لبنان.. ثورة سياحية تجتاح كل المناطق

نسبة إشغال الفنادق والمطاعم بلغت 100%

عودة السياح والحياة الى سوليدير («الشرق الأوسط»)
TT

جاءت وقائع الموسم السياحي اللبناني لهذا العام على قدر الآمال التي عقدها المسوؤلون وعلى رأسهم وزارة السياحة التي توقّعت قدوم مليوني سائح في صيف الـ 2009، وها هو الرقم قد تجاوز في منتصف الموسم المليون سائح.

موسم أكثر من واعد لم يشهده لبنان منذ عام 1974 حين وصل عدد السيّاح إلى 1.4 مليون سائح. والوقائع على الأرض خير دليل على هذه الثورة السياحية التي اجتاحت كل المناطق وجعلت لبنان بمؤسّساته ومواطنيه يتجنّد لاستقبال الزوار. كما ساهمت الحملات الإعلامية والإعلانية المحلية والعالمية في ازدهار هذا الموسم. وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية قد صنفت في لائحتها السنوية للوجهات السياحية المقصودة بيروت على أنها الوجهة العالمية الأولى لعام 2009، مشيرة إلى أن العاصمة قد تستعيد لقبها «باريس الشرق الأوسط». كما وضع دليل «لونلي بلانيت» العالمي بيروت في المرتبة الثانية بين المدن العشر الأولى التي «يجب زيارتها» بسبب «ديناميكيتها وسحرها».

استقبل لبنان مغتربيه وتلوّنت مناطقه بجنسيات من مختلف الدول الأجنبية والعربية وعلى رأسها الخليجية، ونطق بلهجاتهم التي صارت مألوفة في المجتمع اللبناني. لكل من هؤلاء وجهته التي يختارها وفقا لمتطلباته السياحية، ومنهم من فضّل الاستقرار في الجبل حيث برودة الطقس والأسواق والمهرجانات والمطاعم التي تبذل جهودها لإرضاء السيّاح الذين توزّعوا بين الفنادق والبيوت التي يستأجرونها سنويا أو موسميا أو حتى لأيام معدودة، إضافة إلى أولئك الذين صاروا من مالكي بيوت الاصطياف في الجبال اللبنانية.

وهناك سياح لا يستغنون عن قلب العاصمة التي تحوّلت إلى موقف كبير للسيارات، لا يختلف ليلها عن نهارها، وصارت زحمة السير من صلب البرنامج اليومي المشترك بين المواطنين وزائريهم، إلى درجة أن شبكة الاتصالات دخلت بدورها في هذه الدوامة ولم تتحمّل كثافة الخطوط، الأمر الذي جعلها تتعرّض لمشكلات تقنية. هذه الحركة السياحية المفعمة بالحياة والفرح لم تقتصر على زوّار لبنان بل شملت أهل البيت الذين صاروا يتسابقون بدورهم على السياحة الداخلية وحضور المهرجانات التي عمّت كل المناطق اللبنانية الصغيرة منها والكبيرة ودخلت بطاقاتها السوق السوداء. واعتمد اللبنانيون المقيمون والمغتربون في سياحتهم على بيوت الضيافة التي تنتشر في مناطق جبلية وساحلية عدّة وتحوّلت إلى ملاذ آمن يجد فيه اللبنانيون فرصة لاكتشاف بلادهم بأسعار منخفضة. وللمغتربين حضورهم اللافت هذا الصيف، فقد عادوا بأعداد هائلة بعدما غيّبوا قسرا عن وطنهم لسنوات عدّة. الوجهة واحدة والأسباب مختلفة، منهم من كان متعطشا لتمضية عطلته في لبنان ومنهم من قصد بلده للاحتفال بالمناسبات السعيدة، لا سيما أن المطاعم والفنادق حيث تقام الاحتفالات بشكل عام والأعراس بشكل خاص، دخلت بدورها في تنافس شرس، ولم تعد المناسبات الاجتماعية مقتصرة على عطلة نهاية الأسبوع بل صارت شبه يومية. المهم هو الفوز بحجز ولا فرق إن كانت ليلة السبت أو الاثنين. والزحمة نفسها صارت من طقوس المطاعم وأماكن الترفيه في كل المناطق اللبنانية، وذلك بعدما صارت الجلسة فيها تحتاج إلى حجز مسبق يضمن للزائر فرصة التمتّع بأوقات مسليّة. يقول وليد خير الله رئيس بلدية بحمدون التي تمثّل نموذجا سياحيا لباقي المناطق اللبنانية: «الحجوزات في المنطقة التي تستقبل يوميا 45 ألف زائر وصلت إلى 100 في المائة، بما فيها المطاعم التي تمتلئ يوميا بـ 14000 كرسي والفنادق التي يبلغ عددها 11 إضافة إلى 2000 وحدة سكنية للإيجار تتراوح أسعارها بين 3000 دولار في الموسم و1000 دولار في اليوم الواحد بحسب موقع المنزل ومساحته، ولكل منها زبائنها الذين تهافتوا للفوز بها». عن الواقع السياحي للعام 2009، يقول نقيب الفنادق في لبنان بيار الأشقر لـ «الشرق الأوسط» إن «نسبة إشغال الفنادق بين شهري يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) وصلت في لبنان إلى 90 في المائة. واحتلّ الأردنيون والعراقيون أبرز الوافدين إلى لبنان هذا الموسم، مع العلم أن واقع الحجوزات يشير إلى تقلّصها أو حتى انتهائها في بداية شهر رمضان المبارك». وفي ما يتعلّق بالمناطق التي تجذب السياح بشكل عام والأجانب بشكل خاص قال الأشقر: «تعتبر بيروت الوجهة الأكثر استقطابا لهؤلاء على اعتبار أنها قلب العاصمة القريب من كل أماكن الترفيه والتسلية، وتأتي بعدها مناطق الامتداد الساحلي ولا سيما جونية. وفي حال استحالة الحصول على حجوزات في هذه المناطق فعندها تتحوّل الوجهة إلى جبل لبنان». وعن زيادة أسعار الغرف في الفنادق يشرح الأشقر: « الأسعار التي تتبعها الفنادق هي نفسها التي وضعت منذ خمس سنوات، لكن في السنتين الماضيتين حين كانت الفنادق متعطشة لاستقبال السياح عمد البعض إلى المنافسة غير المشروعة التي أدت إلى خفض الأسعار، أما اليوم فالجميع يعتمدون الأسعار نفسها مع ما يتطلّب الأمر من تعديلات متعلّقة بضرورات الموسم السياحي الذي ترتفع أسعاره تلقائيا».

ويردّ الأشقر على من يتّهمون المؤسسات السياحية باستغلال السياح وزيادة الأسعار بالقول «كما في كل الدول تحصل بعض المخالفات وتعمل وزارة السياحة على توقيفها من خلال المراقبين، لكن الإعلام يعمد في بعض الأحيان إلى تضخيم الأمور». ويرى في هذا السياق أن السياحة «نفط لبنان»، وأن من حق اللبنانيين الإفادة من هذا القطاع.

ويحصر الأشقر المشكلات التي يعانيها قطاع السياحة بأزمة الكهرباء والماء واليد العاملة التي فقدها لبنان في السنوات الثلاث الأخيرة، ويقول: «لأننا نطمح إلى تقديم الأفضل في مستوى الخدمات نحتاج إلى فترة سنة أو سنتين لتدريب مجموعات جديدة توازي الخبرات التي فقدناها». ومن جهته يؤكّد خير الله: «عمدنا إلى احتواء مشكلة الكهرباء والماء عبر ضخّ المياه من العين وتأمين المولّدات على نفقتنا الخاصة لإضاءة شوارع بحمدون ليلا ونهارا».

ولم تغب الأرقام الصادرة عن دائرة الحركة والإحصاء في المديرية العامة للطيران المدني عن الواقع السياحي، وقد أشارت في بيان لها إلى زيادة عدد المسافرين عبر مطار بيروت الدولي خلال يوليو (تموز) الماضي حوالي 28 في المائة مقارنة بيوليو (تموز) 2008، وبالتالي ارتفعت حركة الركاب خلال الأشهر السبعة الأولى من 2009 بنسبة زيادة تبلغ 29 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من 2008، إذ بلغ عدد المسافرين 2708962 في يوليو (تموز) 2009 مقابل 2102635 مسافرا في يوليو (تموز) 2008. وقد بلغ مجموع الركاب خلال تموز 621522 راكبا، بزيادة مقدارها 27.95 في المائة عن تموز 2008 الذي سجّل 485.769 راكبا.

وفي السياق نفسه، ازدادت حركة الطائرات الخاصة بنسبة 35 في المائة مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية.

وكانت شركة «طيران الشرق الأوسط» قد قامت بواجباتها لاحتواء هذه النسبة العالية من القادمين إلى لبنان. ويقول زياد خوري المدير التجاري في الشركة لـ «الشرق الأوسط»: «زادت نسبة الحجوزات إلى لبنان 16 في المائة عن السنة الماضية، وأكبر عدد من القادمين هم من المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، كذلك من فرنسا وأميركا الشمالية عبر نقاط في أوروبا».

ويضيف: «اتخذت شركة طيران الشرق الأوسط الإجراءات اللازمة لاحتواء عدد الوافدين إلى لبنان عن طريق زيادة عدد الرحلات إلى عدة نقاط، فسيّرت رحلتين في اليوم إلى كل من عمان والقاهرة ودبي، و11 رحلة في الأسبوع إلى كل من الرياض وجدة والكويت ورحلات يومية إلى الدمام وأبوظبي وفرانكفورت. كما سيّرت 25 رحلة إلى باريس وأربع رحلات في الأسبوع إلى كل من روما وميلان وبرلين و3 رحلات إلى نيس ورحلتين إلى كوبنهاغن، مع العلم أنه لدينا قدرات واسعة لتسيير رحلات إضافية إذا استدعت الحاجة.