كالابريا.. أرض «البرغموت» وجارة صقلية

طبيعته خلابة ومطبخه يشبه المطبخ العربي

مدينة شيلا المطلة على جزيرة صقلية («الشرق الأوسط»)
TT

تقتصر زيارة إيطاليا بالنسبة لعدد كبير من السياح على ساحات روما ومحلات ميلانو وشواطئ سردينيا، من دون إعارة أي اهتمام لإقليم الجنوب المنسي، الذي فرضت عليه الجغرافيا بأن يقع عند كعب الجزمة الايطالية أو عند إصبع القدم الايطالي، كما هو الحال مع اقليم كالابريا الواقع في أقصى جنوب شبه الجزيرة الايطالية.

عندما تقول «كالابريا» ستكون بحاجة للشرح، فالاقليم غير معروف بالنسبة لكثيرين اعتادوا على اختصار المسافات وزيارة الاماكن التي يعرفونها وزاروها من قبل او قرأوا عنها في المجلات والصحف والكتب السياحية، غير ان المسافر الحقيقي يجب ان يتمتع بحب الاكتشاف والمغامرة للتعرف على مناطق وأقاليم غير مألوفة بالنسبة للآخرين.

«كالابريا» كباقي مناطق القسم الجنوبي من إيطاليا لم تحظ باهتمام الحكومة، غير ان شهرتها الخجولة قد تكون بسبب قربها من جزيرة صقلية التي تقع على مرمى حجر من ريجيو كالابريا اكبر مدينة في الاقليم، كما ان شهرتها هذه لم تتعد كونها جارة أعضاء المافيا ومتنفسهم.

تبلغ مساحة كالابريا 15.082 كيلومتر مربع وعدد سكانها يتجاوز مليوني نسمة، وهي على شكل شبه جزيرة يحيط بها شرقا البحر الأيوني وغربا البحر التيراني يحدها من الشمال إقليم بازيليكاتا ويفصلها عن صقلية مضيق ميسينا، وتعتبر ريجيو كالابريا من اشهر المناطق في الاقليم واكبرها إنما العاصمة هي كاتنزارو، وتتكون من خمس مقاطعات وهي مقاطعة كاتنزارو، كوزنسا، كروتوني،ومقاطعة فيبو فالينتيا.

للوصول الى كالابريا لا بد ان تمر بالعاصمة روما، بحيث لا تتوفر بعد رحلات مباشرة الى مطار ريجيو كالابريا، ويمكنك الاختيار ما بين شركة «اليتاليا» إذا كانت لا تزال عاملة، أو طيران مالطا الذي يسير عدة رحلات يومية من والى روما، وتستغرق الرحلة ما بين روما وكالابريا حوالي الساعة وعشر دقائق.

تتمتع كالابريا بطبيعة خلابة، فإنها من أجمل المناطق الايطالية على الاطلاق وتشتهر بمطبخها البسيط الذي يشبه الى حد بعيد المطبخ العربي بسبب مرور العرب بذلك الاقليم، كما هناك تأثر واضح بالحضارة الاغريقية ولا يزال هناك الكثير من السكان الذين يتكلمون اللغة اليونانية القديمة في بعض القرى النائية.

عندما تصل الى المطار ستفاجأ ببساطته وصغر حجمه، ولن تنتظر طويلا حتى تجد نفسك خارج المبنى، إقامة زوار كالابريا غالبا ما تكون في ريجيو كالابريا حيث تنتشر الاسواق التجارية ومبنى البلدية الاثري والكورنيش الاطول والاجمل في إيطاليا الذي يعرف باسم «لونغي ماري»، وتعتبر هذه المنطقة المصيف الرئيسي، والمدينة الاقدم في الاقليم حيث يعود تاريخها الى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وتعرضت لعدة زلازل وامواج تسونامي، على مر القرون. ومن مينائها يمكن ان تستقل الباخرة للوصول الى صقلية التي تقع مقابلها تماما.

شعار كالابريا «البرغموت» وهو نوع من الحمضيات يعرف بلبنان باسم «بو صفير»، وتعتز كالابريا بهذا النوع من الخضار، ولا أبالغ إذا قلت بأن كل الاطباق الكالابرية لا بد ان تحتوي على عصير «البرغموت» أو Bergamotto، ولا يرمي الكالابريون أي شيء من البرغموت ولا حتى القشرة فيقومون بتحويلها الى مربى ،كما تشتهر كالابريا بالحلوى، وتنتشر فيها عدة معامل لحلوى «التوروني» المصنعة من النوغة والفستق وأشهرها مصنع «كاريري» Careri الذي يقوم بتصدير الحلوى الكالابرية والبانيتوني الى اميركا واستراليا، كما تنتشر غابات الزيتون التي تضم اشجارا عملاقة يزيد عمر بعضها عن 400 سنة، وتقدم بعض مزارع الزيتون الخاصة فرصة الزيارة والتعرف الى كيفية عملية قطف الزيتون وعصره ومن بينها مزرعة «مادونا دي لا غراسيا» البيولوجية التي تتميز بعدم استعمالها لاي نوع من الكيماويات وتضم اشجارا عمرها يتراوح ما بين 300 و400 سنة وغالبية العاملين في موسم القطاف من نساء المنطقة، وتنتج كل شجرة حوالي 100 كيلوغرام من الزيت سنويا.

ومن أهم الزيارات في اقليم كالابريا، زيارة منطقة سيلا Scila التاريخية التي تشتهر بقلعتها الواقعة على هضبة مطلة على صقلية وعلى اجمل الشواطئ الرملية الناعمة التي تجذب اليها الايطاليين من مختلف المناطق الايطالية الاخرى خلال فصل الصيف الحار.ولا بد ان تمتع نظرك بمنظر الساحل الارجواني «Costa Viola» الذي يشتهر بلون مياهه المائل الى البنفسجي الذي تتغير درجاته لتتحول الى الليلكي مع تغير نغمات امواجه.

ولمحبي تناول الاسماك، فعنوانهم الرئيسي سيكون في منطقة بانيارا Bagnara التي تشتهر بأسماكها الطازجة ومطاعمها المحاذية للشاطئ،ومن اشهر مطاعمها «ديغوستيبيز» Degustibys لصاحبه الطاهي موريتزيو سياروني، وينضم المطعم الى قائمة المطاعم المدرجة في دليل ميشلن لافضل المطاعم حول العالم، وهو متخصص بتقديم الاسماك ومختلف أطباق ثمار البحر.

ولأحلى جلسة مطلة على البحر مباشرة، لا بد من زيارة فندق فندق غراند هوتيل فكتوريا Grand Hotel Victoria الذي يضم مطعم لا فيلوكا Ristorante La Feluca المميز بسقف يفتح بالكامل في فترة الصيف.

أما بالنسبة لهؤلاء الذين يفضلون الجبال، فسوف يبهرهم منظر الجبال الشامخة التي تراها تحمي الساحل وتغمره من كل الجوانب. وقد تكون كالابريا متواضعة جدا إنما هناك إقبال شديد على زيارتها من قبل الايطاليين بالدرجة الاولى ويأتي بعدهم الفرنسيون والالمان والبريطانيون، كما هناك إقبال على شراء الشقق والعقارات فيها خاصة أنها لا تزال رخيصة نوعا ما بالمقارنة مع أسعار العقارات في باقي الاقاليم الايطالية.

ويمكن أيضا زيارة العاصمة كاتنزارو، وهي ثاني أكبر مدن الإقليم، يبلغ سكانها حوالي 95 الف نسمة، وتقع على صخرة مطلة على خليج سكويلاتشي، عند النقطة الأضيق في شبه الجزيرة الإيطالية حيث يبعد ساحل البحر الأيوني عن ساحل البحر التيراني 35 كم فقط من اليابسة، وهي مقسمة بين جزئين يفصلهما وادي فيوماريلا، ويتصلان بواسطة جسر حديدي ضخم يسمى (موراندي) أو (بيسانتس) وهو من بين أعلى الجسور في أوروبا وبني في عام 1960 ومن تصميم المعماري ريكاردو موراندي، في الأيام الصافية بالإمكان رؤية البحر الأيوني والبحر التيراني، وحتى جزيرة سترومبولي، التي تبعد عن شاطئ البحر بمسافة 5 كم جنوبا، وبها مرفأ صغير لقوارب الصيد والنزهة.كانت كاتنزارو عاصمة إنتاج الحرير في العالم وصنعت الأقمشة الحريرية والمخرمة للعالم والفاتيكان. وكان يأتي التجار من جميع أنحاء أوروبا لشراء الحرير في ميناء ريدجو كالابريا قبل يوم عيد العنصرة. كذلك فإن الإقليم غني بالآثار، بدءا من كهف روميتو الذي يرجع لفترة ما قبل التاريخ حتى بقايا اليونان الكبرى في سيباري وكروتونه وروتشيليتا دي بورجيا ولوكري وكاولونيا وجويا تاورو وإيبونيوم، التي تقوم شاهدة على عظمة الحضارات العديدة التي تعاقبت على أرض كالابريا عبر قرون تاريخها الطويل. كذلك تهدي كالابريا لزائرها مسارا سياحيا لا ينسى يطوف به بحصونها وقلاعها الفريدة، من أوريليو وروسيتو كابو سبوليكو إلى روكا إمبرياله وكوريليانو وسانتا سيفيرينا وكروتونه وصولا إلى جزيرة كابو ريتساتو وسكيلاتشه وفيبو فالنتيا وبيتسو وكوزنتسا وفوسكالدو. هذا إضافة إلى البلدات والمدن التاريخية الكثيرة التي تعود للعصر الوسيط والتي تنتشر كلألئ جميلة في بقاع كالابريا، والزاخرة بقصور ومبان تاريخية كذلك تزخر كالابريا بالمتاحف، بدءا من المتحف الوطني في ريجيو كالابريا الذي يحفظ تماثيل رياتشي البرونزية الشهيرة إلى معرض الأعمال الفنية الذي يستضيفه قصر أرنونه بكوزنتسا والمتاحف الأثرية في سيباري وكروتونه ولوكري ومتحف الدولة في فيبو فالنتيا والمتاحف البلدية والأهلية في كاتانزارو وتافرنا وكاستروفيلاري. وأخيرا، تمتاز كنائس كالابريا بتراث فني ثري. ففي مقاطعة كاتنزارو توجد بلدة تافرنا، حيث يمكن للزائر الاستمتاع بمشاهدة لوحات ماتيا بريتي وبورجيا العظماء في كنيسة سان دومينيكو، إلى جانب بقايا بازيليك سانتا ماريا ديلا روتشيلا. وبالنسبة للاقامة في كالابريا، فتنتشر عدة فنادق بأسعار مقبولة جدا، ولاصحاب الميزانيات الاعلى يمكنهم الاقامة في فندق ومنتجع ألتافيومارا Altafiumara ويضم مركزا صحيا «سبا» وبركة سباحة داخلية وخارجية ويطل على أجمل المناظر الطبيعية بما فيها صقلية. ومن ابرز المطاعم في ريجيو كالابريا، مطعم «لا ديغوستيريا» La Degusteria الذي يعتبر العنوان الافضل لذواقة الطعام، فهو يقدم في كل جلسة فرصة تذوق جميع الاطباق المحلية بما فيها فرصة التعرف على اشهر اجبان المنطقة بما فيها جبن البيكورينو واطباق الباذنجان والكوسا وبالتأكيد كلها بالبرغموت.

وعلى مسافة قريبة من المطعم المذكور تجد مطعم «انتيكا أوستيريا» Antica Osteria وهو مكان متواضع جدا وتقليدي في الوقت نفسه، يقدم المأكولات المحلية ويشتهر بتقديم المأكولات على طريقة «البوفيه» خلال فترة المساء.