مراكش تحتفل بالأعياد على إيقاع الأزمة العالمية

السياحة بين سندان المرح ومطرقة الاقتصاد

TT

تحولت مدينة مراكش المغربية، خلال السنوات الأخيرة، إلى وجهة مفضلة للراغبين في السفر والسياحة. فهي، بالنسبة لسياح الداخل أفضل مكان لتغيير الأجواء وقضاء أيام من الاستجمام الممتع، وخاصة خلال الأعياد والعطل ونهايات الأسبوع. أما على مستوى السياح الأجانب، فأدى صيتها وشهرتها إلى تنويع كبير في جنسيات من يقصدونها.

وعلى بعد أيام من احتفالات رأس السنة الميلادية الجديدة، كان طبيعيا أن يتزايد الحديث عن مراكش كوجهة مفضلة لدى كثير من المغاربة والأجانب لتوديع عام والترحيب بمقدم آخر.

ويمنح الطابع السياحي للمدينة الحمراء، فضلاً عن تركيبة سكانها، سواء منهم «الأصليين»، أي المراكشيين، أو «الجدد»، أي المقيمين الأجانب، فضلا عن سياحها القادمين من مختلف مدن المغرب أو من الخارج، إلى جعلها مدينة استثنائية من حيث طرق استعدادها لاحتفالات رأس السنة.

وتشير كثير من الآراء، استقتها «الشرق الأوسط» إلى أن احتفالات هذه السنة ستكون أقل توهجاً من سابقاتها، وهو واقع تحكم فيه، بالأساس، حديث الأزمة الاقتصادية العالمية.

وأبدى معظم الخبراء والمهنيين والمسؤولين عن القطاع السياحي بالمدينة، الذين التقتهم «الشرق الأوسط»، ترقباً مشوباً بالحذر من نـُـذر أزمة تلوح في الأفق، خاصة وأن هذه الأزمة سبقها، قبل أشهر، حديث عن «ركود وانكماش سياحي» تعيشه المدينة، غير أنهم استدركوا قائلين إن حكاية مراكش مع الأزمات و«تمرس» المهنيين والوزارة الوصية في البحث عن حلول لن يؤثر كثيراً على النشاط السياحي بالمدينة.

ويدافع البعض عن مستقبل السياحة بمراكش بالقول إن حجم الاستثمار في المشاريع السياحية، في الفترة مابين 2003 و2007 لوحدها، بلغ أكثر من 94 مليار درهم )الدولار= 8.4درهم ) وأنه ينتظر أن تفتتح، خلال السنة المقبلة، 12 وحدة فندقية جديدة، الشيء الذي يعني أن الأزمة، حتى وإن أصابت القطاع فإنها لن تصل في حدتها إلى ما عاشته المدينة من أزمات سابقة استطاعت أن تخرج منها أكثر عافية ونشاطاً.

ويذكر المتتبعون للشأن السياحي «أزمات سياحية مرت منها المدينة ظلت تتجاوزها باستمرار»، ومن ذلك حديثهم عن الأزمة الأولى، لسنة 1991، والتي نجمت عن تداعيات الحرب على العراق، وهي الأزمة التي دامت ستة أشهر، وكانت هي الأصعب في تاريخ المدينة السياحي، اضطر معها اصحاب الفنادق والمطاعم إلى تسريح العاملين أو بيع ممتلكاتهم، أما الأزمة الثانية فهي تلك التي ارتبطت بأحداث 11 سبتمبر 2001، ودامت ستة أشهر، فيما الأزمة الثالثة، هي المرتبطة بأحداث 16 مايو (آيار) 2003، الإرهابية التي عاشتها مدينة الدار البيضاء، ودامت 3 أشهر.

وقال ابراهيم الرميلي، رئيس جمعية أرباب المطاعم، ونائب رئيس المجلس الجهوي للسياحة بمراكش، لـ«الشرق الأوسط»: «فعلاً هناك ترقب للأزمة، يقابله استعداد وتأهب من قبل المهنيين للبحث عن حلول».

وبعد صالونات باريس ولندن وبرشلونة، ينتظر أن يشارك المجلس الجهوي للسياحة بمراكش في صالونات وملتقيات لشبونة ومراكش ومدريد وبروكسل ولندن وميلانو وبرلين وموسكو ودبي، للترويج للمنتوج السياحي بالمدينة والمغرب.

ومن جانبه، دعا جمال فيلالي، رئيس جمعية التقاء السياحة والجامعة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى «استقطاب زبناء جدد من الدول الصاعدة، مثل الصين والبرازيل والهند»،و«تأهيل المنتوج السياحي الوطني، على مستوى الجودة والمعاملة والحفاظ على البيئة»، مقترحا أربعة محاور عمل للتصدي للتحولات التي تعرفها الأسواق العالمية، وهي «سياحة الطيران بتكلفة قليلة، وأصالة المغرب، والتوعية بالبيئة، والتكوين».

وقبيل حديث الأزمة الاقتصادية العالمية ونذر الأزمة السياحية، سجلت مراكش أرقاماً مهمة على مستوى نشاطها السياحي. وبحسب أرقام وإحصائيات، حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن الفنادق المصنفة بالمدينة الحمراء استقبلت في العشرة أشهر الأولى من العام الجاري أكثر من مليون و340 ألف سائح، حيث بلغت ليالي المبيت أربعة ملايين و300 ألف ليلة مبيت، مع متوسط إقامة في حدود 4 أيام، ونسبة ملء في حدود 58 في المائة، بالنسبة للفنادق المصنفة، وهو الشيء الذي مكن مراكش من المحافظة على رتبتها الأولى بين الوجهات السياحية بالمغرب، وتأتي بعدها وجهة أكادير.

واحتل الفرنسيون المرتبة الأولى، من حيث عدد السياح بنحو 576 ألف سائح، يليهم الإنجليز بنحو 104 آلاف سائح، والإسبان بنحو 90 ألف سائح، والألمان بنحو 54 ألف سائح، والإيطاليون بنحو 52 ألف سائح، والهولنديون بنحو 27 ألف سائح، والأميركيون بنحو 21 ألف سائح، والعرب بنحو 19 ألف سائح، فيما يمثل المغاربة المقيمون بالخارج أكثر من 263 ألف سائح. ويتفق الخبراء على أنه طالما أن المتحكم في «الانكماش» أو «الأزمة» أو «الانتعاش» يبقى الزبون، فإن تأثر هذا الأخير بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، يمكن أن يدفعه إلى إعادة ترتيب سلم أولوياته في ما يتعلق ببرنامج العطل، سواء عن طريق العدول عن السفر أو التقليص من المصاريف.

وحيث إن الأزمة عالمية فإن طريقة تدبير الزبون لبرنامج السفر والسياحة يمكن ان تلعب لصالح هذا البلد دون الآخر، وهذه المدينة دون تلك، خاصة بعد أن تحول السائح إلى «سندباد» معاصر، يمكنه أن يقرر السفر بين صباح يوم ومسائه، عبر تصفح الانترنيت، والبحث عن الثمن قبل المنتوج، والقرب قبل البعد، وثمن تذكرة الطائرة، وهي مستجدات رأى فيها كثير من المهنيين نقطة تصب في صالح المغرب، بشكل عام، ومراكش، بشكل خاص.

وتتميز مراكش بكونها تقع على مسافة ساعة ونصف الساعة طيران من مدريد، وثلاث ساعات طيران من لندن، وساعتين ونصف الساعة من باريس، فضلا عن التنوع الذي تقدمه على مستوى الطقس والموقع الجغرافي، حيث توفر المرتفعات لمزاولة الرياضات الشتوية، من قبل محطة أوكايمدن، والشواطئ عبر مدينة الصويرة القريبة، فيما تتكفل ساحاتها وأسواقها ومآثرها بعرض سحرها الحضاري ومميزاتها الثقافية، علاوة على أن المدينة الحمراء تقبل بالجميع وتقدم سحرها للجميع، سواء من اختار تناول وجبة بمطاعم ساحة «جامع الفنا» الشعبية بمقابل عشرين درهما (دولارين ونصف الدولار)، أو قصد أرقى المطاعم ليتناول وجبة عشاء، يمكن أن تتراوح بين 2000 أو 3000 درهم (250 و 350 دولارا).

وفي الوقت الذي يكاد يقتنع فيه الجميع بأن اجواء احتفالات هذه السنة ستكون مغايرة عن اجواء السنة الماضية، يشدد آخرون على أنه، سواء بالأزمة أو من دونها، فإن الاحتفالات برأس السنة، ستمر عادية، خاصة وأن هناك فئات واسعة من الشباب والأغنياء المغاربة يتوجهون إلى مراكش بشكل منتظم، على مدار العام. هذا دون الحديث عن أكثر من 20 ألف أجنبي مقيم بمراكش. وهي معطيات من شأنها أن تخفف من وقـْـع إمكانية أن تفضل نسبة مهمة من السياح الاحتفال برأس السنة في بلادها.

وعلى المستوى الأمني، أكدت مصادر أمنية بالمدينة لـ«الشرق الأوسط» أن الاستعدادات والترتيبات الأمنية لن تختلف عن الاستعدادات والترتيبات التي تم اتخاذها في مناسبات سابقة، خاصة على مستوى الرفع من إجراءات اليقظة والحذر والوقاية.

وتصنف مراكش كنقطة ضوء كبيرة على خارطة السياحة في المغرب، وقبل أيام، قال إيتيان بوشو، وهو مستشار دولي في السياحة، لدى المنظمة العالمية للسياحة، والبنك الإفريقي للتنمية، إن تطوير السياحة في المغرب «رهين بالمحافظة على الأصالة والتنوع»، موضحاً، في محاضرة ألقاها في مراكش، حول «الأزمة الدولية ووقعها على السياحة في المغرب»، أن إنعاش المجال السياحي، يستدعي، أيضاً، تنمية البنيات التحتية، وإيجاد منتوجات سياحية بديلة، داعياً إلى عدم إضفاء الطابع الغربي على العروض السياحية المغربية، وضرورة التشبث بالثقافة والتقاليد المحلية، مع العمل على فتح حوار حضاري وإنساني مع السياح.

ودعا بوشو، المسؤولين والفاعلين في القطاع السياحي، إلى ضرورة إنعاش السياحة في المدن العتيقة، والمناطق الأطلسية والصحراوية والشاطئية، وتشجيع المقاولات السياحية الصغرى، من خلال دعمها بقروض صغرى، ومنحها آليات لتوزيع منتوجاتها، مؤكداً أهمية تضافر جهود كل المتدخلين لتجاوز الأزمة.

وشدد بوشو على أن الأزمة الاقتصادية، التي يشهدها العالم، حالياً، سيكون لها وقع سلبي على القطاع السياحي عالمياً، حيث ستؤدي إلى نقص حاد لسياحة الأعمال والسياحة الرفيعة، وكذا عدد الليالي السياحية، فضلا عن أنها ستؤثر على الأسواق المصدرة للسياح.

وترك بوشو، باب الأمل مفتوحاً وهو يعلن ارتياحه لوضع السياحة في دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، التي قال عنها إنه سيكون باستطاعتها تجاوز هذه الأزمة، بفضل قدرتها على تقديم منتوج سياحي بثمن منخفض، يتسم بالجودة والتنوع.