«جمال» الرقص اللاتيني يحلو على إيقاع الشاطئ اللبناني

سهرة تحت ضوء القمر وفي ظل نسمة خريفية عليلة

TT

هل سبق ان شاهدت فيلم «دانس ويذ مي» وأعجبت بأداء الممثلة فانيسا وليامس الى درجة انك رغبت في تعلّم الرومبا والسالسا وكل مشتقات اللاتينو او على الاقل تجربتها؟ إذا كان الجواب إيجابيا، فلا بد ان تكون زيارة مطعم «جمّال» في منطقة كفرعبيدا في البترون على الساحل الشمالي للبنان، فرصة ذهبية لتلقّف النغمة التي تتكفّل وحدها بتحريك ساقيك حتى وإن كانتا عاجزتين عن التحرّك، خجلا أو جهلا بقواعد هذه الرقصات التي توجب احترافا عفويا! سهرة تحت ضوء القمر وفي ظل نسمة خريفية عليلة، على شاطئ تعانق أمواجه الحصى الابيض الذي يتحرّك تحت أقدام الساهرين، فترى بعضهم يرتبك ويكاد يسقط لولا اعداد الحضور الذين تتكفّل «عجقتهم» بتلافي السقوط. على وقع النغمات التي يتولّى امرها الـ«دي دجي» الذي حلّ ضيفا من لندن، كانت أمسية امتدت حتى ساعات الصباح الاولى. الجميع بدوا كمن يحتفلون بمناسبة كبيرة، حتى وإن لم تكن موجودة. ذلك ان الفرحة بدت عارمة. الضحكات كانت تصدح في المكان وتتطاير بين أضواء الشموع المرصوفة على جوانب الصخور المحيطة وترتفع صعودا نحو القمر الذي بدا جزءا لا يتجزأ من الديكور العام للمكان الذي يضجّ سرورا! لا بد من الاشارة اولا الى ان الابتسامة لها مكانتها هنا. انها بمثابة بطاقة مرور لا بد من حيازتها ليتسنّى للوافدين عبور العتبة والا... فالمنظّم ينهال عليك بالاسئلة حتى وإن كانت انجليزيتك لا تتيح لك فهم اللكنة الاجنبية. ويواصل الترحيب حتى ترتسم الابتسامة على وجهك فيشير إليك بالدخول. بضع خطوات نزولا على السلالم، تجد نفسك ترقص من دون اي تكلّف أو حرج. تجتاز الساهرين، كمن يجتاز الامواج وصولا الى الشاطئ، فتبلغ المنصّة الخشبية. ولصعودها، هناك قواعد وشروط يجب التقيّد بها، حفاظا على نجاح الامسية. القاعدة رقم واحد: اياك ان تصعد المنصّة وتتسمّر كلوح خشبي والا فالسقوط سيكون مصيرك! القاعدة رقم اثنين: اذا داس احدهم على قدمك، لا تكترث حتى وإن شعرت بألم حاد. فإذا أردت الاستمتاع بالامسية عليك التأقلم ومواصلة الرقص كأن شيئا لم يكن. القاعدة رقم ثلاثة: حافظ على ابتسامتك ولا تشعر بأي خجل اذا كدت تسقط او اذا سقطت خلال تجربتك خطوات معيّنة، لان احدا لم ولن يتنبّه لهفواتك. ولا تنسَ ايضا ان المبتدئين والهواة تفوق اعدادهم اعداد المحترفين. السرور يظلّل المكان. الجميع يضحك، يرقص، يقفز، يتمايل على وقع الموسيقى الغربية. وأتت اغنية الفنانة اللبنانية حنين «دنيتنا ضيعة» بإيقاعها الفريد الذي يمزج بين الموسيقى الشرقية والكوبية، لتحضّ المترددين على «الالتحاق» بالمنصّة. وهكذا اغنية تلو الاغنية دخل الجميع الايقاع العام للامسية حتى وصلت فرقة من محترفي الرقص اللاتيني لتحيي الاجواء على طريقتها. اعتلوا المنصّة وتحلّق الجميع حولهم. يراقبون خطواتهم، تمايلهم، يشيرون اليهم بأصابعهم اعجابا... ويلتقطون مئات الصور. تلتهم فرقة لبنانية - اجنبية قدّمت عرضا فريدا على ايقاع النغمات الافريقية. وكأن السهرة تحوّلت فسيفساء لموسيقى الثقافات الاجنبية التي تنبض بهجة. حول هذه الفرقة تحلّق الحضور كمن يتحلّق حول رئيس القبيلة ليستمع الى ما لديه. آلات العزف بسيطة جدا تماما كملابس العازفين، تشبه الاواني المعدّة للاستخدام اليومي.

وفي الوسط توالى الاعضاء على تقديم رقصات فيها من التحدّي بمقدار ما فيها من المرح، فيها من الاحتراف بقدر ما فيها من العفوية. وربما لذلك تبدو الهفوات مسموحة لا بل امرا مقبولا من شأنه اضفاء مزيد من المرح. فإذا سقط احد الراقصين خلال ادائه رقصة القرفصاء وتمدّد على الحصى... وقف وواصل الرقص كأن شيئا لم يكن، لا بل من دون عناء نفض الغبار عن ثيابه. الواقع ان هذا المكان المليء بالحياة، يقدّم أيضا قائمة بأشهى اطباق السمك والمأكولات البحرية ومشهور بالتوابل التي يعدّها. يقصده محبو الامكنة الغريبة اذ انه صيفا، يضع قسما من طاولاته في المياه. ويستعين اصحابه بقارب صغير لنقل الزوار الى كراسيهم. هذه الفكرة المميزة نقلها مؤسس المطعم جو جمّال حين عاد من الولايات المتحدة، معجبا بأحد المطاعم هناك. أتى وارتأى تحويل بيت جدّه على الشاطئ مطعما صغيرا يقصده الاصدقاء والمقرّبون. كان ذلك في 19 يونيو (حزيران) 1981. بضع طاولات وبضعة كراس ازدادت اعدادها تدريجا ذلك ان صيته أخذ ينتشر بفضل جودة أطباقه. يتّسع المكان اليوم لـ120 شخصا صيفا منهم 60 في المياه. أما شتاء فيتّسع لـ80. يقول جمّال لـ«الشرق الأوسط»: «أسماكنا أرزتها على رأسها (اي انها محلية وطازجة). نقدّم مازات بالسمك أعددنا وصفاتها بأنفسنا. لا ابوح بسرّها لكنني أؤكّد حرصنا على جودة المكوّنات. نحن مشهورون بطبق الصبيدج بالحبر المطهي على الطريقة البترونية. والاهم اننا نقدّم ثمار البحر في مواسمها، لذلك الكالامار ليس متوافرا في كل المواسم». وجمّال الذي لا يحب التحدث عن مطعمه يكتفي بالقول ان الجلسة تحلو شتاء بفضل الموقد والبار الذي يقع مستواه على مستوى النافذة، ما يسمح للزبائن بمشاهدة الامواج تتكسّر الى جانبهم!