دفء مشمس ووجوه سمراء.. أنت في أسوان

تضع الزائر في قلبها

اسوان.. مدينة الاثار والطبيعة الحالمة («الشرق الأوسط»)
TT

غالبية أهلها من أصحاب البشرة السمراء، اشتهروا بالقلوب البيضاء فهم يستقبلونك بترحاب وحبور شديدين، ويضعونك دائما في حبة القلب، لهم طابع مميز سواء في الملبس أو المظهر أو المأكل والمسكن، او حتى لحظات الترويح والغناء.. إنها مدينة أسوان التي تقع على بعد 1200 كيلومتر جنوب القاهرة، مُشكِّلة عبر تاريخها العريق بوابة مصر الجنوبية التي تربطها بمنابع نهر النيل الذي يحمل لها الحياة.

شمس أسوان الساطعة ودفء جوها في الشتاء انعكسا على أهلها، الذين ما إن تطأ قدمك أرضهم حتى تصبح واحدا منهم، يستقبلونك أينما حللت بالترحاب والابتسامة العريضة، وفي مصر كلها يعرف أهالي أسوان بالطيبة الشديدة.

اشتقت أسوان اسمها من كلمة «سون» الفرعونية والتي تعني السوق أو التجارة، نظرا لموقعها المتحكم في التجارة بين الشمال والجنوب منذ قديم الأزل، وحرف الإغريق هذا الاسم إلى سين، ثم أطلق عليها الأقباط «سوان»، حتى دخل العرب مصر فنطقوها «أسوان».

ورغم مرور آلاف السنين على التسمية الفرعونية، إلا أن المدينة ما زال بها نشاط تجاري يلاقي رواجا شديدا، هو تجارة القطع الأثرية (الانتيكات) المقلدة التي يقبل السائحون من كل أنحاء الأرض على اقتنائها لتذكرهم بشمسها ودفئها الحنون وآثارها التي لن ينسوها.

تحتل أسوان موقعا جغرافيا فريدا في خريطة مصر، فمن الشمال تحدها محافظة قنا، وشرقا محافظة البحر الأحمر، وغربا محافظة الوادي الجديد، وجنوبا الحدود المصرية السودانية، فضلا عن كونها مدينة نيلية بامتياز، كما انها ترتفع عن سطح البحر نحو 85 مترا. هذه الجغرافيا منحت أسوان طبيعة خاصة فعلاوة على الرمال الصفراء، والأراضي الخضراء ومياه النيل، تنام في أحضانها الكثير من كنوز الحضارة الفرعونية.

وعندما تزور أسوان تأكد أنك ستشتري الفول السوداني اللذيذ الذي تشتهر به المدينة، كما ستتذوق أشهر المشروبات النوبية مثل عصير «الكركديه» و«الدوم»، اللذين ثبتت فوائدهما الصحية الكثيرة سواء لأمراض الكلى أو الضغط أو الكبد. تلك المنتجات النوبية ربما تجد أن أسرا بأكملها تعيش على التجارة فيها، ليس فقط للسائحين، لكنهم يصدرونها لمحافظات مصر كلها.

كانت أسوان المشتى المفضل للرئيس المصري الراحل أنور السادات (1918 ـ 1981)، وكانت له استراحة رئاسية يقضي بها أغلب أوقات الشتاء كلما سنحت له الفرصة، ولا يزال ينشد شمسها ودفئها الكثير من المسؤولين، والمشاهير، خاصة في فصل الشتاء.

لنهر النيل في أسوان طعم ورائحة مميزة عن باقي مدن مصر النيلية، ففي أسوان يبلغ النيل أقصى اتساع له في الأراضي المصرية التي يجري فيها على امتداد 1532 كيلومترا قبل أن يلتقي بمصبه في البحر المتوسط، ولا يقتصر الأمر على الاتساع فحسب، بل إنك ستنبهر بشكل ولون المياه، وهي تترقرق بعذوبة، وتنعكس على العديد من التكوينات الصخرية الفاتنة سواء على شاطئ النهر أو في عمق المياه نفسها. وتعد المراكب الشراعية في النيل من أجمل النزهات التي يمكن أن تقوم بها في أسوان، فستبحر مستغلا طاقة الرياح، متعمقا في المياه التي تحمل الحياة لمصر كلها.

ولعل الطبيعة البكر التي تتميز بها أسوان هي التي دفعت العديد من منتجي الأفلام السينمائية إلى تصوير أفلامهم فيها، منذ أن كانت أفلام الأبيض والأسود هي السائدة وحتى الآن، ومن أشهرها فيلم «أنت حبيبي» بطولة فريد الأطرش وشادية وهند رستم من إنتاج عام 1957، وفيلم «الحقيقة العارية» بطولة ماجدة الصباحي وإيهاب نافع من إنتاج عام 1963، وفيلم «مافيا» بطولة أحمد السقا ومنى زكي ومصطفى شعبان الذي أنتج عام 2002.

ومنذ عام 1960 اكتسبت مدينة أسوان أهمية استراتيجية كبرى بعد بناء السد العالي فيها، وخلفه بحيرة ناصر، التي يتجمع فيها مخزون مصر من مياه الفيضانات للاستعانة بها في كافة أغراض الحياة، كما تعد هذه البحيرة من أهم مصايد الأسماك في مصر. كما أن السد العالي هو المسؤول عن توليد الكهرباء، لنحو 99 % من الأراضي المصرية حسب التصريحات المصرية الرسمية.

أهم المواقع الأثرية في أسوان متحف النوبة: يعتبر أحد أهم المتاحف المصرية، لأنه المتحف المفتوح الفريد والوحيد من نوعه، وتم إنشاؤه على مدار عشر سنوات، يعرض المتحف مصنوعات النوبة اليدوية، أسلحة، فخاريات، أدوات، صورا، منحوتات، علاوة على ذلك، يقدم عروض الرقص والموسيقى والغناء النوبية.

جزيرة فيلة: هناك تفسيران لتسمية الجزيرة بهذا الاسم الأول أنها كان اسمها في اللغة الفرعونية «يب» وتعني (فيل) في اللغة النوبية، وأن الفراعنة أطلقوا عليها هذا الاسم لأن الجزيرة تكونت من التشكيلات الحجرية الرمادية العملاقة التي تشبه قطيع فيلة يستحم في الماء، والتفسير الآخر أنها كانت تضم سوقا ضخمة لتجارة العاج. ويوجد بالجزيرة الآن فندق أوبروي، الذي يتميز ببرجه الضخم الذي يتيح لمن يقف فيه مشاهدة أسوان بأكملها، كما تضم الجزيرة معبد خنوم الذي دمر في القرن الرابع قبل الميلاد وهو الآن تحت الترميم. وتضم الجزيرة معبد فيلة، والذي تم تفكيكه وأعيد تجميعه على جزيرة أجيليكا على بعد حوالي 550 مترا من موقع بنائه الأصلي بجزيرة فيلة في أعقاب بناء السدّ العالي، أنشأ المعبد للإله إيزيس، ويضم أضرحة وملاجئ مختلفة، ويتضمّن: دهليز نيكتانيبوس، الذي أستعمل كمدخل إلى الجزيرة، ومعبد الإمبراطور أدريان، ومعبد هاثور، وغيرها من المقتنيات والحجرات.

معبدا أبو سمبل: من أروع المعابد التاريخية في العالم، بناهما الفراعنة منذ أكثر من 3 آلاف عام إلا أن عملية نقلهما وترميمها تعتبر حدثا تاريخيا في حد ذاته، إذ هددهما خطر الغرق في مياه النيل بعد بناء السد العالي وتكون بحيرة ناصر التي تخزن مياه النهر، واستطاعت الحكومة المصرية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونسكو) تفكيك المعبدين ونقلهما إلى موقع جديد على مدار أربعة أعوام من عام 1964 وحتى 1968 على بعد أكثر من 60 مترا فوق منحدر صخري صلب لحمايتهما من الغرق.

المسلات: من أهم معالم أسوان الأثرية المسلّتان الناقصتان، إحداهما تقع بجانب متحف النوبة ويبلغ ارتفاعها 40 مترا وشيدت من الحجر الصوان، بينما تقع الأخرى في الصحراء قرب دير القدّيس سيمون، وتتميز بأنها أكثر اكتمالا، وأكثر صلابة من المسلة الأولى. وتعودان إلى عصر الملكة حتشبسوت.

معبد كلابشة: كان على وشك أن يصبح من الآثار الغارقة تحت مياه النيل بسبب بناء السد العالي، لذلك تم تفكيكه ونقله من موقعه الأصلي عام 1975، ويقع المعبد حاليا على الضفة الغربية من بحيرة ناصر جنوب السدّ العالي. وبني أثناء عهد الإمبراطور أجستوس، للإله نوبيان ماندوليس، وهو يناظر الإله المصري هوروس، وذلك قبل الميلاد بعشرين عاما.

قبر الشاه آغا خان: يعتبر قبر الشاه محمد آغا خان (الذي كان من أكبر المعجبين بأسوان) أحد معالم أسوان الشهيرة، فقد أوصى آغا خان أن يدفن بأسوان. وعندما مات في 1957، بنت عائلته قبره من الحجر الرملي على ضفة النيل الغربية، وبني القبر على الطراز الإسلامي للقاهرة القديمة، حيث زين من الداخل بنقوش من القرآن الكريم مصنوعة من الرخام وتم دفنه هناك في فبراير 1959 وكانت مراسم دفنه من الأحداث العالمية.

السد العالي: سد مائي بدأ العمل فيه عام 1960 واكتمل بناؤه عام 1971 وساعد كثيرا على التحكم في تدفق المياه والتخفيف من آثار فيضان النيل، ويستخدم لتوليد الكهرباء في مصر، طوله 3600 متر وعرض قاعدته 980 مترا، وعرض قمته 40 مترا، وارتفاعه 111 مترا، ويبلغ حجم جسم السد العالي 43 مليون متر مكعب من الاسمنت والحديد ومواد أخرى ويمكن أن يمر خلاله تدفق مائي يصل إلى 11 ألف متر مكعب من الماء في الثانية الواحدة. دير سان سيمون: معروف كذلك بدير سامان، هذا الدير أسّس في القرن السابع، لكنه دمّر؛ وأعيد بناؤه على شكله الحالي في القرن العاشر، يتكون الدير من مستويين وحائط ارتفاعه ستة أمتار مما يعطيه شكل القلعة العسكرية.

جزيرة النباتات: يطلق عليها أيضاً جزيرة البستان.. وهي جزيرة وسط النيل بالبر الغربي بيضاوية الشكل مساحتها 17 فدانا، بها متحف للأحياء النباتية والمائية. وتضم مجموعة نادرة من النباتات الاستوائية تم تجميعها من كل أنحاء العالم، كما يوجد بها أشجار الفاكهة الاستوائية بالإضافة للنباتات الطبية والعطرية.

وبأسوان العديد من الفنادق الراقية من أقدمها فندق «كتراكت»، كما أقيم بها بعض القرى السياحية الواقعة على النيل، وتتنوع وسائل السفر إلى أسوان، بالطائرة والقطار والسيارات، لكن أمتعها السفر من القاهرة عبر رحلة نيلية باحدى البواخر السياحية.