مورانو.. جوهرة بحرية مغمورة في أرخبيل البندقية

أهم متحف عائم للزجاج في العالم

TT

حين نتحدث عن البندقية، نتحدث عادة عن مواقعها التاريخية والسياحية المعروفة حول العالم، مثل ساحة سانت ماركو، والجندول، وكنيسة سانتا ماريا الضخمة، وجسر التأوهات، ودار الأوبرا، والكثير الكثير من المعالم التاريخية والفنية، وننسى بقية المواقع والجزر المحيطة بالبندقية والتابعة لأرخبيلها أو منطقتها التاريخية (أشبه بخليج على البحر الأدرياتيكي)، مثل جزر كافالينو، وسانت كليمانت، وسانت سبيرتو، والليدو التي تحتضن مهرجان البندقية السنوي للسينما (وهو من أهم المهرجانات العالمية، وعادة ما يقصدها الأغنياء والمشاهير لهذا السبب وبسبب خدماتها وعمرانها الفاخر والجميل)، والكثير من الجزر الأخرى وأهمها جزيرتا مورانو وبورانو. مورانو من أكثرها شهرة وهي لا تبعد أكثر من ميل واحد عن البندقية شمالا ويمكن الوصول إليها بسهولة وبسرعة عبر القوارب المحلية الرخيصة (فالبوريتو) أو عبر التاكسي النهري الخاص، ولا تستغرق الرحلة أكثر من عشرين دقيقة. وتعرف هذه الجزيرة الهادئة والحالمة على أطراف ضجيج البندقية بأنها أكبر مصنع في العالم للزجاج، إذ إن معظم مبانيها غير المسكونة على أطراف الأقنية المائية الكثيرة مصانع ومتاحف ومحلات، أو معارض لإنتاج الزجاج على أنواعه وبيعه. وأهم ما تنتجه مورانو على هذا الصعيد تماثيل الزجاج والقطع الفنية الملونة والضخمة والتقنيات العالية والهائلة لتطويع المادة الصعبة في أجمل حلة. فهذه الجزيرة تصنع من الزجاج أي شيء كما هو الحال مع الذهب والمعادن والمواد الأخرى. كما تختص هذه الجزيرة الصغيرة جدا بزجاج المصابيح على أنواعها وأحجامها. وفيما تضم أحد أقدم مصانع الزجاج وهو مصنع شركة «بولي آند كمبانيا» الذي أسس نهاية القرن التاسع، تضم أيضا مصانع بعض أهم ماركات الزجاج في العالم حتى الآن، مثل «سيجوسو» و«فينيني» و«باروفوار» و«توسو».

وتنتشر القطع الفنية الفاخرة والمهمة التي صنعتها شركة «بولي» في جميع أنحاء العالم، وأهمها ما هو موجود من موزاييك في متحف المتربوليتان للفنون، ومتحف كورنينغ للزجاج في مدينة نيويورك، ومتحف فيكتوريا وألبرت في لندن، ومركز كانتور في ولاية كاليفورنيا، وأهم متاحف الزجاج في العالم وهو متحف موزيو ديل فيترو في مورانو نفسها.

ويمكن للسائح أن يقيم في البندقية ويزور الجزيرة بسهولة كما سبق وذكرنا، على الرغم من أن الإقامة في مورانو ليست تجربة سيئة بل على العكس، فهي مكان يشبه قرية هادئة لصيد الأسماك، وطيبة الطعام والشراب، وفسحة يمكن التنقل فيها بسهولة دون زحمة السياح التي يعاني منها الناس في وسط البندقية على أطراف القناة الكبيرة أو الـ«غران كانال». أضف إلى ذلك أنها ملونة وممتعة للنظر وخفيفة على القلب. إذن فهي مثالية للباحثين عن الهدوء بالقرب من البندقية وعجائبها السياحية التي لا تقاوم. تاريخيا، تشير المعلومات المتوافرة إلى أن الجزيرة كانت مستوطنة للرومان منذ القرن السادس، وجاء أول المستوطنين إليها من التينو وأوديرزو. وأول ما عرفت الجزيرة عرفت على أنها مرفأ للصيادين الباحثين عن لقمة العيش عبر صيد السمك وصناعة الملح. وكبقية جزر أرخبيل البندقية، كانت مركزا للتجارة وتصدير واستيراد البضائع أيام العز وسيطرة أهل البندقية على ثروات الشرق والمتوسط. لكن دور الجزيرة كما يبدو تراجع مع تراجع نفوذ حكام البندقية في القرن الحادي عشر، لكنها استعادت بعض الكرامة في القرن الثالث عشر وتمكنت بعض أن أصبحت جزءا من محافظة البندقية رسميا، من سك نقودها الخاصة بها. وقد أصبحت بعد ذلك أي بعد القرن الثالث عشر، أهم مركز لصناعة الزجاج في أوروبا بالمصادفة، حيث أجبر جميع صناع وخبراء الزجاج في البندقية ولأول مرة على الانتقال إلى مورانو خوفا من الحرائق لأن بيوت المدينة كانت مصنوعة من الأخشاب. وبعد ذلك تركزت فيها هذه الصناعة الجميلة والصعبة، وتطورت، وبدأ التصدير إلى جميع أنحاء العالم، وذاعت الشهرة التي لا تزال تتمتع بها حتى يومنا هذا. وفي القرن الرابع عشر ولأهمية هذه الصناعة اجتماعيا وسياسيا، تم السماح لصانعي الزجاج بحمل السيوف ومنحهم الحماية أو الحصانة من حكومة البندقية. وفي الوقت الذي أعطيت فيه لهؤلاء الصناع الفرصة للزواج من بنات العائلات الأرستقراطية والمالية الحاكمة في البندقية، تم منعهم من الخروج من البندقية ومغادرتها. وتقول الموسوعة الحرة في هذا الإطار إن بعض صانعي الزجاج خاطروا بأنفسهم وتمردوا على هذا الأمر وخرجوا من الجزيرة وأنشأوا مصانع كثيرة للزجاج في الدول الأوروبية الأخرى مثل هولندا وإنجلترا وغيرهما. واختصت الجزيرة في البدايات الزجاجية إذا صح التعبير بصناعة البلورات الزجاجية على مختلف أحجامها، خصوصا التي تحتوي على نموذج ملون وفني داخلها، بالإضافة إلى صناعة المرايا وما يعرف بالزجاج البراق، وهو أحد أنواع الزجاج التي تشبه الأحجار الكريمة في شكلها وألوانها. وقد تم اكتشاف هذا النوع من الزجاج في هذا المكان المثير.

أضف إلى ذلك وبسبب خبرتها الأولى مع زجاج المصابيح، أصبحت مورانو أهم مركز لصناعة الثريات أو ما يعرف بالـ«شنداليرز» الفاخرة. وتلبي مصانع الجزيرة الطلب العالي للأغنياء والمحلات التجارية الفاخرة والعائلات المالكة والقصور على مدار السنة لهذه الثريات الضخمة والمذهلة والتي أحيانا يتعدى سعرها المليون دولار. ورغم التراجع الكبير الذي لحق بعالم الزجاج وتجارته في الجزيرة للكثير من الأسباب في القرن الثامن عشر، فإن الزجاج لا يزال أهم مصادر الدخل في الجزيرة وأهم حرفة يورثها الآباء للأبناء حتى يومنا هذا. وعلى الأرجح أن أهل البندقية تاريخيا ورثوا هذه الصنعة الرائعة والمهمة عن الفينيقيين في قديم الزمان، إذ تعارف أهل البندقية والفينيقيون وتحالفوا وتحاربوا وسكنوا واستوطنوا في الكثير من المواقع والجزر في البحر الأبيض المتوسط. وكانت هذه الحرفة معروفة جدا لدى الفينيقيين في لبنان وسواحل فلسطين الشمالية ومنذ قرون طويلة قبل تأسيسها في البندقية بعد الحروب الصليبية.

لكن أهمية الجزيرة السياحية بدأت فعليا في القرن الخامس عشر مع السياحة الداخلية. وقد درج أهل البندقية في تلك الأزمان على استخدام الجزيرة كمكان للاسترخاء والعطل، ولذا تم فيها بناء الكثير من القصور والكنائس والمباني المهمة مثل مركز الشرطة الحالي الذي يعتبر تحفة معمارية إلى جانب كنيسة سانتا ماريا المعروفة جدا برصيفها الفسيفسائي البيزنطي الطراز الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر. وتقول الأسطورة إن عظام التنين الذي قتله القديس داناتوس مقبورة تحت الرصيف، ولذا تسمى الكنيسة سانتا ماريا أي سان دوناتو.

* أهم فنادق جزيرة مورانو

* فندق «كونتيري» (Conterie) العنوان Calle Conterie,21,30141 Murano ـVenice .

عدد الغرف: 26 غرفة ـ من فئة 3 نجوم ـ ابتداء من 50 يورو.. هذا الفندق أحد الفنادق المحلية المعروفة، وتديره عائلة تقليدية معروفة من عائلات صانعي الزجاج في الجزيرة منذ القرن السادس عشر. ويعتبر الفندق قريبا من معظم معالم الجزيرة المهمة مثل كنيسة سانتا ماريا، ويؤمن الفندق مواصلات مائية أو تاكسي بحريا بسهولة لنقل السائح خلال دقائق إلى قلب البندقية أو مطارها ومرافقها المهمة. وفضلا عن خدمات الاتصالات الحديثة فإن غرف الفندق مريحة ومصممة على الطراز البندقي المعروف والمريح.

* فندق «قصر مورانو» (Murano Palace) العنوانFondamenta Vetrai 77,30141 Murano .

عدد الغرف: 6 غرف فقط ـ ابتداء من 90 يورو. أحد الفنادق المهمة في أرخبيل البندقية وجزيرة مورانو بشكل خاص، فهو في وسط الجزيرة، ويطل على قناة ريو دي فيتراي الخاصة بمصانع الزجاج المنتشرة على الجانبين. وهو أيضا من الفنادق التي توارثها أبناء صانعي الزجاج القدماء، ولذا العناية محلية وتقليدية وخاصة. ومن خلال الفندق الجميل يمكن التنقل إلى جميع أنحاء الأرخبيل ومن دون تأخير. ويعتبر الفندق المضياف معماريا، مزيجا بين بيت قديم من القرن الثامن عشر وقصر حديث من بدايات القرن العشرين.

* فندق «الـصوفيادور» (Al Soffiador) العنوان Viale Bressagio 11,30141 Murano ـ :Venice عدد الغرف ـ من فئة نجمتين ـ ابتداء من 60 يورو. هذا الفندق أيضا من الفنادق المعروفة والصغيرة والمريحة في الجزيرة. وهو يقع في أكثر زوايا الجزيرة هدوءا. ويتمتع الفندق الجميل العمران والواجهة بخدمات جيدة وغرف مريحة مطلة على أجمل أقنية الجزيرة. والغرف مصممة على الطراز البندقي البسيط، وبعضها مؤثث بأسرّة من الحديد مصممة بجمالية لافتة للنظر. كما تضم الغرف الواسعة بلكونات أو شرفات تقليدية لمراقبة حركة الناس والماء والسفن.

* فندق (Hotel A La Commedia) العنوانSan Marco 4596/A Corte Del Teatro Goldoni,30124 Venice . عدد الغرف: 25 غرفة ـ من فئة 4 نجوم ـ ابتداء من 135 يورو. للراغبين في فنادق أكثر راحة وأقرب إلى البندقية وقنواتها، يمكن للزائر أن يتوقف في هذا الفندق الذي يعتبر أحد فنادق ساحة سان ماركو التقليدية والمعروفة. كما يعتبر الفندق الجميل جوهرة من جواهر البندقية لأجوائه الحالمة والمريحة وخدماته ومآكله الطيبة. وهو إلى ذلك من أقرب الفنادق إلى جسر ريالتو الكبير. أما غرف الفندق فهي من الطراز الأول الفاخر. فكل أثاث الفندق مصمم بتقنية وفنية عالية وبألوان مريحة للنظر.