«بيت المملوكة».. صلة الماضي بالحاضر

بيوت دمشق العتيقة تتحول إلى فنادق

راحة الى اقصى الحدود («الشرق الأوسط»)
TT

انتشرت في السنوات العشر الأخيرة، ظاهرة تحويل البيوت الدمشقية القديمة التقليدية إلى مطاعم ومقاه وكافتريات وغاليريات، فامتلأت حارات وأزقة دمشق بهذه المطاعم، لكن لم يفكر أحد من مالكي هذه البيوت في تحويل بيته إلى فندق، حيث يحتاج الأمر إلى مغامرة، خاصة مع انتشار فنادق النجوم الخمس بكثرة بدمشق. عائلة واحدة فقط، قررت أن تبدأ المغامرة قبل سنتين وهي عائلة (مزنر) المعروفة بدمشق القديمة بامتلاكها مصنع البروكار الدمشقي العريق حيث قررت شراء بيت دمشقي كان يعود لآل صارجي وقررت ترميمه وتحويله لفندق أطلق عليه: (بيت المملوكة) يربط الماضي بالحاضر والتراث بالمعاصرة ويؤسس لمرحلة جديدة بإشادة فنادق في قلب دمشق القديمة لتستقطب كبار الشخصيات، وينزلوا في هذا الفندق الغني بعمارته وتراثه وزخارفه ومنهم من دول الخليج العربي وشخصيات اقتصادية عالمية ووزراء ونائب لرئيس مجلس وزراء من دول آسيوية، يتحدث مدير الفندق وابن صاحبه (طوني مزنر) بفخر وسعادة عن استقطاب فندقه لكبار الشخصيات، وهو الذي لم يمض على افتتاحه أكثر من سنتين، شارحاً لنا السبب أن الفندق يمتلك غنى معمارياً كبيراً، حيث خضع المنزل الذي يقع في حي القشلة وفي الطريق المؤدي إلى معظم حارات ومواقع وأسواق دمشق القديمة من القيمرية حتى الجامع الأموي والعمارة والحميدية وغيرها، خضع إلى أعمال ترميم واسعة استمرت ثلاث سنوات، فأعيد المبنى كما كان أيام بنائه الأول قبل مئات السنين في الفترة المملوكية، إذ استخدمت نفس المواد من خشب وطينة وزخارف وغيرها لغرف وقاعات المنزل، كما أعيدت اللوحات الرائعة لجدران وسقوف المنزل ولعل ما يميز الفندق بشكل خاص هو وجود لوحات الفريسك الفنية التراثية على أسقف غرف وصالون المنزل وهذه قلما نجدها في بيوت دمشقية قديمة وإنما توجد عادة في القصور الضخمة وهذه اللوحات غنية جداً بالرسوم والزخارف، حيث أبدعتها أياد فنية عريقة كذلك يتميز البيت بوجود فن القاشاني على جدرانه وركائزه وهو فن تراثي جميل فأعيد ترميمه أيضاً، كذلك تم الاستعانة بأشهر مصنعي الثريات التراثية ومنهم يوسف توكمجي لإعادة ترميم الثريات وزينت بها أسقف البيت لتعطي إنارة فلكلورية تتناسب مع عراقة «البيت الفندق» كذلك كانت مفروشات الفندق من الأرائك والكنب، حيث جميعها تنتمي لفن الأرابيسك وتتميز بالخطوط الهندسية التراثية. الجميل في موقع هذا البيت الفندق أن الوصول إليه سهل فرغم تعرجات حارات وأزقة دمشق القديمة إلا أن الفندق يقع في بداية هذه الحارات المتعرجة فما أن ينهي الزائر لسوق باب توما تجواله ويتجه جنوباً نحو حارة القشلة باتجاه باب شرقي إلا وينعطف في بدايتها متجهاً إلى حي القيمرية والجامع الأموي ومنطقة الأسواق القديمة وهنا سيصادفه وفي زاوية معمارية، تقابل أحد أقدم حمامات دمشق وهو حمام البكري وهنا يقع فندق بيت المملوكة... ندخل البيت الفندق وكحال بيوت دمشق القديمة لا بد أن تمر بدهليز ضيق لتصل إلى الباحة الكبيرة الواسعة، حيث يفلسف البعض هذا النمط المعماري من خلال المقولة(ما بعد الضيق إلاّ الفرج) وبالفعل تنفرج أساريرنا ونحن نشاهد الفسحة السماوية الواسعة وشجرتي النارنج والليمون والياسمين الدمشقي والبحيرة الجميلة وسط الباحة، حيث تترقرق المياه بشكل يوحي بالرطوبة وحولها تحلق مجموعة من النزلاء أعلمنا أنطون أنهم عبارة عن مجموعة سياحية قادمة من لبنان قررت الإقامة بالفندق ونسرّ أكثر ونحن نتجول في الفندق وغرفه، حيث يضم ثماني غرف، خمس منها في الطابق السفلي وثلاث في الطابق العلوي وبمساحة طابقية تصل لحوالي 750متراً مربعاً ومساحة أرض المنزل حوالي 450متراً في غرف الفندق، حرص طوني مزنر أن يقدم للمقيمين كل الخدمات العصرية التي تتماشى مع خدمات فنادق الخمس نجوم، حيث صنف الفندق سياحياً بهذا المستوى وبشكل رسمي من قبل وزارة السياحة السورية ولكن جميع هذه الخدمات تقدم بقالب تراثي حتى أن الأسرّة جاءت من الخشب المزخرف، بحيث تتناسب وزخارف الأسقف والجدران، وفي الفندق أيضاً هناك أربعة اجنحة والتي أقيمت في صالوني المنزل اللذين يقعان على يسار ويمين (الليوان) هذا الجزء من البيت الفندق الذي لاتصل إليه الشمس مطلقاً وهو رطب بشكل دائم، حيث يبعث البرودة في أروقته حتى ولو كانت شمس يوليو (تموز) اللاهبة تسطع على المنزل، هنا في الليوان تحلو جلسات السهر العائلية الحميمية وتناول الشاي العادي أو الأخضر المحضر على الطريقة المغربية والقهوة التركية أو العربية أو الإيطالية والفرنسية على كراسي القش التراثية والطاولات المصنعة أيضاً من الخشب القديم والقش وفي صواني النحاس المزخرفة والمطعمة بالفضة والتي أنجزها حرفيون دمشقيون يدوياً وبشكل ماهر ويقول أنطون مزنر: حرصنا ان نعيد كل شيء كما كان وبشكل يدوي فقط حتى يتناسب مع الفندق. وأسأل طوني عن سبب إطلاقهم اسم المملوكة على الفندق فيجيب قائلاً: إن البيت ومنذ أول بناء له كان اسمه هكذا وهو في التراث المملوكي( من يمتلك الشيء) ولاحظنا أنه إذا أبقينا الاسم كما هو للفندق فسهل لفظه من قبل الجميع عرباً وعجماً شرقيين وغربيين وهكذا فعلنا.

ولم ينس أنطون أن يؤسس موقعاً على الشبكة العالمية الانترنت للفندق خاصة أن الكثيرين من رواده هم من السياح الأجانب، الذين يقدم لهم الفندق أيضاً خدمات سياحية في حال رغبوا بالتجول في مواقع سياحية سورية كتدمر وقلاع صلاح الدين وحلب والحصن وغيرها. للمزيد من المعلومات:

www.almamlouka.com و[email protected]