«نبع عين سيدي حرازم» في المغرب.. عنوان السياحة الطبية

زيارته تشفي الجسد وتنعش الروح

صنابير المياه مفتوحة دون انقطاع في نبع عين سيدي حرازم
TT

الرحلة إلى «نبع عين سيدي حرازم» السياحي من مدينة فاس (وسط المغرب) لا تستغرق بالسيارة سوى عشر دقائق، معالم الطريق لمن زار المنطقة سابقا لا تبدو قد تغيرت منذ عدة عقود، ولكن حركة السيارات والراجلين المتوجهين نحو أقدم عيون المياه الطبيعية المكتشفة في المغرب، تدل على أن المكان ما زال يحتفظ بحيويته كواحد من أهم المواقع السياحية والاستشفائية في عاصمة المغرب الدينية، بل ويعتبر من أهم أماكن العلاج الطبيعي في العالم، حيث يزوره سياح طوال أيام السنة.

يبدو نبع سيدي حرازم من خلال الإطلالة من مكان عال، كأنه واحة في قلب الصحراء تحيط بها مروج خضراء على مساحة شاسعة، وعلى عكس عيون الماء الأخرى المنتشرة في المغرب فإن سيدي حرازم يعد بمثابة متنزه مفتوح لسعة مكانه وجمال الطبيعة الساحرة التي تحيط به، وكذا تلاله الرملية المخضرة التي تطل عليه من عدة جهات، وسهول منحدرة في وسطها غابات من أشجار الصنوبر والدفلة والغار والنخيل.

تاريخيا يقال إن النبع اكتُشف لأول مرة في القرن التاسع عشر، ولكن في أوائل العشرينات من القرن الماضي لفت انتباه بعض الباحثين والمختصين من الأجانب من خلال دراساتهم لخاصية مياهه المتميزة بتركيبتها المعدنية المختلفة التي يمكن أن تعالج الكثير من الأمراض كترسبات الحصى في الكلية، وأمراض المسالك البولية، فضلا عن قيمته الغذائية لما يحتويه من معادن كالصوديوم والبوتاسيوم والماغنيسيوم والكلور.

ويقدر العلماء أن مياه عين سيدي حرازم التي تقع في الجنوب الشرقي لمدينة فاس، تنبع من عمق يصل إلى أكثر من 1500متر، وتتدفق منذ اكتشافه دون انقطاع بمعدل 5 لترات في الثانية، بدرجة حرارة عالية ولافتة تصل إلى نحو 48 درجة مئوية دون تغير خلال فصلي الصيف أو الشتاء، وتتولى شركة منذ عدة سنوات تعبئة المياه وتسويقها في المغرب وخارجه بعد معالجتها صناعيا، ولكن زوار النبع يفضلون شرب المياه من النبع مباشرة حيث تنتشر العديد من صنابير المياه المفتوحة دون انقطاع.

مشهد منبع سيدي حرازم أشبه بمتحف أو كرنفال مفتوح على مدار العام وإن كانت فترة الرواج تبدو أكثر وضوحا خلال فصلي الربيع والصيف، وعلى الرغم من أن منطقة سيدي حرازم ذاتها تبدو هادئة قليلة السكان حيث لا يتجاوزون نحو 5 آلاف نسمة، بيد أن زوارها والسياح الأجانب يوميا قد يفوقون السكان ويضفون على المكان حيوية وحركة دائبة.

مياه العين المعدنية أضحت فرصة لظهور عدة مهن هامشية يمارسها الشباب وبعض الشيوخ والأطفال، مثل تعبئة المياه للزوار وبيع الحلي الفضية، ولكن اللافت هو أفواج من الفتيات اللاتي يعرضن مواهبهن على الزائرات في فن نقش الحناء، ففي كل أركان المنبع يشاهد الزائر انهماك «نقاشات الحناء» في تخطيب بنان النسوة، بهمة ونشاط وفي عجلة للاستقبال أكبر قدر من الراغبات في العودة إلى ديارهن بذكرى من عين سيدي حرازم.

غير بعيد عن نبع الماء، تنتشر عدة مقاهٍ ومطاعم شعبية، تمتلئ برواد المكان، إلى جانب سوق به العديد من المتاجر الصغيرة التي يباع بها أصناف من السلع التي يحتاجها الزوار وتذكارات سياحية وأوانٍ بلاستيكية من مختلف الأحجام يملؤها الزوار بمياه النبع قبل مغادرتهم للمكان. وأكثر ما يلفت الانتباه هو انتشار محلات صغيرة يقف فيها رجل أو امرأة لبيع أكلة شعبية مغربية تسمى «الحرشة»، وهي عبارة عن فطيرة من مادة السميد المستخرجة من القمح أو الشعير تقدم مع كؤوس الشاي الأخضر، يقبل عليها زوار المكان بكثافة، وتعتبر محطة استراحة بعد طقوس شرب الماء من المنبع، فإلي جانب جودة هذه الأكلة الشعبية التي تشتهر بها منطقة سيدي حرازم، فالشاي الأخضر هنا له نكهة خاصة، إذ يتم إعداده من ماء العين، وبالتالي شرابه يعد للكثيرين إضافة صحية قد لا يحصل عليها في موقع آخر.

وتتوفر منطقة عين سيدي حرازم على عدة مرافق فندقية وسياحية وأحواض كبيرة للسباحة تعتبر متنفسا، لا لزوار سيدي حرازم من الباحثين عن الاستشفاء وحدهم، بل أيضا لهواة السباحة والهاربين من الحرارة العالية بمدينة فاس المجاورة طوال فترة الصيف، وحركة زوار الفنادق المحيطة بالمنبع، وغالبيتهم من السياح الأجانب، تدل على أن مقصدهم ليس فقط الشرب من مياهه العين المعدنية، بل للتمتع بجمال الطبيعة والمناظر الخلابة التي تجعل التقاط الأنفاس والصور الفوتوغرافية ميزة خاصة قد لا تتاح لزائر العين في موقع آخر، كما قد يكون المكان بمثابة منتجع للراحة والاستجمام على الرغم من الصخب والجلبة التي تُحدِثها أصوات الباعة والشباب بأوانيهم التي يتسابقون بها لسقي العطشى والمتلهفين لشرب ماء نبع سيدي حرازم.