أسخن المناطق السياحية بالعالم في 2009

من وديان البيرو إلى غابة الحجارة في الصين

TT

يركز البعض سياحيا هذا العام الذي يمر فيه العالم بأوضاع اقتصادية صعبة واستثنائية، على المناطق والدول الرخيصة نسبيا، والتي تقدم بديلا جديا عن الأماكن السياحية التقليدية، خصوصا في الولايات المتحدة والقارة الأوروبية، سواء كان ذلك من ناحية الخدمات أو من ناحية الإثارة والاسترخاء.

ويتوقع الكثير من خبراء السياحة وعالمها الواسع أن تضع بعض المناطق والمواقع نفسها على خريطة المناطق الساخنة سياحيا العام الحالي (2009)، ومن هذه المناطق والدول البيرو في أميركا اللاتينية، وإقليم يونان في الصين، واتوا في الولايات المتحدة الأميركية، وأوفيدو في إسبانيا، بالإضافة إلى ألبانيا وغيرها.

ويرشح أن تكون مدينة أريكويبا (Arequipa) في جنوب البيرو من بين هذه المدن والمناطق الساخنة. ويطلق على المدينة عادة اسم المدينة البيضاء لطرازها المعماري الإسباني القديم والجميل ولون منازلها الابيض الناصع، وربما تيمّنا ببركان إيل ميستي (El Misti) الذي تكلل فوهته طيلة العام بالثلوج، ويعتبر معلما رائعا من معالمها الطبيعية. وتعتبر المدينة ثاني أكبر مدن البلاد، وقد شهدت أول تجمع بشري وعاش فيها الناس منذ قديم الزمان وقبل حضارة الإنكا المعروفة (تم فيها العثور على تحف فنية إنكية)، لكن الإسبان هم الذين بنوا المدينة الجديدة والحديثة في عام 1545. ورغم أن المدينة تقع في منطقة حية ونشطة من الهزات الأرضية فإنها لم تشهد هزة جدية منذ عام 1400، إلا هزة واحدة عام 2001.

المدينة والبركان مرتبطان طبيعيا وسياحيا بعضهما ببعض، ففيما يقصد بعض السياح المدينة لجمالها وهدوئها ورخصها، ويقصد الكثير من السياح البركان والمناطق الجبلية والبركانية المحاذية لغاية التسلق ورياضة الدراجات الهوائية. وعادة ما يحتاج السائح إلى مدة يومين للوصول إلى القمة، لذا ينصح دائما باصطحاب خيمة للاستراحة والنوم، وينصح السياح بتجنب تسلق البركان في شهري ديسمبر (كانون الأول) ويناير (كانون الثاني)؛ لكثافة الضباب والغيوم. ويفضل السياح عادة الأشهر المتتالية من مايو (أيار) إلى سبتمبر (أيلول)، أي خلال فصل الصيف.

ويمكن الوصول إلى أريكويبا جويا وبريا، وجويا يمكن الطيران من العاصمة ليما (Lima) أو مدن: بونو (Puno) وكوسكو (Cusco) ولاباث (La Paz). ولا تستغرق الرحلة التي تكلف نحو 110 دولارات فقط لا غير، أكثر من 70 دقيقة. أما بريا فيمكن استقلال الحافلة من العاصمة، لكن الرحلة طويلة ومنهكة.

ويمكن للسائح أيضا استغلال المدينة كقاعدة لاكتشاف المناطق والمواقع الهامة المحيطة، وأهمها وادي كولكا (Colca Canyon) الجميل الذي يمر فيه النهر الذي يحمل الاسم نفسه. ويقع الوادي نحو 160 كيلومترا شمال شرق أريكويبا، وهذا الوادي من أعمق وديان العالم، وأعمق مرتين من الوادي الكبير (Grand Canyon) والشهير في الولايات المتحدة. وبالقرب من كولكا هناك وادي كاتاهواسي الذي يبلغ عمقه 11,4 ألف قدم (3,5 ألف متر). والمنطقة مليئة بالقرى والبلدات القديمة التي بناها الإسبان على التلال المجللة، ولا يزال سكان هذه القرى يعيشون على الزراعة والمصادر المحلية في إطار حياة تقليدية بعيدة عن العالم الحديث. والمنطقة أيضا جاذبة لمحبي الصقور، إذ تعتبر موطنا لأهم أنواعها، وهو صقر الكوندور المهدد بالانقراض.

ومن المناطق الساخنة سياحيا هذا العام كما متوقع أيضا، مدينة دوريس (Durrës) الألبانية، التي تعتبر ثاني أكبر المدن في البلاد وأقدمها أيضا وأكثرها أهمية من الناحيتين الاقتصادية والسياحية. وتبعد دوريس عن العاصمة تيرانا نحو 35 كلم باتجاه الغرب، على الساحل الإدراتيكي المواجه لمرفأي باري (300 كلم) وبرينديزي (200 كلم) في إيطاليا. ويطلق على المدينة في معظم الأحيان الاسم الإيطالي «دورازو» (Durazzo) وأحيانا الاسم المحلي «دوريسي». ولأنها قريبة من أوروبا الغربية يعتبر مرفؤها من المرافئ الهامة، وهناك رحلات بحرية يوميا منه إلى إيطاليا، كما تعرف المدينة بصناعة السفن والجلد والبلاستيك والتبغ والكثير من الصناعات المختلفة والأطعمة والمشروبات. للمدينة التي أسسها المستعمر اليوناني إيبيدامنوس (Epidamnos) (من كورينث)، عام 627 قبل الميلاد، تاريخ حافل من أيام الإغريق إلى أيام بيزنطة والرومان، ولهذا تعتبر كنزا سياحيا رخيصا. وقد اختار إيبيدامنوس موقعها على تلة جبلية حجرية فوق أحد المرافئ المحاطة بمناطق أشبه بمناطق الأهوار في العراق، وكان هذا الخيار عسكريا، إذ يصعب مهاجمتها من الأرض ومن البحر. وقد عرفت المدينة منذ ذلك الوقت مجتمعا متحضرا ومتقدما من الناحية المدنية، مما حدا بالفيلسوف أرسطو إلى مدح نظامها السياسي آنذاك. وفي أثناء احتلال الرومان لها تحولت إلى مركز بحري عسكري ضخم، ووصلها الرومان بريا بطريق مباشر إلى مدينة سالونيكي اليونانية، وآخر إلى القسطنطينية نفسها. وقد أحبها الإمبراطور أغسطس الذي اعتبرها مدينة حرة واتخذ منها مستوطنة لضباط وجنرالات جيشه.

سياحيا تعتبر دوريس منطقة سياحية هامة داخل ألبانيا وخارجها، إذ تستقطب شواطئها الجميلة الكثير من سكان العاصمة تيرانا خلال فصل الصيف، ويصل عدد السياح الذين يقصدونها سنويا نحو 700 ألف سائح. ويمكن الوصول إليها حاليا وبعد تطوير القطارات وتحديثها، من العاصمة خلال نصف ساعة، وبكلفة نصف دولار. وتحاط المدينة والمنطقة بشكل عام، والتي تضم أكبر مدرج روماني في منطقة البلقان، بمئات الملاجئ والمستودعات العسكرية المحصنة التي بناها الجيش أيام الاتحاد السوفياتي السابق وحلف وارسو لحماية البلاد من الغزو الأجنبي.

ويوجد في ألبانيا ما لا يقل عن 700 ألف مستودع وملجأ من هذا النوع، وعادة ما تستقطب هذه الملاجئ السياح الباحثين عن التاريخ الشيوعي الحافل للبلاد بعد الحرب العالمية الثانية. وفضلا عن أحوالها الجوية الممتازة، والتي تعتبر متوسطية طيبة ومشمسة وحارة في فصل الصيف، فإن المدينة تضم الكثير من المعالم الهامة سياحيا، مثل مبنى المكتبة العامة والمركز الثقافي، ومسرحي ألكسندر مويسوي وإيسترادا. كما تضم المدينة مسرحا للدمى وقاعة للموسيقية الكلاسيكية وعدة متاحف، من أهمها متحفا الآثار والتاريخ.

وفي القارة الآسيوية يجري الحديث هذه السنة عن إقليم يونان (Yunnan) الصيني الجبلي، الذي يضم عددا من أهم المواقع السياحية في العالم، ومنها ما يعرف بـ«وادي وثبة النمر» (Tiger Leaping Gorge) إذا صح التعبير، وأزقة بلدة «ليجانغ (Lijang)، وغابات الحجارة المعروفة بـ«ستون فوريست» (Stone Forest)، وغروب الشمس فوق معابد بحيرة ديانشي (DianChi Lake). ويعتبر وادي النمر من أعمق وديان العالم وأجملها، وأصعبها وأقساها من ناحية المسالك، لذا تشد الكثير من المغامرين والمجازفين والسياح الراغبين في تحدي الطبيعة وعبور الوادي (طوله 15 كلم) الذي ظل عصيا على الناس منذ سنوات طويلة. ويصل علوّ بعض الجبال في المنطقة إلى نحو 2000 متر.

ويعيش في المنطقة السكان الأصليون من أقلية الـ«ناخي» (Naxi) القديمة التي استوطنت الجبال والمناطق الواقعة تحت جبال الهملايا (شمال شرق الصين)، واعتمدت على الذرة في معيشتها لقرون طويلة. ويعتقد أن الناخي جاءوا من إقليم التيبت. ولم يكن الوادي مفتوحا أمام السياح إلا عام 1993 في إطار التشجيع الحكومي لقطاع السياحة الاستهلاكي، وأدى هذا بالطبع إلى تحسين الطرقات والمواصلات إلى الوادي بشكل عام.

أما ليجانغ فهي محطة سياحة من الطراز الأول، إذ تعتبر من أجمل البلدات الصينية التقليدية القديمة على الإطلاق، إذ إنها لا تزال تتمتع بمنازلها الخشبية المسقوفة بالقرميد، وفي إطار الطراز المعماري الصيني المعروف، كما تضم المدينة الكثير من الجسور القديمة والرائعة، وأزقتها مرصوفة بالحجارة منذ مئات السنين، وهي معروفة بأزقتها الضيقة المثيرة. وبشكل عام يمكن للسائح العثور في المدينة على ما لا يخطر على بال ولا يمكن رؤيته إلا في الخيال والأفلام من الناحية الطبيعية والمعمارية، ولذا تستقطب المدينة أيضا مئات الآف من السياح المحليين من شتى مناطق الصين.

الأهم من هذا غابة الحجارة «ستون فوريست» التي يعتبرها بعض الصينيين ولقرون طويلة من أولى عجائب الدنيا. وهذه الغابة العجيبة والغريبة قريبة جدا من عاصمة الإقليم كونمينغ (Kunming) (ثلاث ساعات بالسيارة - 120 كلم)، وتنتشر على مساحة لا تقل عن 400 كلم مربع، وهي مليئة بشتى أنواع الحجارة والصخور التي تحمل أشكالا غريبة تشبه الكثير من الناس والحيوانات والنباتات وغيرها من الأشكال، وتضم إضافة إلى بعض المنحدرات المثيرة هناك الكثير من الكهوف الحجرية التي تستقطب الكثير من السياح الباحثين عن العوالم الطبيعية الغريبة.

ويركز بعض العارفين في عالم السياحة هذا العام أيضا على مدينة أوفيدو (Oviedo) الإسبانية، ويتوقعون أن تكون أحد المواقع السياحية الساخنة لما تقدمه من فوائد للسائح وفي إطار أسعار معقولة. وتقع هذه المدينة الجميلة في إقليم أستوريان (Asturian) في شمال إسبانيا، وتتمتع بطراز معماري متنوع أو ملون وفرح، كما هو الحال في بعض جزر الكاريبي، وتعرف بمطاعمها الممتازة ومشروباتها اللذيذة. ومن حسنات المدينة أنها قريبة جدا من أجمل وأروع سلال الجبال الأوروبية، وقريبة من إحدى أجمل البلدات الساحلية كبلدة (Luarca)، والشواطئ والخلجان كخليج بيسكاي (Bay of Biscay).

يمكن الوصول إلى المدينة بأسعار رخيصة جوا مباشرة من مطار لندن ستانستيد، إذ هناك رحلات يومية ومتواصلة. كما يمكن الوصول إلى المدينة من عدد آخر من المدن البريطانية في الشمال كمانشستر وليفربول ونيوكاسل وغلاسكو وأدنبرة في اسكتلندا.

ومن المناطق الساخنة سياحيا هذا العام أيضا جزيرة «سبيتسبيرغان» النرويجية، إذ إن الجزيرة تقدم فرصة نادرة للسياح الباحثين عن عالم الثلج شمال الكرة الأرضية، وما يتضمنه ذلك من مراقبة للدببة القطبية الضخمة، والطبيعة الخلابة والبحيرات المتجمدة، والغزلان، وإلى ما هنالك من معالم ثلجية خالصة.

الجزيرة وثرواتها الطبيعية معروفة في القطب المتجدمة الشمالي للكثير من المكتشفين الهولنديين والبحارة البريطانيين والروس، الذين كانوا يستخدمون مياهها لصيد الأسماك منذ القرن الرابع عشر. وقد احتضنت الجزيرة مخزن البذور العالمي (Svalbard Global Seed Vault) الذي وضع خصيصا في نفق على عمق 120 مترا. ويهدف ذلك إلى حماية ما توفر لها من أنواع البذور في حال حصول كارثة طبيعية أو تعرض كوكب الأرض والأنواع الموجودة على سطحه للانقراض وغيره بسبب حرب نووية. كما يتحدث الكثير من الخبراء عن بلدة مالفرن (Malvern) في منطقة وورسيسترشار (Worcestershire) في إنجلترا (بين مدينتي بيرمنغهام وبريستول)، وهي من البلدات غير المعروفة جدا لكنها تقدم الكثير للسائح من ناحية الخدمات والطبيعة الخلابة والفنادق الصحية. وتعرف البلدة التي لا تبعد عن العاصمة لندن أكثر من ساعتين في القطار، بنهر سيفيرن الجميل وبمهرجانها الموسيقي السنوي الخاص بالجاز. وفضلا عن مطاعمها الممتازة، تقدم البلدة أفضل ما يمكن أن تقدمه إنجلترا من الناحية السياحية النوعية والممتعة والصحية.

كما يجري الحديث السياحي عن بلدة باهوا (Pahoa) في جزر هاواي الأميركية (بين اليابان وأستراليا أيضا)، وهي من البلدات الصغيرة التي لا يتعدى عدد سكانها ألف نسمة (300 منزل فقط)، والتي لا تزال تعيش كما يقال في الستينيات وأيام الهيبيز. لذا تستقطب البلدة، المحاذية لأحد أخطر البراكين على وجه الأرض، الباحثين عن الطبيعة البركانية الخلابة والهدوء والشواطئ الذهبية الرائعة.