«جبل موسى» اللبناني.. مساحة أمازونية تستوطنها اللبونات والنسور

أقرته اليونسكو محمية للمحيط الحيوي

موقع طبيعي ينضم الى المواقع السياحية في لبنان («الشرق الاوسط»)
TT

أضيف أخيراً موقع طبيعي وسياحي جديد إلى سلسلة المواقع الطبيعية والسياحية التي يتمتع بها لبنان، وذلك من خلال اعتماد اللجنة الاستشارية الدولية لمشروع «الإنسان والمحيط الحيوي» (MAB) التابعة لمنظمة اليونسكو، «جبلَ موسى» اللبناني و16 موقعاً مماثلا آخر في بلدان أخرى محميات جديدة للمحيط الحيوي في العالم من أصل 35 طلباً كانت معروضة عليها خلال اجتماعها في باريس في فبراير (شباط) الماضي برئاسة البروفسور غسان رمضان جرادي، وحضور رئيس اللجنة الوطنية للإنسان والمحيط الحيوي الدكتور جورج طعمة. وباعتماد المحميات الجديدة يرتفع عدد محميات المحيط الحيوي في العالم إلى 547 محمية في 107 دول، بينها 24 في العالم العربي، ثلاث منها في لبنان (مع أرز الشوف وجبل الريحاني)، وهو ما يجعل لبنان الثالث بين 12 دولة عربية في مجال محميات المحيط الحيوي.

يقع جبل موسى في الجزء الشمالي من محافظة جبل لبنان، وتحديداً بين منطقتي كسروان وجبيل، ولمجرد أن تطل عليه تحسب نفسك أمام مساحة أمازونية أو رقعة من الأدغال الإفريقية لكونه مكسواً بغطاء أخضر داكن من الأشجار البرية المتنوعة، ولكن الرعاة والحطابين ومستثمري المقالع تركوا على جنباته بصمات تشويهية يجري العمل حالياً على إزالتها، بعدما أوقفت المقالع مؤقتاً بضغط من وزارتي البيئة والزراعة. ويأمل رئيس «جمعية حماية جبل موسى» بيار ضومط في أن يلجأ أحد كبار مالكي الأراضي في الجبل إلى فسخ العقد نهائياً مع أصحاب تلك المقالع، استناداً إلى نص العقد نفسه الذي يمنع قطع الأشجار وسفلتة الطرق ويشدد على وجود مطافئ للحريق، وهي أمور لم يلتزمها مستثمرو تلك المقالع.

تستطيع الوصول إلى جبل موسى من كسروان عبر طريق جعيتا - عشقوت - وطي الجوز أو قهمز أولا باتجاه «نهر الدهب». أو من منطقة «الفتوح» عبر طريق غزير - القطين - أو قهمز - في اتجاه نهر الدهب، ولا تزال آثار طريق رومانية باتجاه الجبل انطلاقاً من بلدة المعاملتين الساحلية ظاهرةً للعيان، وهي شبيهة بآثار البيوت الخمسة القائمة في رأس الجبل، والتي كان بينها «كرخانة» للحرير، ولم يبقَ منها سوى هياكل وبعض حجارة وأشجار التوت المعمرة المحيطة بها. ويقول بيار ضومط، إن اعتماد تصنيف جبل موسى محمية للمحيط الحيوي تحقق بعد سنة ونصف السنة من الجهود للحفاظ على هذه المنطقة المتنوعة بيولوجياً التي تحوي أنواعا حيوانية ونباتية كثيرة وآثاراً، وأوضح أن هناك ثلاثة أنواع «مسموح بها من النشاطات، وهي السياحة البيئية، والمنتجات البلدية، والأبحاث البيئية التي تقوم بها الجامعات».

وتتولى مجموعة من الخبراء وأهل الاختصاص إجراء مسح لما يحويه الجبل من أشجار ونباتات وحيوانات وطيور وعصافير، أنجز بعضهم مهمته فيما لا يزال البعض الآخر يتابع أعماله. وفي هذا المجال يقول نبي عساف المهندس في وزارة البيئة حول المسح الذي أجراه للغاية ضمن مشروع حماية الغطاء اللبناني الذي يموله الاتحاد الأوروبي لـ«الشرق الأوسط»: «نستطيع القول إن جبل موسى يضم غابة برية من أجل ما تبقى من غابات لبنان، وفيها السنديان والعفص والصنوبر البري واللزاب والبلوط الشعري (يطلق عليه أهالي المنطقة اسم العذر) والعرعر والزعرور والغار. وهناك مجموعة من الأشجار المثمرة البرية كالتفاح وخوخ الدب والأجاص البري واللوز والكرز «والغبيرة» «والشرك» والدردار والقيقب الذي تتخذه كندا شعاراً لعلمها، ولذلك تشبه ورقته ورقة العلم الكندي بالإضافة إلى شجر البان ذي الأزهار البيضاء والثمار التي تستعمل في صيد السمك لما تسببه من دوار، والزيتون البري والخرنوب (تعرفة العامة باسم الخروب). والأشجار على ضفاف نهر إبراهيم و«نهر الدهب» الذي أخذ اسمه من لون أوراق الدلب الموجودة على ضفتيه في فصل الخريف».

ويضيف عساف: «هناك مجموعة كبيرة ومتنوعة من النباتات العطرية والطبية، كالسحلبية البرية وبخور مريم وشقائق النعمان ونوع من الصعتر المائل ورقه إلى الاحمرار ولا رائحة له ولا طعم، وغيرها من النباتات التي تشكل خزاناً فعلياً من الطيب والجمال. ولا ننسى أن نشير إلى عدد ضئيل من البيوت القديمة الخربة في رأس الجبل بينها «كرخانة» حرير كان يربى فيها دود القز».

وفي مجال الطيور تكشف دراسة أولية أعدها أحد الاختصاصيين في جمعية «المبادلات المتوسطية» الفرنسية التي سيتم التعاون معها على صعيد الخبرات والتقنيات كريس نايلور الذي كان يهتم أيضاً بمستنقعات «عميق» في البقاع اللبناني، أن هناك مجموعة كبيرة من الطيور الكاسرة كالنسر والشوحة وتشكيلة من العصافير التي تتميز بها المنطقة، وقال: «إن مشاهداتنا في الخريف ستسمح لنا بتحديد عدد كبير من العصافير المهاجرة التي تمر بالغابة، الأمر الذي يقودنا إلى تصنيفها منطقة عصافير. وقد قدمنا ملفاً لجمعية «بيرد لايف» الدولية لهذا الغرض. وإذا لم يتم التصنيف، فإن الموقع يبقى من دون شك مهماً وطنياً على صعيد تنوعه».

الانطباع نفسه خرجت به الخبيرة في المحافظة على التنوع الحيوي وإدارته «السا ستوت» بعد تكليفها إجراء دراسة عن الغطاء الأخضر، وبعد ثلاث زيارات لها للجبل لاحظت مجموعة من الأشجار النادرة والنباتات المميزة كالتي أشار إليها سابقاً المهندس عساف. واعتبرت أن هناك منحدراً أغنى من الآخر. وتنتج أهمية الغابة بالنسبة إليها من كونها غابة متوسطية، وتمثل الحد الجنوبي لنوع من المعرشات يطلق عليها اسم حشيشة الدينار التي تزرع في شمال فرنسا وشرقها، ويستعمل ثمرها في تطييب الجعة.

أما الثروة الحيوانية في الغابة فهي مميزة ومتنوعة. ويقول الاختصاصي في علم الحيوانات اللبونية المكلف بمسحها الدكتور منير بوسعيد لـ «الشرق الأوسط»: «أنا لم أنجز تقريري بعد الذي سأقدمه إلى الجهات المعنية، إلا أنني أستطيع القول إن كل الحيوانات الموجودة في لبنان موجودة في هذه الغابة. كالثعلب والضبع. الخنزير البري الذي لم يكن يوجد منه سوى حيوان واحد جرى اصطياده». ويعتبر بو سعيد أنه اكتشف حيواناً غريباً لن يكشف عنه قبل أن يرفع تقريره إلى الجهات الرسمية». وعما إذا كانت هناك حيوانات مفترسة تؤذي أهل الجوار قال: «صدقني إن الحيوانات، أي حيوانات، لا تؤذي البشر، بل البشر هم الذين يؤذون الحيوانات».

ويقول أحد الصيادين اللبنانيين المدمنين على هذه الهواية، إنه كان يقصد المنطقة في الخريف لاصطياد دجاج الأرض والحجل «وكنا نتسلل إلى داخل الغابة بصعوبة فائقة وفي مسارب ترسمها الحيوانات. وكان يروي لنا بعض العجزة من أهالي المنطقة، أنهم كانوا يزرعون القمح داخل الغابة أيام العثمانيين كي لا يراهم جنود السلطان».

وإذا كان الإعلام عن جبل موسى محمية للمحيط الحيوي قد قوبل بالترحيب، فإن جمعية حماية الموقع تطمح إلى جعل الجبل محمية طبيعية «لكن وجود أملاك خاصة في الجبل، يحول دون تحقيق هذا الهدف» على حد قول رئيس الجمعية.

يذكر أن الاسم الذي يحمله الجبل لا علاقة له بالنبي موسى، وإنما يعود إلى أحد المشايخ اللبنانيين من آل الدحداح واسمه موسى، ويقال إن هذا الرجل انتقم لمقتل نجل أمير المنطقة في ذلك الزمن، فما كان من الأمير إلا أن وهبه الجبل الذي حمل اسمه.