مدريد.. حيث يوجد الفنانون والعارضات وأهالي المدينة في مكان واحد

تعرف إليها عبر أسواقها الشعبية

مدريد.. مدينة سياحية كاملة الاوصاف («الشرق الاوسط»)
TT

في صباح أحد الأيام الماضية، وقبل سطوع شمس الظهيرة القائظة في سماء مدريد، وقفت عارضة أزياء تبدو كالتمثال، مكسوة تماما بالأبيض، وشعرها معقوص على قمة رأسها في شكل كعكة مشدودة ومنمقة، وفي يدها ثمرة خس وأمامها طاولة مفروشة بالفواكه. وقد بدا المشهد من فرط جماله وكأنه لوحة من لوحات الطبيعة الصامتة. اخترقت امرأة عجوز ترغب في الحصول على بعض ثمار الطماطم ذلك المشهد، لكي تنتقل إلى الطاولة الأخرى، وهو ما أغضب المصور.

ففي مدريد، حتى تلك الطرق التي تكتظ بالسائحين ومرشديهم، تمثل مكانا للمعيشة وللسكان ولعارضي الأزياء وغيرهم.

ويلتقي ذلك التوازن الدقيق بين التجارة والموضة والسياحة والحياة اليومية مباشرة خارج جدران بلازا مايور حيث عاد سوق ميركادو سان ميغويل )www.mercadodesanmiguel.es( مرة أخرى للحياة، وكأنه عنقاء عادت من موتها وذلك بعد عدة سنوات من الترميم.

تقول، أنا مارتين الخبيرة في المحال الثلاثة والثلاثين المتجاورة بعضها إلى جانب بعض، تحت سقف مرتفع من الخشب والحديد: «إنه سوق تقليدي بالنسبة للقرن الحادي والعشرين». يعج ذلك السوق في النهار بالسكان والزوار على حد سواء، حيث ينادي البائعون على بضائعهم من الغلال إلى الأسماك، ومن المعكرونة الطازجة إلى الحلويات، ومن كتب الطهي إلى أدوات الطهي. وبعد ساعات، ينتقل انتباه الحشد إلى أطباق التاباس الإسبانية الشهيرة، حيث تغلق محال الفواكه وتجتذب محلات الحانات الحشود.

لقد كان سوق سان ميغيل هو المكان المثالي الذي يشتري منه أصحاب الفنادق والخدم في مدريد منذ بداية القرن التاسع عشر ما يحتاجونه بأسعار مناسبة بعد المساومة. وقد تم افتتاح الميركادو المكون من الحديد والزجاج في مايو (أيار) 1916 كممثل للحداثة وللأفكار الجديدة المتعلقة بالرعاية الصحية، وكمحاكاة لـ«ليز هالي» بباريس. ولكن مع الوقت أصاب السوق الإهمال والعطب.

وبدأت عمليات الترميم بعدما اشترى مستثمرون من القطاع الخاص المبنى في عام 2003. وفي إشارة إلى رغبتهم في الحفاظ على البيئة، استبدل المستثمرون مكيفات الهواء بنشر الهواء المحمل بقطرات الماء، حيث يستحم المتسوقون كل عدة دقائق برشاش من قطيرات الماء.

ويعج السوق في الظهيرة بالسكان المحليين، الذين ينتظرون تقطيع قطعة من اللحم أو سمك النازلي ولفها في ورق أبيض، بينما يمكنك شراء خبز الباجيت من على العربات اليدوية. وفي السوق يوجد كذلك، رجال أعمال ونساء يرتادون أحد المطاعم الصغيرة الثلاثة الموجودة في السوق ـ بعضهم يحتسي القهوة في المقهى ويتناول الكرواسان أو شطائر البوكاديلو أو الروست بيف أو السلمون (مقابل 2.50 يورو أي ما يعادل 3.55 دولار، إذا كان اليورو تبلغ قيمته 1.42 دولار). وتكتظ الأطباق بالتاباس أو السلمون، سمك القد أو التونة التي يتم شراؤها من «لا كاسا ديل باكالاوا» بيورو واحد للقطعة. وتثير فطيرة التفاح من «باستيليريا أوسترايكا» الشهية مقابل 2.90 يورو. ويمتلئ الرواق بالطاولات والكراسي المعدة لتناول الطعام. ويتفاوت المتسوقون ما بين هؤلاء الذين يتسوقون البضائع لكي يطهون الطعام في منازلهم ـ دجاجات كاملة، أو صناديق صغيرة تحتوي على الزيتون المخلل الطازج ـ وبين الذين أتوا فقط للفرجة. وهناك مكان مخصص لـ«فينسون» أرقى شركات الديكور ببرشلونة، ومكان آخر مخصص للمكتبة الكاتلانية «لاي» المتخصصة في بيع كتب الطهي، التي تبيع كتب فن وصفات الطهي (وهي عبارة عن إعلانات إسبانية يتم تثبيتها بمغناطيس وتباع بـ(3.50 يورو) وكتب طاولات القهوة الجميلة.

ويفتح السوق أبوابه حتى العاشرة مساء من الاثنين إلى الأربعاء، وحتى الثانية صباحا من الخميس إلى السبت، حيث يصطف الناس خلال الليل أمام مطعم وبار دانييل سورلوت الذي يبيع المحار، و«لا فروماجيري» حيث تباع «تاباس» جبن الماعز بالجوز في مقابل يورو واحد. وينصح النادل بمطعم «بنكليتون أند واين» بتجربة وجبة «زاراغوزان غارناشا» بسعر 10 يورو أو «الريوخا» التي يشتهر بها المطعم في مقابل 3 يورو. وبالرغم من أرضية السوق المكسوة بالغرانيت وتصميمه الفاخر فإن السيدة مارتين الخبيرة بالسوق تؤكد أن: «الأسعار هنا أفضل من أسعار السوبر ماركت كما أن الخس أكثر جمالا».

* خدمة «نيويورك تايمز»