مغارة جعيتا بلبنان في طريقها إلى عجائب الدنيا السبع

وصلت بروعتها إلى التصفيات النهائية

يجري التصويت حالياً لضم مغارة جعيتا الى عجائب الدنيا السبع («الشرق الأوسط»)
TT

سلكت مغارة جعيتا طريق عجائب الدنيا السبع ووضعت على لائحة مؤلفة من 280 موقعا طبيعيا اختيرت من القارات الخمس، أهمها شلالات نياغارا وغابات الأمازون ونهرها وقمة جبل ايفرست وجزر وصحارٍ وبحيرات وجبال بركانية وغابات وأودية من دول كبرى. وجعيتا التي تليق بها تسمية لؤلؤة السياحة اللبنانية، تقع على مسافة حوالي 17 كيلومترا شمال بيروت ويحتضنها وادي نهر الكلب. وهي تستقطب منفردة أكثر من ربع عدد سياح بلاد الأرز. وهي تضم بين حناياها «مغارتين» سفلى وعليا. وتختزن المغارة السفلى نهرا جوفيا يمنح زائريها متعة التنقّل على متون القوارب الصغيرة. وكانت قد شرّعت أبوابها أمام الزائرين عام 1958 بعدما اكتشفها عام 1836 المبشر الاميركي وليام طومسون. ويحكى أنه بعدما توغّل في داخلها حوالي 50 متراً اطلق النار من بندقية الصيد التي كان يحملها فأدرك من الصدى الذي احدثه صوت إطلاق النار أن للمغارة امتداداً جوفياً، ليتم بعد ذلك اكتشاف غوره الذي يصل الى 6200 متر. وتولى مهمة تأهيلها آنذاك المهندس والنحات اللبناني غسان كلينيك.

أما المغارة العليا فهي جافة، وقد اكتشفها منقبّون لبنانيون عام 1958 ودشنت عام 1969 وبامكان الزائر اكتشافها سيرا على القدمين على مسافة 750 مترا من طولها الذي يصل الى 2200 متر. يذكر انه أعيد افتتاح المغارة في تموز (يوليو) 1995 بعد 20 عاما على الاقفال القسري نتيجة الحرب الاهلية (1975 ـ 1990). ووقعت وزارة السياحة اللبنانية عقدا بعد ذلك مدته 27 عاما مضى منها 13 عاما مع الشركة المستثمرة ماباس لاعادة تأهيل مغارة جعيتا.

للرحلة داخل هذه التحفة الطبيعية مغامرتها الخاصة التي لا تشبه سواها. من الخطوة الأولى في الطريق المؤدية الى هذا الكنز الطبيعي يشعر المرء بروعة المكان، حيث يضم حضن الطبيعة الخضراء طيورا ومنحوتات وزعت في الارجاء وعلى الجانبين. وقبل الوصول الى الهدف المقصود بامكان الزائر أن يكتشف المنطقة من الأعلى على متن التلفريك فوق وادي نهر الكلب في قلب الجبال الخضراء لتنتهي الرحلة امام المغارة العليا. وللانتقال بين المائية والجافة سيكون القطار الصغير بالانتظار ليلعب دور وسيلة النقل الأسهل والأكثر متعة. وفي الداخل المائي عالم متكامل يعكس كرم الخالق عز وجل في تشكيل لوحات جمالية طبيعية تضاهي أعمال اهم النحاتين العالميين. فالنظر يحتار في استيعاب أبجدية هذا التشكيل على امتداد مسافة 500 متر، حيث يغوص الزائر في أروقة صخرية تجسد اشكالا هندسية فريدة ومستويات مختلفة من الكهوف الكلسية. فهنا جذع شجرة ينحني على الأرض ويبدو أنه يعود الى مئات السنين، وهناك يجلس عاشقان يقول عنهما قائد الزورق أنهما «روميو وجولييت»، وفي احدى الزوايا تعلو نبتة «القرنبيط» بأزهارها البيضاء المتفتّحة وغيرها من الاشكال الرائعة التي «تسبح» على جوانب «الطريق المائي» حيث تتمتّع عين الناظر أيضا بشلالات صخرية متدلية ذات أحجام متفاوتة طولا وعرضا. وللانارة دورها الهندسي الذي يضفي على المنظر العام سحرا خاصا ويسهّل مهمة المنقبين. ولا تقل أروقة المغارة الجافة روعة عن المائية. الرحلة على الأقدام على الجسور الحديدية بعد عبور نفق يبلغ حوالي 120 متراً لها طقوسها الخاصة، ولا سيما لحظة الغوص بين حنايا الفجوات والجبال الصخرية المنتشرة في كل حدب وصوب، اضافة الى الأودية المتعرجة التي تمنح شعورا لا يوصف. وتطل هذه الممرات على عالم من الأقبية الهائلة الارتفاع، الموزعة فيها الأغوار والأعمدة والهياكل. كما أن التأمل في هذه السراديب الطبيعية لا يشبع نهم العين التي تتنقل بين منحوتات لا تفقد بريقها مهما طال الزمن، وهي على تشابهها الواضح يبقى لكل منها فرادته ولمسته الخاصة. أما بيئة المغارة الطبيعية، كما يقول مدير الشركة الألمانية المستثمرة للمغارة الدكتور نبيل حداد، فهي حساسة وذات نظام ايكولوجي دقيق التوازن، ولهذا فان أي خلل به يمكن ان يسبب ضررا للصخور الكلسية وتخسر من جمالها كما يمكن ان يؤدي الى تغيير في الوانها. لذلك فُرض نظام صارم في المحافظة على بيئتها وذلك باستعمال نظام اضاءة غير مؤذ وغسل الصخور، اضافة الى منع ادخال اي مواد عضوية او كيميائية.

وبإمكان الزائر لمرفق جعيتا السياحي ان يطّلع على مكونات هذه التحفة الطبيعية من خلال فيلم وثائقي مدته 21 دقيقة يعرض في احدى الصالات يشرح فيه كيفية تكوين المنحوتات العجيبة في جوف الجبل وتسميتها وتاريخها.

وتبقى درجة الحرارة داخل المغارتين على مدار السنة ثابتة على 16 درجة مئوية في المغارة السفلى و22 درجة في العليا وتقفل لأيام معدودة في فصل الشتاء عند ارتفاع منسوب المياه.

أما عملية التصويت التي تتسابق عليها شعوب الدول المشاركة فهي تجري الآن على الموقع الالكتروني www.new7wonders.com وتمر بمراحل عدة، الأولى تهدف الى تحديد 77 موقعا حتى نهاية العام 2008، لتقوم في ما بعد لجنة عالمية باختيار 21 موقعا تتنافس عالميا خلال عام 2009 وحتى منتصف العام 2010، ليتم انتقاء بعد ذلك سبعة مواقع يطلق عليها عجائب الدنيا السبع. مع العلم أن تصنيف مغارة جعيتا تقدم حاليا الى المرتبة 47 بعدما كان تصنيفها 72 قبل نحو اسبوعين. ويبدو ان اللبنانيين قد أخذوا على عاتقهم مهمة ايصال مغارة جعيتا الى العالمية من خلال اقبالهم على التصويت لهذا المعلم السياحي، وايضا من خلال حملات التشجيع والترويج التي يتولاها الافراد المقيمون والمغتربون، وكأنهم يعتبرون ان هذه المنافسة هي واجب وطني بامتياز، وتستوجب تضافر الجهود. أو كأن نجاحهم في هذه المهمة يشكل تعويضا لهم عن الانقسام الحاصل على أرض السياسة وبالتالي لا سبيل لمكافحته إلا من خلال وحدة الموقف على أرض السياحة. وأكّد حداد «ان وصول مغارة جعيتا الى مرحلة التصفيات النهائية سيشهد هجمة اعلامية عالمية قل نظيرها، وستسلّط الأضواء عليه أكثر للتعريف بهذا الموقع الفريد. كما يرجح أن يصل حجم التصويت الى أكثر من مليار صوت بحسب تصريح اللجنة المنظمة في سويسرا». وأضاف «ان الوصول الى أحد المواقع الـ 21 سيجعل من سياسة التنشيط والتعريف السياحي التي تتبعها وزارة السياحة ذات مردود ايجابي على الاقتصاد اللبناني وسيعكس صورة جميلة عن لبنان، حيث مرتع الجمال والتراث الذي يحتضن أجمل اللوحات الطبيعية التي يفترض أن تستقطب أنظار السياح والمهتمين بالبيئة والطبيعة من جميع أقطار العالم».