«الباراغلايدينغ».. جناح الحلم الطائر

رياضة تحول الحلم إلى حقيقة

رياضة المغامرين واصحاب القلوب القوية (خاص بـ«الشرق الأوسط»)
TT

غالبا ما يشعر البعض برغبة جامحة في التحليق ان لفرط السرور او بغية التخلّص من القيود الحياتية. حتى ان كثيرين يستيقظون بعد نوم عميق ينعمون فيه بالطيران فوق الجبال والمساحات الشاسعة.. قد يكون هذا الحلم من اجمل الاحلام التي ترافقنا منذ الطفولة، حتى يكاد يكون ترجمة خيالية لتلك الصور التي تشغل مخيلات الاطفال، فنراهم يسألون عن «سر» الاجنحة وسحرها وسبب تفرّد العصافير بالتنعم بها، فيما انهم محرومون منها وعاجزون عن التحليق.

الواقع ان احلام الطيران ليست بعيدة المنال. فبفضل رياضة الـ«باراغلايدينغ» يمكن تحقيق هذه الرغبات. وبعكس الشائع، لا يلزم المرء الكثير من الخبرة أو الدورات التدريبية رغم انها امر اساسي، اذ تبدو ثلاثة ايام أو اربعة حدا اقصى مدة كافية لتعلّم التقنيات وأصول التحليق وليتمرّن على قواعد الانطلاق والهبوط وذلك في جلسات مكثّفة تستمر طوال هذه الايام، كما اكد الخبير في مجال التحليق اللبناني جهاد عبجي لـ«الشرق الأوسط». ان من أبدى اصرارا على التحليق من دون اظهار اي تردّد فبإمكانه الطيران في اليوم الرابع. كل ما يلزم، جرعة من الشجاعة للاقدام على الخطوات الاولى. اذ ان التحليق بالـ«باراغلايدنغ» سهل ولا يحتاج الى القفز من طوافة. يكفي الركض بضع خطوات على منحدر حتى يمتلئ المنطاد هواء ويرتفع ليصبح على مستوى متعامد مع الطيار فيباشر التحليق، وشيئا فشيئا يصبح الحلم حقيقة! تحقيق هذا الحلم سبق ان استشرفه والتر نويمارك في عام 1954، حين كتب في مجلة «فلايت» انه سيأتي وقت يكون فيه الانسان قادرا على التحليق بعد ان ينطلق راكضا فوق حافة جرف أو على منحدر حاد.. سواء كان يمارس التسلّق في جزيرة سكاي (الاسكوتلندية) أو التزلج على جبال الالب.

وهذا تحديدا ما حصل في السنوات والعقود اللاحقة. ففي عام 1961، طوّر المهندس الفرنسي بيار لومانيي تصميم المظلة بحيث يمكن قطرها صعودا لترتفع في الهواء وتحلّق. وفي بداية الستينات، اطلقت الوكالة الاميركية للطيران والفضاء «ناسا» عبارة «باراغلايدر» فيما استخدمت عبارة «باراغلايدنغ» في بداية السبعينات لوصف عملية الطيران بالمظلّة بعد الانطلاق ركضا.

ومنذ الثمانينات، وهذه الرياضة آخذة في التطوّر وعدد الهواة والمحترفين الى ارتفاع ايضا. واول بطولة عالمية اجريت في النمسا في عام 1989. وفي لبنان شقّت هذه الرياضة طريقها منذ عام 1992 وبدأت تلاقي اقبالا ملحوظا منذ عام 1997، رغم ان الظروف التي تطرأ احيانا على البلاد تمنع التحليق لأسباب امنية. ولكن في اية حال، هناك مساحات مرخّص لها حيث بإمكان الهواة كما المحترفين التحليق بارتياح. ومن هذه المناطق يذكر عبجي معراب، مزيارة، الارز، صوفر، لاسا، حمانا، شبروح. ويوضح عبجي ان هذا النوع من التحليق يختلف عن الهبوط بالمظلات لانه يمكن التحكّم في مستوى الارتفاع والانخفاض. اهم ما في الامر التأكد من ان الخيوط التي تشكل الجزء الثاني من الباراغلايدينغ غير معقّدة وفي حالة سليمة. وبعد الركض وبدء التحليق يمكن الجلوس في المقعد المخصص لذلك. واثناء الطيران هناك حركات معينة يتعلّمها الطيار ليحافظ على ارتفاعه لان الباراغلايدر تنخفض مترا عند اجتياز ستة امتار او سبعة. ولدى الهبوط ينزلق الطيار من الكرسي الذي سبق ان احكم جلوسه فيه ثم يرفع يديه فيبدأ بالانخفاض تدريجيا. المهم الا يخفّض يديه والا تعرّض لحادث مؤذ، فحينها ستنغلق الاجنحة عليه فيسقط كعصفور. وتحدث عبجي عن ثلاثة عوامل تشكل مرتكزات اساسية للطيران، فقال: «يمكن ممارسة هذه الرياضة في كل المواسم والفصول شرط وضوح الرؤية. فسحابات الصيف لا تشكّل عائقا، فيما الضباب والغيوم الرمادية لا يسمحان ابدا بالتحليق، لان الطيار يحتاج الى جو نقي حتى يحافظ على سلامته. كذلك ان الرياح تشكل عاملا مهما، فإذا تجاوزت سرعتها 12 كيلومترا في الساعة يصبح التحليق اكثر خطورة. ففي منطقة الارز (في الشمال اللبناني) نحرص على ان تتراوح سرعة الرياح بين سبعة كيلومترات في الساعة و12 حدا اقصى. اما المحترفون فبإمكانهم الطيران في ظل رياح تصل سرعتها الى 20 كيلومترا في الساعة. وأخيرا، التضاريس، إذ يستحيل التحليق فوق مناطق مأهولة ومكتظة بالابنية والسكان والا صار الهبوط امرا صعبا».

وعن الارشادات والاشراف على الهواة اثناء التحليق يقول عبجي: «في المرات الاولى، نزوّد الطيار بجهاز راديو لنرشده ونعطيه بعض التعليمات، ولاحقا اذا واظب على ممارسة هذه الرياضة يصبح بإمكانه الطيران من دون هذا الجهاز. ويستعيض عنه ببوصلة، وإذا اراد يمكنه اقتناء بارومتر ليقيس سرعة الرياح. ولكن في البداية، نطمئن الهواة الى ان مدربَين محترفَين يرافقان الطيار. الاول، عند محطة الاقلاع والثاني عند نقطة الهبوط». وعن الاخطار التي يمكن ان تطرأ، أوضح انه بعكس ما هو شائع، وهذه الحوادث نادرا ما تحصل وبالاحرى لا خوف من حصولها اذا تقيّد الطيار بتعليمات المدرّبين. وإذا، لا سمح الله، قطع حبل من الحبال، لا يشكّل ذلك خطرا كبيرا لان كل حبل قادر وحده على حمل الطيار. ونشدد اثناء التدريب على كل ما يخص سلامة الهاوي ولا نجبره على الطيران في اليوم الرابع اذا لم يشعر بأنه قادر على الاقدام على ذلك. فأحيانا كثيرة يمضي الهواة يوما كاملا يتحضرون فيه نفسيا للطيران، ففي النهاية بعضهم يطير والبعض الآخر يعود ادراجه. ولكن في النهاية لا حاجة الى القول ان احساسا رائعا لا يقاوم يشعر به المرء اثناء التحليق!