«ذو دولدر غراند».. فندق الفصول الأربعة

جبال الألب أمامه وبحيرة زيورخ تحته والغابات حوله

تناغم واضح ما بين الفندق القديم والمبنى الحديث (تصوير: بابلو فاتشينيتو)
TT

على هضبة مرتفعة ووسط غابات من الأشجار وملاعب الغولف يقبع فندق «ذو دولدر غراند» المطل على بحيرة زيورخ الشهيرة، ويعود تاريخ بناء مبناه القديم إلى القرن التاسع عشر، وبعد خضوعه لعملية ترميم ضخمة وإضافة مبنى جديد وأجنحة معاصرة تم افتتاحه أواخر الصيف الماضي بعد إقفال دام 4 أعوام، قامت خلالها شركة «فوستر آند بارتنرز» البريطانية بوضع لمساتها على مختلف أرجاء المكان الذي يُعتبر حاليا من بين أشهر معالم مدينة زيورخ السويسرية، ويمكن وصف الديكور والفندق بكلمتين: «أنيق وساحر»، يمزج ما بين الماضي والحاضر دون تعدي أي منهما على الآخر.

كان الفندق في الماضي عبارة عن مركز صحي تحول اليوم إلى فندق من فئة 5 نجوم، كل ركن فيه يحكي قصة فنان وكل قطعة ديكور تحاكي حقبة وكل لون له دلالاته.

يبدأ مشوار الرقي من الباب الرئيسي للفندق، حيث سيكون في استقبالك فريق من موظفي الاستقبال يرحبون بك بأي لغة تتقنها حتى العربية، قلبك سيهمس ويقول لك: «خذني إلى الداخل»، ونظرك سيشدك إلى البقاء في باحة الفندق الخارجية التي تزينها بركة مسطحة تزينها الأنوار وتطل على أروع منظر للبحيرة. فبعد مشادة بين الحواس تخضع لما يريده قلبك وتدخل إلى المبنى من بابه الواسع كأنك تدخل إلى واحد من أروع القصور، وستقف في البهو حائرا، هل تنظر إلى السقف الذي تتدلى منه ثريات من أحجار كريستال السواروفسكي البراقة، أم تسرق نظرة وتستمد فكرة تطبقها في منزلك لطريقة مزج الأثات العصري مع مقومات المبنى الأثري القديم، وبعد وقفة عند روعة البهو والثريات العملاقة يكون قد حان الوقت للتعرف إلى الغرفة.

ولحسن حظنا، فموعد وصولنا إلى الفندق تزامن مع موعد انصراف المغني العالمي لاينول ريتشي للفندق بعد إقامة دامت عدة أيام أحيا خلالها حفلا في زيورخ ولم يُخفِ علينا المسؤولون سرا عندما أعلمونا بأن الفندق يستقبل عددا كبيرا من النجوم العالميين.

يضم الفندق 173 غرفة وجناحا ومطعمين ومركزا صحيا «سبا» يبسط وسائل الراحة فيه على مساحة 4 آلاف متر مربع. يتميز الفندق بموقع فريد، فيطل على أجمل المناظر الطبيعية، وفي نفس الوقت يقع في قلب غابات كثيفة ويضم ملاعب للغولف ويضم قطارا خاصا يقلك إلى قلب المدينة.

بُني الفندق عام 1899 وكان في الماضي عبارة عن مركز صحي يمكن الدخول إليه من المدخل الجنوبي فقط، ولكن بعد أن قرر صاحب المشروع إعادة ترميم المبنى خطر على باله أن يقوم بعملية توسيع ضخمة، فأقفل الفندق في عام 2004 وأبقى على المبنى الأثري الأصلي مع بعض التعديلات في الديكور وتمت إضافة مبنى جديد مرتبط بالمبنى القديم بطريقة متناسقة ومتناغمة تمزج ما بين هندستين معماريتين مختلفتين تماما.

على عكس باقي الفنادق العالمية، يصطحبك أحد العاملين أو العاملات في الفندق إلى غرفتك أو جناحك، وتتم إجراءات الإقامة في الفندق في غرفتك، ويقوم العامل بتفسير عملية تشغيل التلفزيون وتحريك الستائر، وأنصحك بالتركيز على درس تعلم تشغيل كل الكهربائيات والإضاءة في الغرفة، فالفندق يرتكز على تقنية عالية وغير مسبوقة فلا تجد في الغرف لوحة مفاتيح خاصة بالإنارة، فكل شيء يتم تشغيله من خلال ماكينة مدورة صغيرة الحجم توضع قرب السرير فيها كل ما تحتاجه لتغيير وضعية الستائر الداخلية والخارجية والتلفزيون الذي يضم عددا كبيرا من القنوات العربية. خضع الفندق للعديد من التعديلات منذ افتتاحه عام 1899، إلى أن قرر صاحب المشروع ورجل الأعمال السويسري أورس شوار زينبارغ القيام بتغيير جذري للمكان وتحويله إلى فندق راق، وتمت عملية التوسيع بالتعاون مع شركة الهندسة الشهيرة «فوستر آند بارتنرز»، التي تأخذ من لندن قاعدة لها، واستعين بعدد من مصممي الديكور العالميين، لإضفاء الرونق الفريد لكل ركن وغرفة وجناح في الفندق، وبلغت كلفة البناء والتطوير 440 مليون فرنك سويسري.

وعلى الرغم من اختلاف ديكور كل ركن عن الآخر، فإن القاسم المشترك في المبنيين هو استعمال الكريستال Swarovsky والجلد الطبيعي، وفي قسم من البهو الرئيسي من الفندق، تم اكتشاف سقوف أصلية للمكان كانت مغطاة بطبقة من الخشب، ولم يكن أحد يعلم بوجود هذا التصميم الرائع إلى أن اضطُرّ المهندسون المعماريون إلى نزع تلك الطبقة من الخشب لأسباب لها علاقة بالسلامة والصحة العامة التي تفرضها الدولة، وكانت المفاجأة عبارة عن سقف رائع في التصميم وأثريّ لا يزال بأفضل حالة، وبالقرب من البهو تجد غرفة تُعرف باسم Drawing Room على الطراز الإنجليزي، خصوصا أن صاحب الفندق من محبي الفن الإنجليزي ويملك قرية بأكملها في الريف البريطاني.

السبب الأهم الذي يجذب الزوار إلى الفندق منذ افتتاحه هو «السبا» أو المركز الصحي الذي يُعتبر من أجمل المراكز الصحية المتوفرة في العالم، فهو يمتد على مساحة 4 آلاف متر مربع ويقع في وسط المبنى ويضم 21 غرفة علاج، الديكور فيه يرتكز على الذوقين الأوروبي والياباني وهو من تصميم الأميركية سيلفيا سيبييلي المتخصصة في ديكور المراكز الصحية، وفيه بركة سباحة كبيرة أرضيتها من حجر الجير الأسود، والجدران من الحجر الأبيض، وفي الخارج تجد بركة سباحة مياهها دافئة يمكن استعمالها على مدار السنة مهما كانت الظروف المناخية، فتخيل نفسك تسبح في الخارج في فقاقيع من المياه الدافئة وتطل على أجمل منظر لمدينة زيورخ، وفي الداخل تجد غرفة كبيرة فيها صف كبير من المغاطس البيضاء تضم عددا كبيرا من الحصى الساخن، كما توجد غرفة للساونا وأخرى للبخار، فعندما تنتهي من الجلوس لمدة معينة في هاتين الغرفتين يأتي دور غرفة الثلج، نعم الثلج، فيجدر أن تتمتع بقلب قوي لتجرب الوقوف في غرفة من الثلوج حرارتها أقل من 10 درجات مئوية تحت الصفر، فيقول المتخصصون في المركز إن هذا العلاج من شأنه أن يكون مفيدا لشد البشرة.

وينقسم المركز الصحي إلى قسمين، واحد للرجال وآخر للنساء لتأمين أكبر قدر من الراحة والخصوصية للزوار والنزلاء في الفندق.

لائحة العلاجات طويلة جدا، تستعمل فيها مستحضرات «لا بريري» و«كينزاكي» و«كيرستن فلوريان» الشهيرة، وبين أشهر العلاجات التي ينفرد بها المركز، علاج Authentic Moor Mud والتدليك بواسطة «القصب» البامبو على طريقة الشياتسو.

تصميم المركز الصحي يراعي الخصوصية التامة، فهو ينقسم إلى جناح للسيدات وآخر للرجال، غير أن بركة السباحة الرئيسية مفتوحة للجنسين، كما أن المداخل منفصلة، وهناك جناح مخصص للأزواج فقط يمكن القيام فيه بالعلاجات المطلوبة والسباحة والشعور بالراحة في خصوصية تامة.

وتوجد غرفة مخصصة للنساء للاسترخاء، تتوسطها طاولة من الخشب وعليها إبريق من الشاي الصيني وفي الخلفية غرفة للساونا وجاكوزي وغرفة بخار كلها مخصصة للنساء فقط.

ولا تكتمل رحلة الراحة إلا بزيارة غرفة الاسترخاء المخصصة لما بعد العلاج، حيث تجد مدفأة اصطناعية وتنبعث من الجدران نغمات موسيقى حالمة، تجعلك تحلم بالبقاء في هذا المكان لأطول مدة ممكنة.

وإلى جانب كل العلاجات والنشاطات، يقدم المركز «سبا كافيه» المخصص لتقديم مأكولات صحية، مثل السوشي والحساء وغيرها من الأطباق الخفيفة.

يفتح المركز أبوابه من الساعة السابعة صباحا حتى الساعة العاشرة مساء، وأنا على يقين من أنك سوف تبقى في المركز إلى أن يتم إغلاقه في المساء.

وينظم الفندق عروضا خاصة تناسب الباحثين عن الاسترخاء، فيمكن حجز يوم كامل في المركز الصحي دون الإقامة في الفندق.

من أجمل ما يمكن أن تراه في المركز الصحي غرفة التأمل التي تقع في وسط المركز، وهي مصممة على شكل حلزوني، تدخل إليها وتشعر كأنك تدور حول نفسك، الجدران والسقوف تزينها 7 آلاف قطعة من المرايا، ويمكن حجز الغرفة مع مدرب خاص، فالغرفة هي عنوان حقيقي للاسترخاء والراحة التامة.

ومن اللافت أيضا وجود غرفة المكتبة التي تضم أكثر من 600 كتاب باللغتين الإنجليزية والألمانية، لها علاقة باللياقة البدنية والرياضة واليوغا والتمرينات، إضافة إلى الكتب الغذائية، وأكثر الكتب قراءة في أجواء من الهدوء التام الذي لا يتخلله إلا سؤال أحدهم بصوت خافت فيما إذا كنت ترغب في أي خدمة إضافية.

وبعد يوم طويل من المساجات والعلاجات واستنشاق العطور المنعشة يكون قد حان الوقت للعشاء، إذ يوجد في الفندق مطعم «ذو غاردن ريستورانت آند بار» Garden Restaurant and Bar يتميز بديكور عصري جميل، ويمتد إلى الخارج حيث يقدم فرصة الجلوس في الحديقة المطلة على المدينة، ويقدم المأكولات الأوروبية بمختلف أنواعها من ابتكار الطاهي كلاوديو شميتز، وإذا كنت تنوي اختبار مطبخ الطاهي الألماني الشهير هايكو نايدر فلا بد أن تجرب أطباقه الخاصة في مطعم The Restaurant الحاصل على 17 نقطة Gault Milau ونجمة «ميشلين» للتميز، أكله سويسري حديث مع لمسة من المطبخ الجزيئي على غرار مطعم «ذو فات داك» في بريطانيا الذي يملكه الطاهي المثير للجدل هيستين بلومنتال.

وبعد العشاء، لا بد أن تزور البار المميز بديكوره الدراماتيكي، فتتدلى من سقفه شموع من الكريستال، ويقدم كل أنواع كوكتيلات الفاكهة على أنغام عازف البيانو في أجواء كلها رقي، وكل أمسية مخصصة لنوع معين من الموسيقى.

وبعد الاسترخاء والراحة والأكل اللذيذ يحين وقت الخلود إلى النوم في غرف تمزج ما بين الهندسة والديكور والعملية، ويرتكز تصميمها على خشب الباركيه الأصلي وحجر الرخام وحجر الجير في الحمامات، والعلامة الفارقة في جميع الغرف هي غياب مفاتيح التشغيل.

وإذا كانت ميزانيتك غير متأثرة بالانكماش الاقتصادي الحاصل، دلل نفسك واختبر «المايسترو سويت» الذي جاء ديكوره من وحي المايسترو هيربيرت فون كارايان، حيث يعكس موسيقاه الكلاسيكية في ديكور المكان، يمتد الجناح على طابقين ويتميز بشرفة واسعة مطلة على ملاعب الغولف والبحيرة.

أما بالنسبة إلى جناح «كاريتزا سويت» فهو من وحي النحات السويسري ألبيرتو جياكوميتي، يمتد على مساحة 230 مترا مربعا، وديكوره ترجمة حقيقية لفن جياكوميتي.

وجناح «مازينا سويت» من وحي الممثلة جولييتا مازينا زوجة الفنان فيديريكو فيلليني، وديكور هذا الجناح يحيي حقبة السينما في الخمسينات.

وجناح «100» ديكوره مستوحى من فرقة الرولينغ ستونز «The 100 Club» في لندن، ويتميز باللونين الأسود والزهري.

وعندما ينتهي المشوار سيبقى منظر بركة السباحة «وورلبول» الخارجية بين جبال الألب والغابات، وعلى مرمى حجر من بحيرة زيورخ وغرفة الساونا اليابانية Sunaburo وغرفة الثلج الاصطناعي في ذاكرتك إلى الأبد.

للمزيد من المعلومات: www.thedoldergrand.com و: www.zuerich.com