السودان.. الجمال في البساطة

بلاد الطيبة والنخوة

الخرطوم عاصمة السوادان المثلثة تفصلها الجسور مدنها الرئيسية («الشرق الأوسط»)
TT

السائح الذي يزور الخرطوم لن يجدها في خضرة أديس أبابا، لكنها ليست صحراء جرداء، كما لن يجدها في ثراء دبي ، لكنها واعدة غير فقيرة على الإطلاق. وبالطبع فإنها لا تزخر بنصف متاحف القاهرة أو روما، لكنها مدينة ذات جذور وتاريخ ونضال. إنها عاصمة النيلين الأزرق والأبيض، فيها يقترنان ليكونا النيل الخالد. وهي المدينة التي تستقبل زائرها، على مدار العام، بأبهى شمس، وتودعه بأروع غروب، بعد أن تكون قد أدهشته بما لم يتوقعه منها. إنها وببساطة من المدن القادرة على تغيير صورتها للأحسن. عيب الخرطوم الأول أنها عاصمة بلد موبوء بحروبه الأهلية، وعلى الرغم من طيبة السودانيين وحبهم بعضهم بعضا، إلا أنهم خاضوا حربا أهلية مدمرة في جنوب البلاد، وهاهم يعانون حاليا من مشكلة دارفور غربا. ثاني عيوب الخرطوم أنها مدينة لا تعرف كيف تعلن عن نفسها سياحيا، على الرغم من ما تزخر به. ناسية أن السياح لا يرغبون جميعا في زيارة ناطحات سحاب أو مدن ماجنة لا تنام. فلماذا لا تركز الخرطوم على جذب الكثير من السياح ممن يبحثون عن مدن مختلفة، تمتعهم بنكهتها الخاصة. وللخرطوم نكهة شديدة التميز. إنها مدينة يفوح فيها العطر والبخور. تفيض مساجد وقبابا وكنائس، وفيها الكثير من الأسواق والمنتزهات والغابات، والمستشفيات والجامعات .

الخرطوم هي عاصمة السودان. يسميها السودانيون العاصمة المثلثة، إذ تفصلها جسور ما بين شقيها، غربا مدينة أم درمان، الودود الولود، عاصمة المهدي، أو العاصمة الوطنية. وشمالا مدينة الخرطوم بحري. ولكل شق من المدن الثلاث ملامحه وطبعه ومحبيه .

الزائر للخرطوم هذه الأيام، تدهشه الحركة العمرانية القوية، في كل جانب من جوانب المدينة التي لا تهدأ منذ الصباح الباكر وحتى ساعة متأخرة جدا من المساء. يتجول سكانها في طرقها وأزقتها في أمن وأمان ما بين أعمالهم وأرزاقهم، ومناسباتهم الاجتماعية التي تعتبر مصدر قوتهم وترابطهم، فالأعراس في الخرطوم مناسبة للمّ الشمل، والوفيات أحداث لا بد من تلبيتها سريعا، وحفلات النجاح وزيارة المرضى، إنها كلها من عادات السودانيين الذين يعرفون بمودتهم واهتمامهم بالعادات الاجتماعية، والمساهمة والمشاركة فيها.  تخطت الخرطوم بحسب الزمان عمر الشباب، لكنها، ولما تنعم به من مساحات شاسعة، ومقدرات وافرة، تعد مدينة فتية تموج بالحركة والعمران، الذي لا يقتصر على عمليات بناء وتعمير متواصلة للمنازل والشقق والفلل، جنبا إلى جنب امتدادات عشوائية من دون تخطيط أو بنية تحتية. هذا، فيما يشهد قلبها وأطرافها تنمية وتشييد مصانع وأسواق وطرق وفنادق وجسور معلقة، بل تنتظر المدينة مطارا جديدا، سيفتتح عام 2011، وذلك وفقا لآخر صيحات المطارات الحديثة، إذ لا يتماشى مطارها الحالي، مع ما تشهده المدينة من عمليات تطوير وترقية.

أول نصيحة نقدمها لزائر الخرطوم عند هبوطه أرض مطارها أن يتدثر بكثير من الصبر للتغلب على إجراءات المطار، وبعدها لن يندم، فستكافئه المدينة ببساطتها وحسن ضيافتها وأمنها ورحابتها، وقبل كل ذلك طبيعة أهلها. لا فرق بينهم، سواء كانوا فقراء أو أثرياء. فأهل الخرطوم، على وجه العموم، ليس من طبيعتهم «غش السائح أو استهباله» طمعا في ما يحمله من نقود، بل سيجد في الغالب من يساعده، ويعاونه، ويرشده قدر المستطاع .

معظم زوار الخرطوم في السنوات الأخيرة، من رجال المال والأعمال، ممن يطمحون في استثمار أموالهم في السودان، أضف إلى أولئك جماعات أخرى من الباحثين عن فرص عمل، بالإضافة لمجموعات تصل بغرض المشاركة في مؤتمرات. لكن ذلك لا يعني أن السياح العاديين لا مجال أمامهم. بالعكس تماما. فالمدينة تفيض بالمطاعم، والفنادق، بمختلف الدرجات والمواصفات، والأسعار، وأنواع الأطعمة المحلية والعالمية. هناك فنادق راقية جدا حديثة العمران مثل فندق السلام روتانا، وبرج الفاتح، وقصر الصداقة، والهلتون والفندق الكبير، اللذين تم تغيير اسميهما بعد أن تحولت ملكيتهما لشركات جديدة، إلا أن الاسمين القديمين لصقا بهما، بالإضافة لفنادق بسيطة ونظيفة وأسعارها مقبولة، وأهم من كل ذلك أنها آمنة، تتوزع في مختلف أرجاء المدينة، بل زادت الطلبات لدرجة أنه تم إنشاء فنادق في وسط أحياء سكنية راقية، كذلك الفندق الجديد الذي يتوسط حي العمارات. يوجد بالخرطوم عدد من المتاحف أهمها متحف السودان القومي، وبيت الخليفة، وقبة المهدي، ومتحف التاريخ الطبيعي، والمزارات، والمراكز الثقافية التي تتنافس في تقديم أمسيات حية، وبرامج ترفيهية وتعليمية قيمة، وحفلات غنائية وفكاهية ومسرحيات، ومحاضرات وندوات تعلن عن برامجها في مختلف الصحف اليومية. ومعلوم أن الخرطوم مدينة قارئة نهمة تعشق المطالعة. كما يعرف عنها أنها ظلت تنعم كثيرا بما قد لا يتوفر في أكثر العواصم العربية.

تمثل الخرطوم نقطة الانطلاق للوصول لأقاليم السودان المختلفة (التي يزيد عددها وينقص مع كل نظام سياسي جديد). ومن الخرطوم يمكن للسائح السفر يوميا إلى مدينة بورتسودان للتمتع بثروات البحر الأحمر، وزيارة مدينة سواكن الأثرية، وقرية عروس السياحية، حيث تتوفر إمكانية الصيد والرحلات البحرية، وتناول ألذ أطباق السمك. ومن الخرطوم يمكن التوجه جنوبا إلى مدينة جوبا الاستوائية، التي تشتهر بفاكهتها مثل الموز والبابايا والمانجو والأناناس.

هذا بالإضافة لرحلات لجنوب النيل الأزرق، لمنتجع الدندر الذي تسكنه أنواع مفترسة من الحيوانات البرية النادرة، التي تعيش على سجيتها. كما تنطلق المواصلات على رأس كل ساعة في حافلات مريحة نسبيا، من الخرطوم لمختلف مناطق شمال السودان، لزيارة آثار فرعونية وأهرامات، خلفها الفراعنة السود من الأسرة الثالثة ممن حكموا مصر والسودان، وأشهرهم كشتا وشبكة وكشتاكا وبعانخي العظيم. إلا أن الزائر سيلحظ أن تلك الأهرامات على الرغم من أهميتها، فإنها لا تزال مهملة تنتظر من يستثمرها للحفاظ عليها، والاستفادة منها تجاريا، تماما كما هو الحال في مصر. من جانب آخر تتوفر إمكانات قضاء أمسيات حالمة بسيطة وصافية، يتم تنظيمها وسط الصحراء، بإشراف أدلاء سياحيين يعرفون الصحراء ودروبها. ويمكن للزوار قضاء أيام داخل خيام، تعود بهم للحياة السهلة البدائية، بعيدا عن كل أوجه ومعالم الحياة العصرية ومشاكلها وضغوطها. هذا بالإضافة لطلعات يومية لزيارة شلالي السبلوقة، وجبل أولياء، اللذين يتنافسان في توفير متع غير محدودة، بأسلوب مبسط، للاستمتاع بالطبيعة البرية وصيد الأسماك. هذه الرحلات لا تحتاج لجهات متخصصة لتنظيمها، بل يمكن للأفراد والأصدقاء الإعداد لها مستخدمين وسائل نقلهم الخاصة، أو بالإيجار. وتتوفر خدمات تأجير السيارات مع أو بدون سائقين، كما تتوفر طائرات خاصة للإيجار. هذا بجانب الطلعات النيلية، والرحلات المنظمة لمختلف بقاع السودان، التي تتنوع بيئاتها تنوعا كبيرا من حيث الجغرافيا والمناخ. ووفقا لما توفر لها من حظ في التنمية، والبنية التحتية والثروات الطبيعية. عصر أيام الجمعة، يستمتع زوار الخرطوم بحلقات المديح والذكر، ومنها التي تقام بالقرب من مقابر حمد النيل بأم درمان، وتلك أنشطة تعكس الأثر الأفريقي الواضح في بعض التقاليد الإسلامية السائدة في السودان، إذ تعلو وتسخن ضربات الطار والنوبة، والمادحون في جلابيب ملونة تزينها المسابح، يدورون في خطوات راقصة متسارعة وفقا للوزن واللحن، وهم يمدحون الرسول صلى الله عليه وسلم. من جانب آخر تعتبر حلقات المصارعة الحية، التي تدار بمنطقة الحاج يوسف، بين فتية أشداء أقوياء، في مقدمتهم فتيان من منطقة جبال النوبة، مناطق جذب للسياح. أما أروع ما يمكن أن يتوفر لزائر أجنبي للخرطوم، أن يكون في ضيافة أصدقاء من أهل البلد، لما يمكن أن يوفروه من فرص للمشاركة في مناسباتهم الاجتماعية الخاصة كحفلات الزواج، حيث تظهر البساطة وكرم الضيافة وروعة مراسم الاحتفال، ما يذهل الزوار الأجانب.