رأس البسيط.. المنطقة التي ينتهي عندها المتوسط

قرية سورية تجمع ما بين البحر والغابات والجبال

مشقيتا قرب راس البسيط وبحيراتها الطبيعية («الشرق الأوسط»)
TT

في المنطقة التي ينتهي عندها تقريبا شاطئ البحر المتوسط من جهة الشمال في محافظة اللاذقية وقبل بضعة كيلومترات لا تتجاوز الخمسة حيث تتوضع قرية البدروسية السورية لتنطلق بعدها شواطئ المتوسط التركية، هنا وحيث يكاد الجبل يلامس شاطئ المتوسط وحيث أشجار الدلب والصنوبر والسنديان تتوضع بوقار وحنين أمام شاطئ المتوسط ومياهه التي تغازلها مع كل مد بحري وموجة شاردة من مياهه الزرقاء الصافية التي لم تصل إليها الملوثات البيئية فظلت بطبيعتها محافظة على عذريتها ونقائها، هنا وحيث يطل من الشمال الغربي جبل خلدته البشرية والجغرافيا وأطلقت عليه الجبل الأقرع لأنه وبخلاف كل جبال الساحل السوري يخلو من الأشجار في حالة جيولوجية طبيعية نادرة وفي حالة مناخية يعرفها سكان اللاذقية جيدا في فصل الشتاء عندما «يزعل» الجبل الأقرع من الناس فيرسل هواءه البارد اللاسع إلى اللاذقية وقراها وشاطئها رغم دفء بحرها حتى في الشتاء... هنا وعلى بعد حوالي 50 كلم شمالا عن اللاذقية عروس المتوسط يتوضع (رأس البسيط) أو البسيط كما ينادونه اللاذقيون اختصارا.

الوصول لرأس البسيط وكيفية الإقامة فيه: رأس البسيط، يشكل منطقة سياحية رائعة ومهمة ومحطة لا بد منها لمن يريد أن يزور منطقة الساحل السوري وشاطئ المتوسط الذي يمتد من منطقة طرطوس جنوبا وحتى البدروسية شمالا بطول حوالي 180 كلم، يقع في أقصى شمال شاطئ المتوسط حيث يمكن الوصول إليه من خلال الطريق الشاطئي الرائع الذي ينطلق من مدينة اللاذقية ويعبر الكثير من القرى والمحميات البحرية والمنتجعات والشاليهات والسدود المائية بدءا من قرية القنجرة التي تشتهر بزيت زيتونها في الساحل السوري وأشجار الزيتون الكثيفة وحتى قرى الشامية وكرسانا ومحمية أم الطيور وسد بللوران الرائع ومنطقة مشقيتا الأجمل بين أرياف الساحل، في هذا الطريق الذي يعبره السائح في سيارته وحافلته التي تقله للبسيط لن يشعر بشيء اسمه الملل أو النعاس فعلى الرغم من قصر المسافة بين اللاذقية والبسيط، والتي لا تستغرق أكثر من ساعة في السيارة، فإن عين السائح لن تتمكن من الإغماض ولو لثوان معدودة، باستثناء إذا أراد أن يختزن في خياله وحلمه مناظر الطبيعة الأخاذة والفريدة وهو يعبر بحيرات وجبال وغابات، وحتى إذا سها قليلا فسيوقظه من سهيانه وحلمه صوت الدليل السياحي وهو يشير بصوته عبر الميكروفون إلى غابات الفرنلق وجبال الباير ووادي قنديل وحقول الليمون والبرتقال في قرى زغرين وقسطل معاف وغيرها على امتداد الطريق الذي إذا ما نظر إلى يمينه وهو متجه للبسيط فسيشاهد الطبيعة الجبلية بأبهى صورها وإذا ما التفت إلى يساره فسيشاهد البحر الأبيض المتوسط بأمواجه المتلاطمة وأفقه اللا محدود، هنا يعلق مرافقي ونحن في طريقنا إلى البسيط من اللاذقية، محوّرا عبارة تاريخية شهيرة قائلا: «البحر من يساركم والجبال من يمينكم وسنفر ولكن إلى رأس البسيط» ويعتبر الكثيرون أن السير في الطريق الواصل من اللاذقية إلى رأس البسيط متعة لا تنتهي وجمال ليس له حدود فيكفي السير فيه ليشكل للسائح والزائر فرصة سياحية لا تعوض إلا عندما يصل لرأس البسيط، وهنا يمكن للسائح أن يستفيد من روعة المكان وجماله الآسر وأن يسبح في شاطئه الرملي الجميل الممتد على شكل نصف دائرة أو جرن ماء كما يشبهه البعض ويمكنه أن يقضي يوما كاملا من الصباح الباكر وحتى المساء، حيث يستفيد من متعة السباحة والتنزه بين الأشجار الكثيفة المطلة على البحر والتي لا تبعد عن الشاطئ أكثر من بضعة أمتار وترتفع كلما ارتقينا في مع الجبل والتلال والمحيطة برأس البسيط، كما يمكن للسائح أن يقوم بنزهة بحرية في قوارب موجودة في مياه البسيط حيث يتواجد ملاحوها متأهبين لاستقبال السياح والزوار وأخذهم معهم داخل قواربهم الصغيرة والشعبية نوعا ما في رحلة تمتد لنصف ساعة في عمق مياه المتوسط حيث يمكن للسائح أن يشاهد جبل الأقرع وبساتين كسب، تلك المنطقة الرائعة التي تبعد عن البسيط شرقا بحوالي 15 كلم فقط كما سيخبره ملاح القارب أنه يمكنه مشاهدة التل المواجه للبحر والذي تقع خلفه قرية السمرة التي أدخلتها الكوميديا السورية التاريخ من خلال المسلسل التلفزيوني الشهير «ضيعة ضايعة» الذي ما فتئت الفضائيات العربية تعيده منذ بثه أول مرة قبل سنتين ولتتحول قرية السمرة قرب البسيط مقصدا يوميا لعشرات الرحلات السياحية ومكانا لا بد من زيارته عند زيارة رأس البسيط وكسب.

وعندما سينتهي السائح من رحلة القارب داخل عمق المتوسط يمكنه أن يتناول طعام الغداء في أحد مطاعم البسيط المطلة مباشرة على البحر والغابة أو يمكنه أن يفترش الأرض بين أشجار الصنوبر والسرو والغار والشوح وأن يضع ما يحمله معه من طعام على مدرجات الغابة وليستمتع بحفيف الأشجار وزرقة السماء المنبعثة ألوانها من قمم الأشجار ومع منظر البحر في إطلالة بانورامية جميلة ليستمتع السائح بغداء استثنائي لن يمحى من مخيلته لفترة طويلة، وبعد الغداء يمكن للسائح أن يمارس هواية السير والمشي والتمتع بتسلق الجبل المقابل للبسيط أو السير على شاطئ المتوسط في رأس البسيط أو أن يخلد للقيلولة بين الأشجار وارفة الظلال ويمكنه بعدها وقبل غروب الشمس التي يقدمها رأس البسيط في منظر لا أحلى ولا أجمل، وهي تغرق في مياه البحر يمكنه أن يعاود السباحة لساعة أو ساعتين وعندما يحل المساء ومع ساعات الليل الأولى سيعيش السائح وخاصة في مواسم السياحة والاصطياف لرأس البسيط التي تبدأ عادة مع منتصف شهر مايو (أيار) من كل عام وتستمر حتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) سيعيش السائح سهرات رائعة مع رقص ودبكة المصطافين القادمين من كل المدن السورية ومن البلدان العربية وغيرها حيث يقوم الكثيرون وخاصة الشباب منهم بعقد حلقات رقص ودبكة بشكل عفوي على شاطئ البسيط الرملي ومع الدبكات التراثية الساحلية وأغاني علي الديك ووفيق حبيب وثائر العلي والآخرين من مطربي الساحل السوري المعروفين بأغانيهم الشعبية الفلكورية لن يستطيع السائح مقاومة إغراء المشاركة بالرقصات والدبكات وحتى ترداد كلمات تلك الأغاني الجميلة البسيطة كرأس البسيط والمعبرة كحال رأس البسيط الذي يختزن في موقعه وجغرافيته وتضاريسه كل مفردات الجمال البحري السوري.

رأس البسيط المرفأ الكنعاني: اشتهر بين الناس كمقصد رائع لزيارة الجبل والبحر في وقت واحد وترسخ في أذهان الكثيرين على أنه المكان السياحي الشعبي الأول على شاطئ المتوسط في سورية، لم يأت ويتشكل وليد صدفة زمنية عابرة وفي زمن قريب، بل إن رأس البسيط، وحسب المؤرخين، يعتبر من أهم المناطق التاريخية والأثرية في الساحل السوري، وهو منطقة بحرية موغلة في القدم واكتشفت فيه البعثات الأثرية الأوروبية والمحلية التي عملت وما زالت فيه الكثير من اللقى التي تثبت عراقة رأس البسيط، حيث ارتبط اسمه منذ وجوده باسم بوسيدون أي إله البحار عند اليونانيين كما ذكر المؤرخ هيرودوت، كما دلت المعطيات الأثرية على أن أقدم سكن لرأس البسيط يعود للقرن السادس عشر قبل الميلاد وازدهر البسيط في مجمل الحضارات والمراحل التاريخية التي مرت على الساحل السوري ـ كما يقول الباحث الأثري السوري جمال حيدر ـ وكان يعتبر من أهم المرافئ البحرية في العصر الكنعاني كما أنه ظل يعج بكل مظاهر الحياة منذ أربعة آلاف عام على مر العصور وحتى الوقت الحاضر.

الفنادق والمنتجعات في رأس البسيط: يشهد رأس البسيط كل عام ولادة العديد من الفنادق والمطاعم والمنتجعات البحرية كما أن هناك مشاريع سياحية عديدة يجري الإعداد لها في رأس البسيط ومنها الميناء السياحي (ميناء الصيد والنزهة) الذي صمم لاستقبال الزوارق السياحية والرياضية وكافة أنواع اليخوت والعبارات الخاصة بالركاب وزوارق الصيد والنزهة، وهناك مشروع البدروسية الذي سيضم عشرين كتلة تحوي 60 شاليها وفندقا ومدينة ألعاب و«تراس» على البحر وسلسة مطاعم. وحاليا يضم رأس البسيط أكبر منتجع عمالي سوري حيث يضم فنادق وشاليهات على البحر تستقبل المصطافين بأسعار منخفضة للموظفين والعمال السوريين كما أنها تقدم خدماتهت للسياح ولمن يرغب بالإقامة فيها وبالأسعار المعتمدة من قبل وزارة السياحة السورية كذلك في رأس البسيط العديد من الفنادق والشاليهات المخصصة لاستقبال السياح والزوار وبدرجات سياحية مميزة ومن هذه الفنادق والمنتجعات والشاليهات هناك فندق البسيط السياحي ثلاث نجوم ودور الراحة العمالية ومطاعم مسبح الشاليهات والشلال المهجور وغيرها وبالقرب منها فنادق كسب ومنها وادي الأزهار ثلاث نجوم والروضة نجمتان والأميرة والمختار والنبعين ورمسيس وسميراميس واستراحة الجبل ومطاعم الأصيل ثلاث نجوم والربوة والسيدة والصخرة والملتقى وكيليكيا والوادي وغيرها.