«ذو ستافورد».. جوهرة مخفية وراء أسوار قصر سانت جيمس

من اسطبلات للخيول الملكية إلى عنوان الإقامة الفاخرة في لندن

الساحة الخارجية للفندق وتبدو الى اليمين الاسطبلات التي تحولت الى غرف فندقية من فئة 5 نجوم («الشرق الأوسط»)
TT

عندما قام الرئيس الأميركي باراك أوباما بزيارة رسمية إلى لندن برفقة زوجته منذ حوالي الشهرين لم يستطع الرئيس والسيدة الأولى إخفاء سعادتهما العارمة بلقاء الملكة اليزابيث الثانية وتناول الشاي في قصرها، لدرجة أن الرئيس لم ينتظر حتى يعود إلى البيت الأبيض لإخبار ابنتيه بتفاصيل اللقاء بل قام بالاتصال بهما مباشرة بعد انتهاء الزيارة، وعندما سئل عن شعوره برؤية الملكة أجاب أوباما: «عندما التقيت بالملكة شعرت وكأني أجلس مع جدتي»، في حين عبرت ميشيل أوباما عن بالغ سعادتها بزيارة لندن تلك العاصمة الجميلة والأنيقة والأهم من هذا كله أنها التقت الملكة وتناولت الشاي التقليدي معها.

فقصر باكينغهام وقصر سانت جيمس والإسفلت الأحمر المحيط بهما وساحة الطرف الأغر وساعة بيغ بن والحافلات الحمراء بطابقين وتبديل الحرس الملكي ونهر التيمز وتناول الشاي عند الساعة الخامسة من بعد الظهر في فندق الريتز من أهم ما يتطلع إليه الزائر إلى لندن، فالتقاليد الانجليزية بانضباطها العالي والقصور الملكية وبقاء بريطانيا خاضعة للنظام الملكي، كلها نقاط جذب تسحر الزائر وتشده لاكتشافها.

فمن يعرف منطقة وقصر سانت جيمس الواقع في الجهة المقابلة لقصر باكينغهام الملكي وشارع سانت جيمس الذي يأخذك مباشرة إلى فندق الريتز ومنطقة مايفير ومنه يتفرع شارع فرعي ضيق اسمه «سانت جيمس بلايس» يعرف أن هناك في ذلك الشارع الضيق فندق «ذو ستافورد» بمبناه الأثري وهو بمثابة جوهرة انجليزية مخفية وراء أسوار القصر وهو امتداد له، فالدهاليز تحت أروقة الفندق توصلك إلى القصر عينه لأنه كان في الماضي جزءا تابعا له وكان بالتحديد يستعمل كاسطبلات للخيول الملكية وبني منذ أكثر من 380 عاما.

عندما تصل إلى المدخل الرئيسي سوف تذهل بالأثاث والثريات القديمة، وستشعر وكأنك تدخل إلى أحد القصور المنسية، لتفاجأ بوجود خزانة عملاقة تعلق عليها مفاتيح الغرف مع جرس تقرعه للفت انتباه البواب، وتدخل بعدها إلى غرفة واسعة تتربع في وسط أحد جدرانها مدفأة نار حقيقية، الستائر من الدانتيل الانجليزي الشفاف تكسوها ستائر سميكة تزينها الورود، أرائك من المخمل بمختلف الألوان، وثريات من الكريستال، وبالقرب من تلك الاستراحة الساحرة، تجد مطعما لا يقل أناقة، فيه تنسى أنك في وسط لندن وزحمتها، لأنه يعبق بالتراث وكل ما فيه، من طاولات ونوافذ صغيرة وقطع أثاث، يجعلك تشعر أنك في الريف وليس في المدينة.

عندما تتنقل من غرفة إلى أخرى في الفندق ستشعر وكأنك تعبر في سرداب، وفجأة سوف تجد نفسك تنتقل من الأجواء الانجليزية البحتة إلى مطعم أميركي «أميريكان بار» تزينه الميداليات والصور والتذكارت الغريبة (وهو مفتوح لغير النازلين في الفندق أيضا) ومنه تخرج إلى ساحة خارجية تزينها الورود بشتى الألوان وتجد نفسك قد عبرت من شارع إلى آخر من دون أن تشعر بذلك، ففي الجهة اليمنى من الساحة تجد 12 غرفة تعرف باسم The Carriage House Rooms وهي كانت في السابق اسطبلات مخصصة لخيول الملكة والنبلاء وتحولت بعدها إلى مركز فني لعرض الكتب الأثرية والصور، وتخليدا لذكرى الاسطبلات أبقى الفندق على الأبواب والمقابض نفسها وحملت الغرف أسماء الأحصنة الشهيرة في الإسطبل، في حين أخذت الغرف في الطابق العلوي أسماء شخصيات ثقافية شهيرة.

تتمتع الغرف والأجنحة الأثرية في الفندق بديكور انجليزي رائع تحمل توقيع مصممة الديكور البريطانية جاين غوف، التي قامت بخلق جو من التصميم من الصعب تخيله في قلب لندن، كل الغرف مختلفة عن بعضها البعض من حيث الألوان والديكور، ولكن الصفة المشتركة هي الراحة والذوق الانجليزي الرفيع.

أما إذا كنت من محبي الماضي لكنك تتطلع إلى المستقبل وكل ما هو عصري فيقدم الفندق غرفا وأجنحة في المبنى المقابل للإسطبلات تم افتتاحه عام 2007 وهو مرآة عصرية للمبنى القديم، ميزة الغرف أنها واسعة جدا وتتميز بديكور عصري، ولكن وبنفس الوقت كلها تحاكي الماضي والطابع الانجليزي الجذاب، وميزة الفندق الأهم بقسميه القديم والحديث هي الخصوصية التامة التي يمنحها لزبائنه فيمكن الوصول إلى الغرف من الجهة الخلفية للفندق بدلا من الدخول إليه من خلال المدخل الرئيسي، وهذه الميزة تناسب الشخصيات المعروفة والمشاهير الذين يبحثون عن راحتهم بعيدا عن العيون الرقيبة، كما أن موقع الفندق أكثر من رائع فهو قريب من أهم المعالم السياحية في العاصمة وبنفس الوقت يخيم عليه الهدوء التام، ويقدم الفندق أيضا فرصة تناول العشاء بخصوصية تامة، فبإمكان الضيف تناول العشاء في جناحه على يد الطاهي الرئيسي في مطعم الفندق مارك باد الذي يحمل في جعبته خبرة طويلة في هذا المجال تلقاها في فندق الريتز والدورشتستر قبل انضمامه إلى فريق العمل في الفندق الذي يتميز بالألفة، فمعظم العاملين في الفندق امضوا سنوات طويلة في العمل فيه، كما أن رئيس البوابين Head Of Concierge فرانك لينو فاز بجائزة أفضل «كونسييرج» في العالم على مدى أربع سنوات متتالية وهو ولد وترعرع في لندن ومتعته في عمله هو تعريف السياح على أفضل الأماكن في لندن لتناول الطعام والمشي ومشاهدة الأعمال الفنية، لدرجة أنه قام بخلق موقع الكتروني خاص به يجدده باستمرار ويسعى من خلاله إلى تعريف الزوار بكل المناسبات والفعاليات في العاصمة.

أما بالنسبة لمدير عام الفندق ستيوارت بروكتير فله قصة طويلة، فهو بدأ مشواره المهني في فندق آخر تملكه نفس العائلة المالكة لـ«ذو ستافورد» حاليا، منذ أن كان في سن الـ16 عاما، فإلي جانب دراسته كان يسعى دائما للتعلم والتفوق لأنه لطالما حلم بالمجيء من مسقط رأسه «لانكاشير» الشمالية إلى لندن والعمل في «ذو ستافورد»، واختاره المدير التنفيذي للفندق تيري هومز بعد أن قرر التقاعد ليكون المدير العام للفندق.

ويقول بروكتر إن الفندق هو عنوان حقيقي لمحبي التراث الانجليزي بكل تفاصيله، كما أنه مميز من حيث القصة والتاريخ والتصميم، وأضاف: «عندما قررنا إضافة مبنى جديد للفندق حرصنا مع مصممة الديكور على المحافظة على نفس النمط حتى يتناغم مع الجو العام للفندق وكانت النتيجة ممتازة».

يشار إلى أن 60 في المائة من زبائن الفندق هم من الزبائن الدائمين الذين يحرصون على الإقامة فيه في كل مرة يزورون بها لندن وغالبية الزوار من الولايات المتحدة الأميركية، لذا يلعب «البار الأميركي» الذي يقدم أشهى الأطباق الأميركية دورا مهما في جذب السياح الأميركيين الذين يأتون للتمتع بالتقاليد الانجليزية من دون التخلي عن أكلاتهم الأميركية المفضلة المقدمة بقالب أنيق، ومن بين أشهر أطباق المطعم، البرغر بالجبن، والأسماك، ويقدم الفندق أيضا فرصة العشاء في دهاليزه التي كانت تستعمل في الماضي لحفظ المشروبات، وفي فترة الحرب العالمية الثانية تحول «ذو ستافورد» إلى ناد للضباط الأميركيين والكنديين الذين كانوا يمضون أوقاتهم الخاصة في تلك الدهاليز، وتحول بعدها النادي إلى ما يعرف اليوم بنادي «أول» الذي يضم كوكبة من نخبة المجتمع البريطاني من بينهم ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز.

أما اليوم فتفتح الدهاليز أبوابها أمام النزلاء والزوار لتناول العشاء في خصوصية تامة، ويقوم فريق خاص من الندل والطهاة بتحضير وتقديم الطعام في أجواء غير عادية، فعلى ضوء الشموع وتحت سقف وقناطر من الحجر «العقد»، تجد طاولات توزع بحسب رغبة الزائر، ويتم تقديم الأطباق التي يفضلها الضيوف. يشار إلى أن الكثير من المطاعم في بريطانيا تبنت هذه الفكرة وحرصت على إيجاد غرفة خاصة للضيوف، غالبا ما تكون في الطابق السفلي للمطعم لتقديم العشاء والخدمة للزوار في أجواء خاصة جدا، غير أن ما يميز دهاليز «ذو ستافورد» هو أنها أثرية وتعبق برائحة التاريخ الغابر، وعمرها من عمر المبنى الذي توالت على ملكيته عدة عائلات انجليزية من الطبقة الثرية إلى أن انتهى به المطاف ليتحول إلى فندق على يد رجل الأعمال دانيال توايتس الذي استثمر ملايين الجنيهات في هذا الفندق الذي يعتبر فعلا كنزا حقيقيا برهن الاكتشاف في قلب لندن. وينظم الفندق لنزلائه رحلات استكشافية للعاصمة لندن يقوم بها دليل سياحي مختص، ويمكن القيام بتلك الرحلات من خلال الانضمام إلى مجموعة من السياح أو حجز الدليل لك أنت وحدك أو مع أصدقائك.

للمزيد من المعلومات: www.thestaffordhotel.co.uk