البيئة والتقاليد.. عنوان السياحة الداخلية في لبنان

تعمل على تنظيم رحلاتها جمعيات ومؤسسات محلية

تعتمد برامج السياحة الداخلية في لبنان على فكرة التعاون مع عائلات تعيش في مناطق ريفية دربت لاستقبال السياح وتحضير الطعام التقليدي والصحي لهم («الشرق الأوسط»)
TT

بعيدا عن مغريات السياحة العالمية وتكاليفها الباهظة، تستقطب السياحة الداخلية البيئية اللبنانيين، وتندرج تحت عنواني البيئة والتقاليد، ولكنها تبقى تحت هدف واحد هو تنشيط المناطق الريفية. وتمثّل هذه الرحلات القصيرة التي قد لا تزيد على أيام عطلة نهاية الأسبوع القليلة ملاذا آمنا يمنح المواطنين فرصة اكتشاف سر تقاليد مناطق بلدهم الاجتماعية والغذائية والتعرف عن قرب على حضارة وطقوس لطالما سمعوا عنها على ألسنة الأجداد.

في هذا الإطار السياحي البيئي تنشط Lebanese adventure على خط تنظيم الرحلات السياحية البيئية في كل المناطق اللبنانية، وتتوسع قليلا باتجاه سورية والأردن والمغرب. وترتكز برامجها بشكل خاص على نشاطات مختلفة في الطبيعة اللبنانية بحسب فصول السنة، من المشي والتجديف، إلى التزلج والغوص في خفايا المغاور، إضافة إلى التخييم في خيم تتولى مهمة تركيزها في مواقع طبيعية استراتيجية.

وفي السياق نفسه، تعمل جمعية «مدى» على مستوى المجتمع اللبناني، وخصوصا في المناطق الشمالية والبقاعية، في عكار والضنية والهرمل، من أجل تنمية بيئية واجتماعية واقتصادية مستدامة، وذلك عن طريق الشراكة المحلية والعمل مع الفئات الفقيرة والمهمشة. وفي سياق برنامجها تعمل على ترسيخ العلاقة بين المجتمع المحلي وبيئته الطبيعية وحاجاته المعيشية بطريقة تحترم العادات الحياتية.

وتتشابه برامج Lebanese adventure و«جمعية مدى» في الاعتماد على فكرة التعاون مع عائلات لبنانية تعيش في مناطق ريفية مهمشة، وجدت في هذه المؤسسات ضالتها، من خلال الخضوع لدورات تدريبية بسيطة تؤهل الأهالي للتفاعل مع هؤلاء السياح. ويأتي هذا التفاعل من استقبال الضيوف إلى تحضير الطعام التقليدي والصحي لهم، وصولا إلى الاحتفالات التراثية التي تأخذ السائح في رحلة حالمة إلى عالم مضى. غنية هي الحياة في ظل بيوت بقيت محافظة على طابعها التراثي من دون المس بخصوصيتها التقليدية بعد ترميمها كي تصبح مؤهلة لاستقبال السياح بطريقة بسيطة، وقد جهزت كذلك بمواقد تقليدية قديمة للحصول على الدفء في أيام الشتاء الماطرة. أما الأسقف فمصنوعة من الخشب المستخرج من جذوع شجر اللزاب. الجلسة عربية، والمأكولات صحية طبيعية استخرجت موادها الأولية من الأرض مباشرة، أما الاحتفالات فهي فلكلورية. وكل ذلك يدخل في صلب البرنامج الذي يمضيه السائح في أي منطقة لبنانية يختارها، مع اختلاف بسيط بين الجمعيتين، إذ يقتصر دور «مدى» على لعب دور الوسيط بين العائلات في المناطق والسياح الذين يدفعون 20 دولارا كبدل إقامة لليلة واحدة في البيوت الريفية تشمل الفطور القروي، وتُترك لهم حرية التنقل لاكتشاف المنطقة أو التواصل مع أشخاص محليين يقومون بدور المرشدين السياحيين، فيما تقدم Lebanese adventure برامج كاملة للسياح، وتشمل التجديف وزيارات لأماكن أثرية، والعشاء، وسهرات تقليدية تدخل فيها الدبكة والدق على آلة المهباج ورحلات المشي على الأقدام وتصل تكلفة هذه الرحلة الشاملة إلى 105 دولارات أميركية.

ويشير جيلبير مخيبر، مدير المشروع في «جمعية مدى» والمنسق العام في Lebanese adventure، إلى أن الهدف من البرنامج هو الحفاظ على التقاليد والتراث في المناطق اللبنانية، إضافة إلى الفائدة الاقتصادية التي تجنيها العائلات اللبنانية من جراء الانخراط في هذا العمل. ويعرف أنيس عبد الملك، رئيس الاتحاد اللبناني لبيوت الشباب، الهدف الذي ترتكز عليه النشاطات السياحية، وهو تشجيع الشباب على السياحة بأسعار منخفضة ومنحهم فرصة التعرف على الثقافات المختلفة وتبادل الآراء والأفكار. ويقول «يعمل اتحاد الشباب اللبناني وفق المعايير التي وضعها اتحاد بيوت الشباب العالمي، الذي انضم إليه لبنان عام 1966. نتعاون مع جمعيات أهلية تعمل على تنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية في القرى اللبنانية، وبالتالي تؤمّن مراكز وبيوت مؤهلة لاستقبال السياح شرط أن تتمتع بمعايير محددة، أهمها الاستقبال الجيد والنظافة والمكان الهادئ والأمان، حيث يمضي السائح رحلته ويستفيد من الهدف الأساسي المرجو من السياحة». تنتشر بيوت الشباب في مناطق لبنانية عدة وهي، خان الأفرنج في صيدا، وزفتا في الجنوب، وعالية في جبل لبنان، وكفر ذبيان وتعنايل ومعاصر الشوف. وتعمد كل جمعية في كل منطقة إلى تنظيم برنامج نشاطات مختلف يأخذ في الاعتبار التعرف على مزايا كل منطقة وخصائصها، وهي ليست موجهة إلى الشباب فحسب، بل للعائلات وكبار السن أيضا. وتتراوح تكلفة الليلة الواحدة في هذا النوع من البيوت بين 20 و30 دولارا.

ومن لا يرغب في الإقامة خارجا فسيجد ضالته أيضا في بعض الجمعيات والمؤسسات اللبنانية التي تجهد في تنظيم رحلات يوم الأحد من كل أسبوع، مشيا على الأقدام، تؤمّن للسائح فرصة اكتشاف خفايا مناطق وطنه الطبيعية. تقول سابينا دافيد، المسؤولة عن تنظيم الرحلات في مؤسسة «سيكلاما»: «نعمل أسبوعيا على تنظيم رحلات استكشافية مشيا على الأقدام في مناطق لبنانية عدة مؤهلة ومناسبة لهذا النوع من النشاطات». وتضيف: «هذه الرحلات تجذب عددا كبيرا من اللبنانيين، العائلات والأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و65 عاما، ونحرص على ألا يزيد عدد كل مجموعة على 25 شخصا كحد أقصى، كي يكون تفاعل المرشد معهم سهلا». وتشير إلى أن بعض السياح باتوا من الزبائن الدائمين الذين يتوقون إلى التعرف على المناطق اللبنانية، إضافة إلى سياح أجانب يحرصون على المشاركة معنا في نشاطاتنا التي تختلف توجهاتها أسبوعيا بين البقاع والشمال والجنوب ولا سيما تنورين والأرز.