 5 نجوم) ـ ابتداء من 155 جنيها استرلينيا (300 دولار): من الفنادق القليلة المطلة على القلعة وقصر «بنه» او ما يمكن وصفه بعالم القرن التاسع. وهو فندق فاخر من الدرجة الاولى، مبني على الطراز المعماري الذي يعود الى القرن الثامن ويشمل حديقة كبيرة وبركة سباحة ايضا.

* فندق Lawrences Hotel (5 نجوم) ـ ابتداء من 115 يورو: هذا الفندق من اقدم فنادق شبه الجزيرة الايبيرية ويتمتع بطراز متفرد لا مثيل له في اوروبا. يشمل الفندق 7 غرف و5 شقق صغيرة فقط لا غير، وكل منها تتمتع بطراز وديكور مختلف. ويعرف الفندق عادة بأجوائه الحميمية الدافئة.

* فندق Hotel Pestana ( 4 نجوم ) ـ ابتداء من 95 جنيها (180 دولارا): من الفنادق التي تبعد عن وسط البلدة 2 كلم و7 كلم عن الشاطئ فقط، وتضم ملاعب الغولف وخدمات هذه الرياضة المزدهرة في البرتغال. يحتوي الفندق على 137 غرفة مجهزة بأحدث التقنيات مثل التلفزيون والإنترنت السريعة بالإضافة الى مركز للعلاج الطبيعي والسونا والتدليك والى ذلك.

* فندق Aparthotel Quinta Da Vigia ( 3 نجوم ) – ابتداء من 75 جنيها (140 دولارا): هذا الفندق من الفنادق المطلة على البحر على شواطئ الحديقة العامة المحمية من قبل منظمة اليونيسكو، ولذا يمكن من خلاله التمتع بالكثير من النشاطات السياحية في المناطق الريفية والبحرية المحاذية. ويشتمل الفندق على مطعم وبركة سباحة وقاعة للتمارين الرياضية.

* فندق Tivoli Sintra Hotel (4 نجوم ) ـ ابتداء من 72 يورو: يقع الفندق وسط البلدة المحاط بالقصور والحدائق والمطاعم والبيوت والازقة الحجرية. ولذا يعتبر مكانا مثاليا لمراقبة البلدة ومناظرها الخلابة والتمتع بها عن قرب ومن دون الاضطرار للخروج من الغرفة.

* فندق Casa Miradouro (4 نجوم) فندق آخر من الفنادق الجميلة التي لا تبعد اكثر من سبع دقائق ســيرا على الاقدام عن وســط البلدة. وهــو ايضا من الفنادق التي تم ترميمها من المباني التاريخية والملكية القديمة في البلدة (عام 1894). ويطل الفندق على مناظــر رائعــة للمناطق الجبلية والشاطئ، ويعتبر مريحا وذا خدمات جيدة.