في كل مرة أزور بها سويسرا امر بمدينة زيورخ، وفي كل زيارة خاطفة لتلك المدينة الانيقة الهادئة أتعرف على شيء جديد فيها، إنها مدينة لا تفصح عما تخفيه في أول لقاء، تعرف كيف تثير الزائر وكيف تجعله يترقب ويسأل ويسعى لمعرفة المزيد. أول ما تراه في زيورخ مطارها الجميل المنظم الذي يضم واحدة من أكبر شبكات المواصلات في العالم، فالمطار وحده كاف لاعطائك فكرة عن تلك المدينة القديمة الحديثة التي عرفت كيف تحافظ على اصالتها وبنفس الوقت عرفت كيف تطور نفسها، فمدينة زيورخ تعد من بين افضل مدن العالم من حيث الامن والهدوء والنظافة، كما انها تعتبر العاصمة الثقافية لسويسرا لما تزخر به من متاحف ومهرجانات ثقافية عالمية، كما يوجد بها أكبر سوق للذهب، ومن حيث الاقتصاد فهي تضم رابع اهم بورصة في العالم، وهي تعتبر من أكبر المدن السويسرية وتقع في وسط شمال البلاد بالقرب من الحدود الالمانية وتضم أهم الشركات المصرفية في العالم وتتميز ببحيرتها الرائعة التي تشق طريقها بين زيورخ القديمة والحديثة.
في زيورخ سيشدك منظر البحيرة التي تتباهى بنظافتها الفائقة، لدرجة ان السويسريين يسبحون في مياهها في فصل الصيف خاصة وان مياهها تأتي من أعالي سفوح جبال الالب، ويتم تكريرها لتفادي أي نوع من التلوث وتعتبر انظف وانقى بحيرة في العالم، هذا الى جانب وجود أكثر من 1200 نافورة مياه صالحة للشرب في المدينة. عندما تزور زيورخ لن تكون بحاجة للسيارة على الاطلاق، فستجد متعة غير طبيعية في التنقل على متن قطاراتها الملتزمة بقدر غير مسبوق من الدقة والالتزام، فعندما يقلع القطار تدرك الوقت من دون النظر الى الساعة، كما ان التنقل فيها سهل للغاية والمشي فيها متعة ، يكفي ان تصل الى المحطة الرئيسية في «بانهوف شتراسه» Banhof strasse حتى تجد المدينة الحقيقية تفتح ذراعيها وتوجهك في المسار الذي يناسبك، من المحطة يمكنك المشي باتجاه المدينة القديمة التي تتميز بأبنية رائعة الهندسة وكنائس قديمة لكل منها قصة وحكاية، ومن اهم واشهر احياء المدينة القديمة، حي «شيبفي» الذي تجد كنيسة «جروس مونستر» التي يعود تاريخ بنائها الى القرون الوسطى وبرج «شارلمان» و«فراومونستر» الذي تزينه نوافذ زجاجية مزخرفة وملونة من توقيع الفنان الشهير مارك شاجال.
وعرف اهالي زيورخ كيف يطورون المدينة من دون إفقادها هويتها القديمة العريقة، فقد تم تحويل المنشآت الصناعية القديمة الى اماكن تجذب الزوار وتزخر بالثقافة، فاستبدل هدير المحركات الصناعية التي كانت تستعمل في القدم بصوت السياح والزوار الذين يأتون من كل بقاع الارض للتمتع بالحياة الليلية الجميلة في زيورخ، فتم تحويل تلك المصانع الى فنادق برونق خاص، ونواد ليلية ومطاعم وهذا يبدو جليا في كل من «سيل سيتي» و«نيو اورليكن» و«زيورخ ويست»، واللافت في الابنية القديمة انها لا تزال تحافظ على شكلها الخارجي من دون أي تعديل، غير ان التطوير يكون في الداخل، وهذا يعكس شخصية أهالي مدينة زيورخ فالمعروف عنهم انهم لا يحبون التباهي ومتحفظون ومتواضعون ولا يكشفون عن ما لديهم الا بعد ان تصبح علاقتهم قوية مع الاخرين.
عند انتقالك من القسم القديم من المدينة الى القسم الحديث ستشعر بالتناغم الجميل الذي يجمع المدينتين لتكمل الواحدة الاخرى، وإذا كنت تنوي زيارة زيورخ قريبا سوف تفاجأ بأعداد اشجار عيد الميلاد، في كل زقاق تنتشر اكثر من 20 شجرة طبيعية، يتم تزيينها في مساء كل يوم من قبل شركة «ليندت» الرائدة في صناعة الشوكولاتة في سويسرا، ويسمح لمن شاء بأن يقطف حبات الشوكولاته ويأكلها وتتكرر العملية طيلة فترة الاعياد، كما تنتشر الاسواق الخاصة بأعياد الميلاد ورأس السنة لا سيما داخل المحطة الرئيسية في زيورخ، ويعتبر هذا السوق أكبر سوق مسقوف في اوروبا، يتم فيه بيع كل حاجيات العيد بالإضافة الى المنتجات الغذائية وزينة العيد، وتتوسط السوق شجرة عيد الميلاد عملاقة يبلغ طولها 15 مترا تزينها أكثر من 3 آلاف قطعة من كريستال سواروفسكي ولكن لا يجرؤ أحد على طرح سؤال لمعرفة كلفة ما تضمه تلك الشجرة، إنما حساباتي المتواضعة تشير الى حوالي نصف مليون دولار أميركي.
ولمحبي المسرح، تعتبر دور الثقافة في زيورخ محط إغراء لما تقدمه من فعاليات على مدار ايام السنة، حيث تقدم في دار الاوبرا احدث المسرحيات الغنائية الاوروبية، والموسيقى الكلاسيكية،ولا تخلو المدينة من الاحتفالات إن كان في الدور الكبرى أو في الشوارع العامة والمحطة الرئيسية.
ولمحبي التسوق، فزيورخ هي المدينة الافضل بلا منازع، فهي تعتبر جنة المتسوقين خاصة وأنها استطاعت هذا العام الحصول على لقب مدينة التسوق الاولى بحسب دراسة قامت بها «ميرسر» لنوعية الحياة، فعلى انقاض حصن زيورخ نشأ شارع بانهوف شتراسه والذي اصبح في يومنا هذا احد أهم معالم التسوق بالمدينة، فيه تجد جميع الماركات العالمية وافخم محلات بيع الساعات السويسرية والمجوهرات والمراكز التجارية الضخمة، والشارع يبدأ من المحطة الرئيسية ويمكن التجول في أرجائه مشيا على الاقدام او عن طريق الاستعانة بالترامواي، ويمكن شراء بطاقة خاصة تخولك التنقل بواسطة القطارات والترامواي طيلة فترة إقامتك في سويسرا.
وبعد ساعات من المشي وتنشق الهواء المنعش والنقي، يكون قد حان موعد الاكل، وهنا ستقف حائرا أمام كمية المطاعم المنتشرة في تلك المدينة الانيقة، فزيورخ توفر مطعما واحدا لكل 180 فردا من سكانها، ومعظمها تقدم المأكولات السويسرية التقليدية مثل «الفوندو» و«الراكليت» و«روشتي» واطباق اللحم مع البطاطس المشوية، فلا تفوت عليك فرصة اكل أفضل «فوندو الجبن» Moitie/ Moitie، في المدينة في مطعم «خوخي» الواقع في القسم القديم من المدينة.
وبعدها لا بد ان تتذوق فنجانا من القهوة الممزوجة بالشوكولاته الساخنة Mocca and Chocolate في مقهى «بالثازار» Balthazar الاشهر في المدينة ولا بد ان تتذوق حلوى Apfel-Strubel مع صلصة الفانيليا اللذيذة، وإذا كنت من المدخنين فسوف تنعم بفرصة التدخين داخل المقاهي والمطاهي التي لم يطلها بعد قانون منع التدخين في الاماكن المغلقة كما هو الحال في باقي المدن الاوروبية، فإذا كنت تعيش في مدينة فرض عليها قانون منع التدخين سوف تتفاجأ عندما ترى أحد الجالسين بقربك وفي يده سيجارة لا يأبه بالدخان المنبعث من فمه باتجاه الاخرين.
وتنتشر في جميع اروقة المدينة العتيقة خاصة، أكشاك صغيرة بعضها مخصص لفترة الاعياد واخرى مخصصة لبيع المأكولات، فإذا حالفك الحظ تذوق قطعة من فطائر «لانغوش» الهنغارية الاصل وهي عبارة عن قطعة من الخبز المقلي يرش عليه البابريكا والثوم. وعندما يحل المساء ويكون الجوع قد تسلل الى معدتك من جديد انصحك بالتوجه الى المطعم الاشهر في المدينة، ولا بد ان تقوم بالحجز مسبقا، بنفسك او عن طريق الفندق، اسم المطعم «زوهاوس كيلير» Zeughauskeller ولهذا المطعم قصة طويلة مع التاريخ فكان في الماضي مخزنا للاسلحة ولا يزال يحافظ على ديكوره الاصلي ولم يتم تعديل أي شيء فيه على الاطلاق منذ القرن الرابع عشر. وإضافة الى قصة المطعم المثيرة فهو يقدم اشهى الاطباق السويسرية التقليدية، وأنصحكم بطبق اللحم مع صلصة الفطر الذي يقدم الى جانب طبق «الروستي» المكون من البطاطس المقطعة على شكل شرائح ناعمة جدا ومقلاة بالزبدة.
تجدر الاشارة الى ان معظم المحلات التجارية تقفل ابوابها عند الساعة العاشرة مساء طيلة فترة الاعياد، كما توجد عدة محلات تجارية واقعة في المحطة الرئيسية تحت الارض بالإضافة الى محلات عديدة في مطار زيورخ عند محطات القطارات.
وبالنسبة للاقامة، فيوجد في زيورخ أكثر من 200 فندق بمختلف المستويات ولجميع الميزانيات، فإذا كانت ميزانيتك جيدة يمكنك الاقامة في فندق «ذو دولدر غراند» The Dolder Grandوإذا كنت تبحث عن الرفاهية والعملية بنفس الوقت، ففندق «راديسون» الجديد الذي تم افتتاحه أخيرا في قلب المطار قد يكون الخيار الانسب، بسبب موقعه، وديكوره الجميل والبهو الرئيسي المميز فيه.
وللوصول الى زيورخ تقدم شركة طيران Swissرحلات يومية من مختلف مدن العالم بما فيها البلدان العربية، وتتميز الخطوط بتقديم العديد من التسهيلات للمسافرين وتولي اهتماما بالمسافرين العرب فتقدم لهم بالتعاون مع «غيت غورميه» مأكولات تتناسب مع ذوقهم الخاص. كما يمكن القيام بحجز التذكرة مع برنامج سياحي كامل في سويسرا من تنظيم مكاتب السياحة في سويسرا التي تتعاون مع الخطوط السويسرية لتقديم افضل العروضات للمسافرين بأفضل اسعار ممكنة.
للمزيد من المعلومات: www.swiss.com و www.zurich.ch و www.zurich-airport.com ملاحظة: العملة المتداولة في سويسرا هي الفرنك السويسري، غير ان بعض المحلات يقبل التعامل باليورو، كما ان سويسرا ستنضم الى دول اتفاقية «الشينغين» وبالتالي يمكن زيارتها من خلال التقديم على تأشيرة «شينغين».